أوضح الباحث الجزائري الحاج ملياني في تصريح خاص للجمهورية أن أغنية الراي النسوي قد ظهرت من خلال »الشيخات« وهن المغنيات اللائي إستلهمن هذا اللون من الطابع البدوي وإعتمدت بشكل كبير على الآلات التقليدية مثل الدربوكة والبندير وفي الوقت الذي كانت فيه الطبوع الموسيقية الأخرى تحوز على حصة الأسد من إهتمام مختلف الموسيقيين ودور النشر وكذا الجمهور كان اللون البدوي يسير بخطى ثابتة نحو التألق والنجاح ليثبت نفسه في الوسط الفني في فترة زمنية قصيرة لدرجة أن معظم العائلات الجزائريات صارت تطالب بحضور الشيخات في أعراسها وأفراحها العائلية مما أجبر الموزعين ودور النشر للإلتفات نحوهن بعد أن صارت الشيخة مطلب الجمهور ومنظمي الحفلات على غرار الشيخة »الريميتي« والشيخة »الواشمة« فلم يكن للعامة حديث سوى عن هذا الطابع الجديد الذي اعتبره بعض الباحثين على أنه لون موسيقي دخيل على الوسط الفني لكنه سرعان ما صار الشغل الشاغل لهؤلاء الأشخاص الذين درسوا هذا الطابع وقاموا بالعديد من الأبحاث كونه ينبثق من عمق التراث الفني الجزائري وبعد فترة وجيزة جاء زمن المداحات من خلال ظهور أصوات قوية ومتميزة أضافت رونقا خاصا على لون »الشيخات« الذي لا يختلف كثيرا عن طابع »المداحات« لا من ناحية الموسيقى ولا من ناحية الصوت النسوي الذي يشترط أن يكون »خشنا« وهو ما يميز هذين اللونين على الأرجح لتتألق في هذه الفترة الشابة »الزهوانية« التي ظهرت إلى جانب عدد من المداحات وبرزت بصوتها »الخشن« وإحساسها الريتمي الجميل فكانت بدايتها آلة الدربوكة والبندير ولم تكن تؤدي سوى الأغاني التراثية العريقة مثل عبد القادر يابوعلام وغيرها من الأغاني القديمة ذات الكلمات الموزونة التي ولدت من رحم التراث الجزائري الأصيل ليذيع صيتها بشكل كيبر حتى في الدول الأوروبية لتغني بكل إعتزاز على أشهر المسارح العالمية والعربية ويصبح لون المداحات من أكثر الألوان الموسيقية إزدهارا في تلك الفترة مما فتح المجال أمام فنانات أخريات حاولن الولوج إلى عالم »المداحات« وتقليد أشهر الشيخات اللائي تألقت في الفترة الذهبية فحافظن على الأغاني التراثية وقدمن هذا اللون بكل إحترافية فكانت أصواتهن متاشبهة لحد كبير وهو على الأغلب ما ميز لون المداحات التي إعتبره الكثيرون المحطة الفنية الثانية في مسيرة أغنية الراي النسوية ولم تكتمل الحلقة عند هذه المحطة بل عرفت أغنية الراي بالصوت النسوي فترة أخرى تمثلت في الراي العاطفي وهي الفترة التي زينت بصوت المرحوم الشاب حسني والشاب نصرو وغيرهما من مطربي الراي ليتراجع طابع المداحات نوعا ما ويظهر هذا اللون الجديد الذي تبنته كل من الشابة فضيلة والشابة خيرة اللتان برزتا في هذا الطابع وقدمتا أغاني جميلة حققت نجاحا باهرا في سوق الكاسيت ناهيك عن الإقبال الكبير على الألبومات من طرف الجمهور الذي أحب الراي النسوي ولم يمانع في أن يكون الصوت النسوي جزء لا يتجزأ من عالم الراي الذي صار مفتوحا أمام المطربين والمطربات لتجد الشابة »جنات« هي الأخرى فرصتها بآدائها لأغاني رايوية ناجحة معتمدة بذلك لأول مرة على تقنية »التكنو« فقدمت ألبومات عاطفية أخذت مكانة كبيرة في سوق الكاسيت لا سيما بالغرب الجزائري خصوصا أغنية »ما تجبدوليش« التي غيرت نظرة الشباب الوهراني للصوت النسوي الذي كان مقتصرا فيما مضى على »المداحات« فقط لتتوالى المراحل بعد ذلك ويظهر جيل آخر من المغنيات المبتدئات اللائي حاولن التقليد دون تقديم الجديد حيث أن أغلبهن يتمتعن بالصوت الخفيف عكس المداحات لتختلط الأوراق مرة أخرى ويشهد الراي النسوي مرحلة أخرى من التطور بعد أن خرج من طابع واحد هاهو الآن يشهد تنوعا كبيرا من خلال أصوات نسائية مختلفة مثل الشابة سهام الشابة دليلة وغيرهما من الأسماء لكن المؤسف في الأمر أن هذه الأصوات لا تأتي بالجديد بل تعتمد على تأدية الأغاني القديمة فقط مع الإبتعاد عن آليتي الدربوكة والبندير وتوظيف آلات موسيقية أخرى أكثر تطورا كالسانتي والڤيتار وآلات أخرى ومن جهة أخرى فقد أكد ملياني الحاج أن مغنيات الراي في الوقت الراهن أغلبهن لا يملكن ثقافة أغنية الراي الأصيلة فيظهر لنا حاليا محاولتهن لتقليد الفنانات القديمات فإذا تعمقنا في الوسط الفني فلن نجد سوى مغنيات يبلغن 20 سنة على الأكثر وهو ما يبين أن فن الراي صار واجهة لمن هب ودب وهذا ما جعلهن مغنيات غير حقيقيات بل مجرد هاويات يؤدين طابع الراي دون مبالاة وهو ما أثر على واقع الراي بالوسط الفني ورهن مستقبله في ضوء إقتحام الدخيلات للوسط اللائي لن يمكثن كثيرا في الساحة كما لن يستطعن الحفاظ على مكانتهن بالسوق لوقت طويل حيث أثبت سوق الكاسيت تراجعا رغم وجود عدد من الأصوات المرددة لكن رغم هذا يمكن القول أن الصوت النسوي صار له نصيب في أغنية الراي ولا يمكن لأحد إنكار ذلك .