أكد الأستاذ والباحث الأنثروبولوجي محمد داود في تصريح للجمهورية أن الرواية الجزائرية في وقتنا الراهن وكذا الكتابات السردية لازالت في بداية الطريق من الناحية الفنية ولم تصل بعد إلى مستوى كتابات الروائيين القدامى على غرار المرحوم الطاهر وطّار ورشيد بوجدرة وكذا واسيني الأعرج وغيرهم من الأفلام العريقة التي عززت الساحة الأدبية بكتاباتها الناجحة وتألقت بفكرها وخيالها الإبداعي المرموق، مؤكدا أن السبب في ذلك يعود إلى أن الكتابة الروائية تحتاج إلى الجهد كبير واحترافية في إتقان اللعبة وهذا يتطلب عدم تسرّع الروائي في الكتابة لأن الرواية هي في الأصل بناء لموضوع معين بناء تخييلّيا وتتدخل فيه اللغة والأسلوب والخلفية الثقافية، مما يجعل جميع هذه المواهب الجديدة في بداية الطريق إلا أنهم يتميزون في طروحاتهم بعدم الإنسياق وراء الخطاب الإيديولوجي السائد مجرّبين بذلك تقنيات الكتابة الجديدة وهذا من أهم ميزاتهم لكن الظروف المحيطة بالإبداع الأدبي بصفة عامة غير مناسبة لأن الأديب أو الروائي يحتاج الى جو من المنافسة بين المدارس وتدخل قوى للنقاد بهدف توجيه العملية الأدبية وهذا ما تفتقد إليه بالجزائر مما يجعل الرواية الجزائرية في بداية طريقها وهذا في ظل انعدام الجو الأدبي المناسب الذي يحفز الروائي على الذهاب بعيدا في تفتيق مواهبه وبذل المزيد من الجهد لكن هذا لم يمنع الأستاذ داود من ذكر بعض الأسماء الروائية التي برزت في الفترة الأخيرة وعززت الساحة الأدبية الجزائرية بكتاباتها الناجحة على غرار الروائي بشير مفتي وحميد عبد القادر اضافة الى الروائية المتألقة ياسمينة صالح ومجموعة أخرى من الأدباء الشباب. وفي ذات السياق فقد أوضح المتحدث أن كتابة الرواية بالجزائر صارت ظاهرة ثقافية لأن هذا الجيش الأدبي يمنح الأديب أولا حرية كبيرة في التطرق للموضوعات الإجتماعية والتفصيل فيها هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الرواية تمنح للقارئ فسحة كبيرة للتخيل على عكس الأجناس الأدبية الأخرى، والأهم من ذلك أن دور النشر أصبحت تشجع الرواية كثيرا وترى أنه إستثمار مربح وثمين، وحتى الإعلام الجزائري أصبح لا يلتفت إلا للكتابة الروائية ضف إلى ذلك نوعية الجوائز المعروضة عبر مختلف دول العالم العربي التي غالبا ما تتجّه نحو الكتابة الروائية، وجميع هذه المعطيات جعلت الأدباء يتوجهون لكتابة الرواية وهذا يؤثر كثيرا على الألوان الأدبية الأخرى خصوصا أن جل الأدباء انتقلوا من القصة القصيرة إلى الرواية وقد كانت البداية مع الشعراء أمثال ربيعة جلطي التي تحوّلت من الشعر الى الرواية والأسماء كثيرة جدا في هذا المجال وبصريح العبارة فإن هؤلاء الأدباء أدركوا أن الإستثمار في الرواية يعود عليهم بالفائدة ثم أن هناك ظاهرة اقتباس الروايات الى أفلام ومسلسلات درامية مثل رواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي التي حولت الى مسلسل ناجح، مما يجعلنا نتأكد أن الرواية صارت مرتبطة بالتجارة والمقروئية، حيث صار الأديب يطمح لإمتلاك استيراتيجية تمكّنه من التعريف بنفسه واكتساب مجموعة كبيرة من القراء، وعلى هذا الأساس فإنه يسعى لإحتلال فضاءات إعلامية والتعامل مع دور نشر معروفة لجعل كتاباته متداولة واسمه معروف. ومن جهة أخرى فقد تطرق الأستاذ محمد داود إلى الرواية العربية وكيف أثرت في الروائيين الجزائريين كيوسف إدريس مثلا الذي تأثر بالروائي العربي نجيب محفوظ اضافة الى أدباء من لبنان وسوريا وهو ما دفع بالأدباء الجزائريين للتعامل مع دور النشر العربية مثل الطاهر وطار الذي كان ينشر رواياته في لبنان في بداية مشواره الأدبي وأصبح له إسم كبير في دول المشرق وعليه فإنه يوجد ارتباط كبير بين الأدباء في الجزائر والمشرق العربي من خلال إنتاجات أحلام مستغانمي وفضيلة الفاروق ولعرج واسيني اضافة الى ربيعة جلطي ومرزاق بقطاش وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك توجه كبير للإستثمار في الأدب الجزائري من طرف دور النشر العربية، لكن في المقابل هناك استثمار كبير من قبل دور النشر الفرنسية في الأدب الجزائري وتشجيعه من خلال ياسمينة خضرة، بوعلام صنصال وأنور بن مالك بالإضافة الى أن هناك دور نشر جزائرية مثل البوزخ ودار الإختلاف اللذين يحاولان التخصّص في نشر الأدب الجزائري والرواية على وجه الخصوص.