روائيون يحمّلون الاعلام والنقاد مسؤولية التعتيم عرفت الرواية الجزائرية مع مطلع سنة ألفين تراجعا في الانتاج وعقما في ظهور أسماء جديدة كتلك التي أفرزتها مرحلة السبعينيات وامتدادا إلى التسعينيات التي عرفت نهاية الإحتكار اللغوي بالظهور اللافت للأسماء الكبيرة التي أعادت وهج الرواية الجزائرية العربية... ثم جاءت فترة ركود للإنتاج ظهر معه عسر الولادة للأعمال الجديدة.. فهل أن الرواية في حد ذاتها لم تجد نصا تفتح به شهية الكلام كتلك المواضيع التي حملتها السرديات في عشرية الخراب أو ثمانينيات التحول السياسي والاقتصادي؟ النصر حاورت بعض النقاد والروائيين حول هذه الإشكالية فجاءت الأجوبة متباينة، كل يعطي تفسيره من منظوره لراهن الثقافة.. سبر: عبدالرحيم مرزوق الدكتور عمر عيلان نحتاج إلى تأمل كبير قبل.. الجزم القول بتراجع النصوص السردية عموما والروائية بالخصوص بحاجة إلى تأمل دقيق في جملة من المعطيات التي تجعلنا نحاور هذا الرأي الذي يجزم بأن الرواية الجزائرية عرفت ابتداء من سنة 2000 تراجعا مقارنة بالسنوات التي قبلها، أين رافق الخطاب السردي التعددية وحرية التعبير، ويمكن مناقشته من حيث كون النصوص الرواية التي كتبت في التسعينات وما بعدها هي نصوص حالة سواء من حيث المضمون الذي يركز بشكل أساسي على الإنتفاح والحرية والتعددية السياسية أم من حيث تناول قضايا مثل العنف السياسي والإرهاب... وكانت وتيرة الإنتاج وعدد الكتاب في تسارع وتزايد نظرا لطبيعة الأزمة التي عرفها المجتمع الجزائري. ويمكن أن نسجل كتابات وأسماء بشير مفتي، عزالدين جلاوجي، عيسى شريط، إبراهيم سعدي، وغيرهم. وهذه الأسماء تداولت في التسعينيات وما بعدها والآن تظهر أسماء أخرى ومحاولات لكتابة الرواية يمكن أن يكتب لها الإستمرار، وقد تتوقف في بداية المشوار، ونذكر من بين هذه الأسماء لا على سبيل الحصر، خيري بلخير في (نخلة الوجع) جفافلية الطاهر في "المخطوط الملكي" والأستاذ حبيب مونسي في "العين الثالثة". الكتابة الروائية في الجزائر لا يمكن القول أنها تراجعت في بدايات القرن الحادي والعشرين بل العكس تماما. إلا أن التراجع حصل في الإهتمام الإعلامي بهذه النصوص الروائية الجديدة التي تدخل الساحة الأدبية. كما يمكن إضافة عنصر آخر يتمثل في غياب المؤسسات الأدبية عن القيام بدورها في هذا المجال وأعني الجمعيات الثقافية واتحاد الكتاب الذي لم يوفر مجالا للتعريف بالكتاب والكتابات الجديدة. كما أن غياب ديناميكية سوسيو ثقافية في المجتمع الجزائري ترهن الساحة الثقافية لسلوكيات وقيم بعيدة عن التأسيس لفعل ثقافي جاد. إن غياب أو قلة الاعلام الثقافي والأدبي المحترف يجعلنا لا نملك رؤية حقيقية عن طبيعة ووتيرة الكتابات الأدبية عموما، وهذا ما يجعلنا ربما نعتقد أن الإنتاج الروائي قد تراجع. الدكتور حفناوي بعلي الرواية حافظت على صعودها وتتويجاتها أنا شخصيا لا أرى أن الرواية الجزائرية قد تراجعت في الانتاج بداية من سنة 2000 مقابل صعودها في الثمانينات، واعتقد أن هذا الحكم فيه اجحاف وحكم مسبق... لماذا؟ لأني أرى من وجهة نظري ويؤيدني فيها الكثير من النقاد، بأن الرواية الجزائرية مثلما عرفت صعودا في الثمانينات حافظت على صعودها وامتدادها وعرفت تطورا لا نظير له سواء تلك المكتوبة بالعربية أو تلك المكتوبة بالفرنسية، وظهرت أسماء لامعة، حصدت الكثير والكثير من الجوائز الدولية. وهذا التكريم العالمي للرواية الجزائرية تحقق للكتابات والتجارب الأخيرة. وإن في العقدين الأخيرين أو العقد الأول من مطلع هذا القرن، عرف بروز أعمال كبيرة، منها الأعمال التي توجت الروائي الطاهر وطار جوائز معتبرة وكذلك الروائي رشيد بوجدرة وواسيني الأعرج وياسمينة خضرة... وظهر على الساحة بقوة الجيل الجديد من الكتاب الشباب من أمثال مفتي بشير. وعليه فإن الرواية الجزائرية هي في تطور مستمر وأنها استطاعت أن تدخل فيما يعرف بالتجريب الروائي وهي على أبواب العالمية. الدكتور علي ملاحي الروائيون مظلومون.. بشكل أو بآخر الموقف غير سليم إلى حد كبير لأن عدد النصوص الروائية التي ظهرت بعد 88 كثيرة وبعضها متميز، وقد عرفت الرواية بعد هذه المرحلة رغبة جامحة في تجريب هادف عند الروائيين والروائيات على حد سواء. ولا أظن أنه من الممكن الإستهانة بأعمال سعيد بوطاجين وعبدالقادر عميش وحيد عبدالقادر وبشير مفتي وفضيلة الفاروق وزهرة ديك وغيرهم من التجارب الروائية الجريئة في الطرح وفي التقنيات. إلى جانب ذلك فإن جيل الروائيين الكبار لم يتوقف وطار وبوجدرة وبقطاش وواسيني الذي ظهر له أكثر من عمل وكذا من الأسماء التي فرضت نفسها في الحقل السردي الجزائري. الاشكال أن هناك الكثير من الكسل الإعلامي وهناك الكثير من الفوقية لدى بعض الإعلاميين في الوصول والتعامل مع الرواية الجزائرية، وهذا يدفعني الى إحالتك إلى ما يطلق عليه الرواية التسعينية التي دخلت في نوع من اللغة السوداوية نتيجة حالة الإنكسار الاجتماعي الذي شهدته الجزائر ولايزال يفرض نفسه إلى الآن ولعل ذلك هو الذي يوحي بأن الرواية الجزائرية في حالة ركود أو تقصير، الرواية بل الابداع في حالة احباط والروائيون مظلومون بشكل كبير وبحاجة إلى من ينتصر لهم نقديا على الأقل. الأستاذ إدريس بوذيبة غياب الفرز النقدي والاعلام الثقافي... هو السبب لا أعتقد أن هناك تراجع في الرواية الجزائرية في السنوات الأخيرة. ولكن أعتقد أنه قد حصل نوع من التشبع والتراكم السريع في غياب فرز نقدي وإعلام ثقافي مواكب شخصيا باعتباري عضو لجنة التحكيم للجائزة الوطنية لعلي معاشي في الإبداع، أدهشني التطور النوعي المذهل للكتابة الشبانية الجديدة التي لم تجد من يضيئها نقديا وإعلاميا فإنها ستغير الكثير من المفاهيم المكرسة عن مستوى الإبداع الجزائري وبخاصة أنه هناك نوع من الهيمنة واحتكار الوهج الإعلامي الذي كثيرا ما يقصى ويذهل عن الصواب. وفي هذا السياق وتحاشيا لأي تجاوز أو إقصاء، أقول لابد من مناهضة اليقينيات المكرسة في هذا المجال حتى يجد الجيل الجديد الطريق لولوج عوالم الكتابة، وفسح المجال أمامهم لكي يخوضوا مغامرة الكتابة والتجريب لأن ذلك ينتج أسماء كبيرة كتلك التي أفرزتها مرحلة السبعينات ومرحلة الثمانينات.. الخ. وأعود وأقول أن الانتاج الروائي لم يتراجع، وعلى الإعلام أن يبحث عن الإصدارات ويترّصد خطى الروائيين الجدد. يوسف شقرة (رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين) التراجع حدث في الجانب الجمالي بدءا لابد من توضيح أن الرواية الجزائرية من حيث القيمة الجمالية والابداعية أشاطركم أنها تراجعت ربما مرد ذلك لكثير من أدعياء كتابة الرواية فلا نجد إلا القلة القليلة التي يمكن وصفها بالرواية الحقة، أما من حيث الكم فإنني أخالف الرأي لأن المنشورات تعددت وتكاثرت سواء من نشر وزارة الثقافة أو الدور الخاصة للنشر. الكم هائل ولكن الفائدة قلت، والجميل في كل هذا وأننا اكتشفنا بعض الأصوات الشابة التي تبشر بخير والتي ظهرت رواياتها في طبعة مشتركة بين منشورات الإختلاف ودار لبنانية خاصة كرواية "هلاليب". ومن هنا أقف على ظاهرة بدأت في الإنتشار وهي الهجرة المنظمة من الفنون الأدبية إلى الرواية وخاصة من بعض الشعراء الذين أفلسوا إبداعيا نتيجة للغرور الذي سكنهم ودمرهم. أما الذين يؤمنون بالرواية كيانا وابداعا وهاجسا فأعتقد أنهم يكتبون بحرقة وأوصلوا صوتهم الذي نافس الكثير من الأصوات العربية العريقة، فمرحبا بالطاقات الإبداعية التي تزين سماء الإبداع الجزائري وترفعه عاليا وسحقا لجنائز الأموات. الدكتور محمد ساري غياب النقد المختص هو السبب الإنتاج الروائي أرتفع ابتداء من سنة ألفين (حتى وان لم تبرز أسماء روائية جديدة من هذا الزخم الكبير من الروايات) بسبب توفير وسائل الطباعة الحديثة ودعم وزارة الثقافة لعملية طباعة الكتاب، ظهرت في السنوات الأخيرة روايات كثيرة أصدرتها دور النشر الخاصة و العامة، ولكن للأسف الشديد بقي هذا العدد الكبير من العناوين بلا قراءة نقدية أو صحفية لإبراز محاسنها أو عيوبها الأمر الذي لا يساعد القارئ على الفرز. في السبعينيات كانت الرواية تحظى بالاهتمام النقدي والصحف التي تروج لها قليلة أيضا. أما اليوم فكثرة الروايات جعلتها تتراكم بلا إمكانية القراءة النقدية ويعود عدم الإهتمام بها إلى غياب النقد الأدبي المتخصص في قراءة الكتب وتحليلها. الصفحات الثقافية في الجرائد تعتمد على التقديم البسيط الإخباري دون قراءة الكتاب الذي يتطلب جُهدا خاصا لا يستطيع الصحفي القيام به بحكم طبيعة مهنته. فيشتكي الكاتب من اللامبالاة السائدة والإهمال المتعمد وغياب النقد الأدبي المتخصص في هذا المجال. كما يشتكي القارئ من الضبابية المحيطة بالكتب المنشورة. النتيجة هي أن الرواية تبقى مكدسة في رفوف المكتبات دون قراءة تخرجها من العدم إلى نور المعرفة. زيادة إلى أن عملية القراءة الأدبية تكاد تنحصر في فئة قليلة جدا من الكتاب. غياب النقد وغياب المتابعة الاعلامية وغياب النشاط الثقافي المتعلق بالكتاب أساء بشكل بليغ للرواية والكتاب الأدبي عموما، بحيث أصبح الناشرون يرفضون نشر الكتاب الأدبي وإن لم يكن مدعّما ماليا من وزارة الثقافة لأنه ببساطة غير مربح وإذ لا يباع هي المأساة التي يصعب حلها على المدى القصير.