-لم تعد قضية مستوى الأئمة تطرح اليوم ، فأغلبهم أصحاب شهادات جامعية -العشرية السوداء رفعت مستوى الحس بالمسؤولية و أيقظت الهمم لمحاربة كل فكر دخيل أو تطرف مقيت * ما تعريف الخطاب الديني ؟ أخذ الخطاب في الوقت الحاضر حيزا أوسع من الكلام، إذ يشتمل على كل كلام أو سلوك أو تصرف. و الخطاب فعل تواصلي بين المخَاطِب و المخَاطَب يهدف إلى التأثير عليه بأي شكل من الأشكال، سواء بإقناعه أو إفهامه أو إفحامه. و من هنا يعرف الخطاب الديني على أنه كل كلام أو سلوك أو تصرف يكون الباعث عليه انتماء إلى دين معين. و قد يحدد مفهوم الخطاب الديني أيضا على أنه ما يصدر من الأئمة وأهل العلم و الدعاة من وعظ وإرشاد مستندين إلى أصول الدين الثابتة و قواعد الشريعة الصحيحة. و لذا فالخطاب الديني الإسلامي يجب أن يكون محصورًا في خطاب من هو أهل لأن يجتهد في بيان شرع الله. فكل خطاب ديني يصدر من غير أهل العلم ولا يجوز أن يسمى دينيا. هل لفهم النص نفس قدسية النص لم يشتغل الإنسان منذ القدم بشيء كانشغاله بفهم النصوص المقدسة، لذلك كان يستحدث في كل عصر من العصور آليات معينة و علوم مخصوصة للوصول إلى المعاني الحقيقية للنص المقدس، فإدراك أو الوقوف على غاية النص المقدس و معرفة معنى النص هي وسيلة لفهم تعاليم الدين و السلوك القويم. و لم يخرج المسلمون عن هذه الدائرة فقد استحدثوا علوما لخدمة الكتاب و السنة النبوية، وكانوا يشترطون على كل مبتدئ أن يدرس هذه العلوم، حتى يتسنى له فهم النصوص المقدسة. ما هي آليات تجديد الخطاب الديني؟ وما هي المسائل التي يتم فيها التجديد ؟ آليات تحديد الخطاب الديني هي ضرورة التزام الإمام بالقرآن و السنة و المرجعية الوطنية، وبالوحدة الوطنية و جمع الكلمة وكذا التزام الإمام مبدأ اللين و الكلمة الطيبة و الإبتعاد عن الفضاضة و الفجاجة و السباب و اللعان و الطعن الى جانب معالجة الإمام لقضايا عصرية بأسلوب لطيف. هل الدين يتجدد أم الخطاب المتعلق بالدين هو الذي يتجدد ؟ ثوابت الدين و قواعده العظمى لا تتغير أبدا و تبقى ما بقي الدين، أما الأحكام التي من شأنها الاجتهاد وإدراكها بالفهم فهي تتغير بتغير الأحوال و العادات و الطبائع، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يحدث للناس من أقضية ما أحدثوا من فجور. أما ما يتعلق بالخطاب الديني فهو يتجدد في كل حين، حتى يراعي مقتضى الحال، فما كان يصلح من خطاب في الصدر الأول لا يمكن إعادته حرفيا في هذا العصر، بل ما كان من خطاب وقت الاستعمار لا يمكن استنساخه بعد الاستقلال، وما يصلح من خطاب وقت الصيف لا يصلح في الشتاء.
ما معنى الحديث النبوي "يبعث الله في هذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد أمر دينها ؟
قول صلى الله عليه وسلم:( يجدد لها دينها ) أنه كلما انحرف الكثير من الناس عن جادة الدين الذي أكمله الله لعباده وأتم عليهم نعمته ورضيه لهم دينًا، بعث إليهم علماء أو عالمًا بصيرًا بالإسلام ، وداعيةً رشيدًا، يبصر الناس بكتاب الله وسنة رسوله الثابتة ، ويردهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم وهذا هو التجديد، تجديدًا بالنسبة للأمة لا بالنسبة للدين الذي شرعه الله وأكمله، فإن التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة ، أما الإسلام نفسه فمحفوظ بحفظ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة له، قال تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). هل بالضرورة يكون التجديد على رأس كل 100 سنة ؟ ليس بالضرورة أن يكون التجديد في كل قرن ، فلو سلمنا أن المجدد هو مجموعة من العلماء فلا يمكن أن يكونوا على نفس الدرجة من العلم و التقوى و العمل الصالح أو بمعنى آخر قد لا تجتمع الصفات اللازمة للتجديد في مجموعة من العلماء في عصر واحد، بل ربما كان كل عالم يتميز عن غيره في جانب من جوانب الخير وعندئذ يكون مجددا في ذلك الجانب، وهكذا وفي هذا يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :" لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط ، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة ( يعني قد تكون جماعة ) وهو متجه ، فإنَّ اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير ، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد . هل لابد أن يكون المجدد عالم واحد أم يمكن أن يكون عبارة عن مجامع فقهية ومراكز البحث مختصة في الشريعة؟ قد اختلف العلماء في تحديد ما المراد بالمجدد هل هو فرد أم مجموعة ؟ أي هل هو عالم واحد يناط به هذه المهمة أم هو جمع من العلماء تتكاثف جهودهم من أجل هذا الغرض؟. واختلاف العلماء في تحديد معنى المجدد مرده إلى اختلافهم في معنى كلمة (مَن) وهي اسم موصول تفيد الإطلاق، فيحتمل أن يكون المجدد فردا، ويحتمل أن يكون طائفة من الناس، وبناء عليه فلا يلزم تتبع أسماء أفراد من العلماء في كل قرن والمفاضلة بينهم لتمييز المجدِّد فيهم، فقد يكون كلهم ساهم في تجديد هذا الدين وبعثه في الأمة. هل الأئمة الخطباء الذين يعتلون منابر مساجد الجزائر مؤهلين نفسيا واجتماعيا لتحمل تبعات الأمانة الثقيلة ؟ لا يعرف حجم المسؤولية الدينية والأخلاقية و الاجتماعية الملقاة على عاتق الإمام إلاّ الإمام، لذلك كانت سياسة الدولة منذ الاستقلال استحداث مدارس وطنية و معاهد إسلامية لتأطير و تكوين السادة الأئمة، الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية المحافظة على الوحدة الوطنية و السلم الاجتماعي و تكريس احترام النظام العام من خلال الوعظ و الإرشاد و البيان و المحجة. والواقع يشهد لأئمة الجزائر أنهم وقفوا مواقفة طيبة في أحلك الظروف، و قدموا تضحيات من أجل مواقف شجاعة، ولو نظرنا بعين الإنصاف لدور الإمام داخل و خارج المسجد وتتبعنا ما يقوم به السادة الأئمة في العلن و الخفاء من جهود مشكورة ومدى تأثيرها على رواد المسجد و أهل الحي و المنطقة، لأدركنا أن الإمام يقوم بدور محوري فعال داخل المجتمع. دون أن ننسى أن أعمال الإمام داخل و خارج المسجد خاضعة لقوانين سطرتها الوزارة لتفعيل دور الإمام على أكمل وجه، واستحدثت لهذا الغرض دورات تكوينية و دورات تحسين المستوى و ندوات علمية و ملتقيات وطنية ودولية و أيام دراسية وغيرها.
غالبية الأئمة من خريجي الزواية والمعروفة عن هذه الأخيرة انتشارها في المناطق النائية والجنوب فهل يمكن أن يساير هؤلاء الأئمة تعقيدات المدن الكبرى ؟
الزوايا لها دور كبير في المجتمع كما كانت لها أدوار سامية في تخريج الأئمة و العلماء و القادة الكبار و الزعماء السياسيين حيث شكلت الزوايا الحاضنة الرئيسية و الحصن الأول في الدفاع عن مبادئ الدين الحنيف بالإضافة إلى رعاية القيم الاجتماعية و شد الروابط الأخوية بين أفراد المجتمع فهي الملجأ الأول لحفظة القرآن الكريم و لطلبة العلم قديما و حديثا. كما لم تعد قضية مستوى الأئمة تطرح اليوم بالشكل الذي كانت تثار به قديما، فأغلب الأئمة متحصلون على شهادة الليسانس، ومنهم من يحمل شهادة الماستير في شتى العلوم و ليس العلم الشرعي فقط، و منهم أئمة يحضرون شهادة الدكتوراه، و على سبيل المثال، نجح أزيد من 8 أئمة من ولاية وهران في اجتياز مسابقة الدكتوراه في السنة الأخيرة، كما أن الإحصاءات تحيلنا على أنه أكثر من 15 إمام يحضرون شهادة الدكتوراه، في العلوم الشرعية و النقد و الفلسفة و التاريخ و الترجمة و غيرها، فهل مثل هؤلاء نشكك في قدرتهم على مسايرة تعقيدات المدن الكبرى؟ هل مساجدنا اليوم محصنة بما فيه الكفاية من الأفكار المتطرفة كالتكفيرية أو تلك التي تدعو الى مذاهب أخرى ؟ لقد أثبتت المساجد عبر تاريخها المعاصر قدرتها و حصانتها ضد الأفكار المتطرفة، بل وقفت سدا منيعا وحصنا حصينا ضد التطرف بكل أشكاله و ألوانه، و حاربت كل دخيل من الأفكار الغريبة عن مجتمعنا، فالتعليمات الوزارية و القرارات الإدارية الدورية و الندوات الشهرية والملتقيات كلها توحد الجهود من أجل معالجة ما يستجد من قضايا تمس العقيدة أو الأخلاق. و الحقيقة أن ما مرت به الجزائر خلال العشرية السوداء رفع مستوى الحس بالمسؤولية و أيقظ الهمم لمحاربة كل فكر دخيل أو تطرف مقيت، على كل المستويات بداية من الوزارة الوصية التي لا يخفي عليها ما يسعى إليه شرذمة من المفتونين بالأفكار المتطرفة أو المذاهب المتعصبة أو العقائد الفاسدة التي تسعى لتفكيك الشمل و تشتيت الأمة إلى جماعات متناحرة متباغضة، و انتهاء بالرجال الميدان و فرسان المنابر الذين يشكلون حائط الصد الأول لوقف غزو هذه العلل على جسد الأمة.