زهاء ثلاثة قرون من 1509 إلى 1792، من حالة حرب دائمة إلى غاية استسلام ملك إسبانيا شارل الرابع (Charles IV) الذي أمر بتسليم مفتاح وهران المصنوع من الذهب الخالص للباي محمد بن عثمان الكبير بمعسكر. احتلت وهران من قبل الإسبان سنة 1509 وكانت آنذاك تابعة لملك تلمسان قبل أن يستولي عليها جيش الكاردينال خيميناز دوسيسنروس (Ximenez de Cisneros)، كبير أساقفة طليطلة وحاكم إسبانيا، ردا على الهجمات المتعددة للأسطول الجزائري التي كانت تنطلق من المرسى الكبير في اتجاهي ميناءي أليكانت ومالقا. وفي بداية القرن السادس عشر وبعد معركة كبرى استشهد فيها الكثير من الأهالي والطلبة وعلى رأسهم أول عالم شهيد، العالم الجليل «بوجلال المشرفي». حيث ونظرا لمكانته قام الاسبان بتغسيله وتحنيطه ثم بعثوا بجثمانه إلى أهله حيث دفن بمسجد سيدي يوسف بالكرط (معسكر القديمة). جدير بالذكر أن «بوجلال المشرفي» ليس هو سيدي محمد بوجلال دفين مدينة معسكر. نشأة «جيش الطلبة» في معسكر في سنة 1708 تم تحريرمدينة معسكر من قبل باي معسكر مصطفى بن يوسف المدعو بوشلاغم. وفي سنة 1732 تم استرجاعها من قبل الإسبان الذين أبوا التخلي عن هذا الموقع الإستراتيجي بإفريقيا. في عام 1792 تم تحريرمعسكر نهائيا من قبل باي معسكر محمد بن عثمان الكبير، بمساعدة جيش الطلبة. ومن سنة 1509 إلى 1792 لم يكن هناك سلام نهائي، إذ تعاقبت فترات الهدوء والحروب التي تخللتها تحرشات وهجمات مستمرة من قبل الأتراك والأهالي. أما استرجاع وهران عام 1708 من قبل الباي بوشلاغم، لم يكن إلا نتاج الحصار المتكرر وسلسلة من الهجمات كانت جميعها كارثية على الإسبان. نذكر بعض منها بصفة وجيزة: سنة 1556: توفي الباشا صلاح رايس إثر إصابته بمرض الطاعون وهو في طريقه إلى وهران ليقود حملة كبيرة.. سنة 1558: قاد حسان باشا حملة وصلت إلى مستغانم، حيث توفي حاكم وهران، الكونت ألكوديت (le comte Alcaudète). بتاريخ 4 مايو 1563، اقترب حسان باشا من مرسى الكبير حيث استولى على حصن سان ميقال. (Le fort San Miguel) سنة 1580: هاجم سافر باشا المدينة. سنة 1657: محاولة فاشلة من إبراهيم خوجة. سنة 1679: كان قائد الجيوش الأعلى تريك Trick يقوم بمناورات عسكرية قبالة وهران. وفي سنة 1703 : قام حسيني كوجين بمحاولة ضد وهران. ما بين سنة 1705 و1707 حاول كل من بوشلاغم وبخداش بالاستيلاء على وهران. مكنت فترة الهدوء التي دامت 24 سنة، من بروز فكرة تجسدت سنوات من بعد بميلاد منظمة جديدة سميت «جيش الطلبة»، بمعنى وكما تبين من الاسم، جيش مشكل من «طلبة» يقوده علماء مفكرون رفعوا السلاح بصفة تلقائية ضد المحتل الإسباني. في بداية القرن (حوالي 1701) تم إنشاء بايلك الغرب بمازونة أولا وعقب ذلك بمعسكر، لذا ترك الباي مصطفى بوشلاغم مازونة للإقامة بمعسكر، وبالضبط في مدينة «الكرط» أو معسكر القديمة. كما أصبح مصطفى بوشلاغم أول باي لمعسكر. فور وصوله إلى الكرط، أنشأ بوشلاغم ثكنة، وأحاط نفسه بمجلس من العلماء، لعلمه بمدى تأثيرهم على السكان...في الحقيقة، كان يتجهز لتحرير وهران، لكن الجيش النظامي للباي كان غير كاف، لذا ناد الباي وعلماء معسكر إلى الجهاد كرد على الاحتلال الاسباني الذي لم يكن يخفي نيته في شن حملة صليبية بالجزائر من أجل تنصيرها. وتم الاحتلال الإسباني باسم ملوك الكاثوليك وباسم الصليب وبدأ التنصير مباشرة. حيث اعتاد الإسبانيون سريعا على تنصير الأطفال حديثي السن الذين تم أسرهم في الغزوات وتربيتهم على الديانة المسيحية. وبقي وقع التوغلات الاسبانية في منتصف القرن 16 راسخة بالذاكرة : حيث تم مهاجمة ناحية معسكر (وادي تاغية، نسمط، البنيان)، تلمسانومستغانم. استشهد خلالها أحد الأعيان المسمى العروسي بسهل غريس بمعسكر (حيث قطعت رأسه وحملت إلى وهران). بمعسكر تم نهب وسلب الكرط سنة 1542، وهدم مكتبة عرش المشارف التي كان لها وقعا أليما على الجميع. كانت المقاومة الشعبية حتمية وكانت نتائجها مثمرة. عندما أمر بخداش، باشا الجزائر العاصمة، الباي مصطفى بوشلاغم بتحرير وهران، غادر هذا الأخير مدينة الكرط برفقة عديد من «الطلبة» (تلاميذ المدارس القرآنية والزوايا) وعلى رأسهم شيوخ الإسلام والجهاد، الذين تطوعوا وخرجوا إما منفردين أو جماعة، مسلحين جميعهم بنفس الحافز : الدفاع عن معتقدهم وطرد المحتل. تمثلت مهمة «الطلبة» و«العلماء» في تشكيل مراكز متقدمة بغرض الحيلولة دون توغل الإسبان داخل الأراضي. حسب بعض المؤرخين، فإن مصدر القرار الذي اتخذه داي الجزائر العاصمة محمد بخداش مطلع 1702 لطرد النصارى، كان نتيجة تأثير طالب علم من الجزائر العاصمة يدعى «ابن أكوجيل». معارك «جيش الطلبة» بمساعدة أتراك الجزائر العاصمة، قام الباي بوشلاغم والطلبة المرافقين له بإعداد العدة لحصار مدينة وهران الذي دام خمسة أشهر. فقد رافق الداي بنفسه الجيوش أمام مكان الحصار وخاطب جيشه. ثم استعاد وهران على عدة مراحل: كان أولها الهجوم على حصن «برج العيون (Fort des Fontaines) ،ردد فيها الجنود عند الهجوم صرخة «الله أكبر»، واستسلمت الثكنة في اليوم الموالي. بعد ذلك كان الهجوم على حصن «سانتا كروز» ( Fort Santa Cruz) سقطت الثكنة بعد غارة واحدة. حينها تم سجن 106 رجال و06 نساء (23 جمادى الثاني). في اليوم الموالي تمت مهاجمة حصن «سان قريقوار(Fort Saint Gregoire) حيث كادت أن تدمر الثكنة عن بكرة أبيها. بعد ثلاثة أيام سقط حصن لامون (Fort la Moune ) تم القضاء على الثكنة بحد السيف. وبعد رفع راية الإسلام فوق المناطق الرئيسية، تم الهجوم الأخير على مدينة وهران. وبالرغم من الدفاع المستميت للاسبان، تم الاستيلاء على مدينة وهران بسرعة، حيث توالت موجات المهاجمين الأتراك والأهالي دون توقف. كانت الشوارع مليئة بجثث الموتى. وفي الأخير استسلمت القصبة التي كانت قد استعدت حديثا للمقاومة. كما سقط أيضا «شاطونوف (Château Neuf) وتم تحويل 165 فردا كانوا بالثكنة إلى رقيق. كما تم القضاء على 3000 شخص بمدينة مرسى الكبير. و جلا الإسبان المكان لدخول المنتصر إلى وهران في 20 جانفي 1708، في حين هرب النقيب شارل كارافا (Charles Carafa) إلى إسبانيا. جعل بوشلاغم من وهران عاصمته حيث مكث فيها إلى غاية 1732. وكانت المناسبة لميلاد نواة جيش الطلبة المستقبلي. في بلد حافل بتاريخ مضطرب، واجه موجات مستمرة من المستعمرين، كان تحرك هؤلاء»الطلبة» و«العلماء» حاسما. إذ تعاقب العمل العسكري والفكري، حيث لم ينقطع تلقين أجيال المستقبل ثقافة المقاومة ضد المحتل. وسنذكر من بين هؤلاء العلماء أشهرهم، والذي ذاع صيته ليس على مستوى الجزائر وبسهل الراشدية فحسب، بل تعدى إلى خارج الحدود بالمغرب العربي، وهو العلامة الشيخ المفكر أبو المكارم، الشيخ عبد القادر بن عبد الله المشرفي الحسني الإدريسي، والمعروف بالشيخ عبد القادر المشرفي. كان الشيخ عبد القادر المشرفي من بين ألمع علماء العصر بالمغرب العربي وأكبر مجاهد، حيث كان يعتبره الاسبان من أخطر المناوئين لهم. وتبرز حياة هذا العالم المجاهد إقدام والتزام «الطلبة» و«العلماء» في مقاومة المحتل. بحيث تظهر مسيرة مثالية: شيخ «جماعة العلماء» بمنطقة الراشدية. إمام الوطن «الراشدي» أي سهل غريس، أدار معهدا بالكرط (معسكر القديمة) حيث كان يعطي دروسا في الفقه يتحصل المتلقي في نهايتها على شهادات. وتمدرس على يده علماء عدة من بينهم العالم الشيخ بوراس المؤرخ المغاربي ومصطفى بن المختار جد الأمير عبد القادر من الأب، الذي طلب منه افتتاح وإدارة زاويته بالقيطنة. والباي محمد بن عثمان الكبير محرر وهران سنة 1792. بالنسبة له لم يكن هناك حد فاصل بين العلم والسيف: شارك بجوار الباي بوشلاغم في جميع المعارك ضد المحتل الإسباني، حيث نجده في معارك 1732 عندما استعاد الإسبان مدينة وهران. حسب الشيخ بوراس أحد تلامذته، تميز الشيخ المشرفي بشغفه وحماسه للمقاومة. وكانت سنة 1732 سنة شاقة ومنهكة لما شهدته من معارك مختلفة بوهران. ونذكر على سبيل المثال بعضها: تم استرجاع مدينة وهران ومرسى الكبير لحساب ملك إسبانيا فيليب الخامس (Philippe V) ، في 10 جويلية 1732، من قبل الحملة التي قادها الكونت مونتيمار (Le Comte Montémar) وعند رحيل هذا الأخير من وهران إلى إسبانيا، خلفه مركيز سانتا كروز (Le marquis de Santa Cruz) حيث عين قائدا أعلى وحاكما على المنطقة التي كانت تحميها حامية قوية. سقوط وهران ومرسى الكبير بيد المحتل الإسباني، لم يثن الأتراك والأهالي عن التمسك بخيار السلاح، بحيث لم تنقطع الهجمات والمعارك، وكان جيش الأهالي يتحرش بالثكنات دون انقطاع، إذ كانت الهجمات تنتهي بتلاقي الجنود وتشابكهم بشكل عنيف، مما كبد المهاجم خسائر كبيرة منعته بالأخص من التوغل أكثر داخل البلاد. و بعدما تمكن التعب والضجر من ماركيز سانتاكروز (Le marquis de Santa Cruz) جراء هذه التحرشات، نظم بتاريخ 21 نوفمبر 1732 «حملة « تتكون من مائة من الجنود والعديد من الضباط، لكنه أخطأ الحساب، إذ أنه وبعد أن كبد الجيوش المشكلة من الأهالي خسائر في البداية، اصطدم في الأخير بجيشها القوي. باعتراف من فاليخو Vallejo نفسه، تفاجأ الإسبان :حيث قام العديد من المشاة و10500 خيال بالترصد بالعدو بوادي الضيق حيث نصبوا له الكمائن. انتهى يوم 21 نوفمبر 1732 بهزيمة للجيش الإسباني لم يسبق لها مثيل، إذ قتل ماركيز سانتاكروز (Le marquis de Santa Cruz) (لم يعثر على جثته)، وقضى العشرات من الضباط الإسبان وأسر آخرون، مثل ماركيز دوفال دوكانياس( Marquis de Valdecanas) والعقيد جوزيف بينال (Joseph Pinel). وأشار المؤرخون إلى وفاة أحد أعيان مدينة غريس، علي بن مسعود المحمودي الحشمي. كان الأهالي قريبين جدا من النصر، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، إذ أنه وحسب فاليخو Vallejo، حيث كانت استعادة الإسبان لمدينة وهران محض صدفة بعد «وصول حشود «إلتونيا» و «أراقون» بحرا قادمين من إسبانيا». نشير الى تطابق شهادة فاليخوVallejo والمشرفي دليل مصداقية المقاتلين الأعداء، إلى ذلك صرح المقاتلون الأهالي بأن يوم 21 نوفمبر 1732 كان يوم الهيج Haidj. كما تعرض الإسبان إلى عدة انتكاسات جراء الحصار المفروض من قبل المرابطين «الرباط»، منع العلماء والطلبة، المرابطون في مخيمات محصنة، الاسبان من التوغل داخل الأراضي. بعد وفاة ماركيز سانتاكروز (Le marquis de Santa Cruz) ، عين الماركيز دو فيلا دارياس (Le marquis de Villadarias)كقائد عام للمنطقة، حيث شن يوم 10 مايو 1733 حملة من أجل تحرير المدينة. بعد أن تمكن من إخراج المهاجمين، تفاجأ الإسبان ب«هجوم مضاد عنيف» من جيوش الأهالي التي استعادت أنفاسها. سقط خلالها أكثر من 800 إسباني. كانت الهزيمة شنعاء خلع على إثرها ماركيز فيلادارياس (Le marquis de Villadarias)، ليعين بدلا عنه جوزيف فاليخو Joseph Vallejo. بالنسبة للعلماء، لم تكن المعركة منتهية، حيث أنه بعد السيف استخدم الشيخ المشرفي قلمه لمحاربة المحتل الإسباني. في إحدى كتاباته : «بهجة الناظر» أصدر فتوى لقت رواجا وقتها (1764) انتقد فيها بشدة ودون مجاملة أو مداهنة القبائل التي كانت تهرول إلى الاعتراف بالسلطة الإسبانية مما كان يعيق نشاط المقاتلين الأهالي. كان لهذه الفتوى صدى وتأثير إيجابي على الأهالي ما أدى إلى رفض مهادنة الإسبان مما أزعج ملك الإسبان وقوض أهداف ومشاريع الكنيسة في الانتشار والتنصير. مما أدى بفاليخو Vallejo القائد الأعلى لمنطقة وهران إلى التنديد بهذه الفتوى على الشعوب «الأهاليية»، إذ انحسر وانكمش التعاون مع الإسبان لصالح «الجهاد» وبدأت مقاومة المحتل. فقد أثر كتاب «بهجة الناظر» بشكل ملحوظ على الأجيال القادمة. بعد استنباط دروس الأمس، قام باي معسكر محمد بن عثمان الكبير بإضفاء طابع المؤسسة على تنظيم»العلماء المحاربون» جيش الطلبة، وأدرجها ضمن إطار نظامي أكثر تنظيما. شارك جيش الطلبة في تحرير وهران سنة 1708 ثم في الدفاع عنها سنة 1732، بشكل فردي أو في جماعات مستقلين عن أية وصاية. التحرير النهائي لوهران شرع الباي محمد بن عثمان الكبير في إعادة تنظيم جيش حديث عن طريق إخضاع الطلبة إلى سلطة الباي مع عدم التدخل في شؤونهم الداخلية. بعد التكفل التام بهم، وتموينهم من معتمدية الباي، تم جمعهم في مفرزات «رباط» في شكل معسكرات مخصصة لمنع غزوات الإسبان. ووكل إليهم التدريس دون غيرهم، (حيث حظر على الشعب الذهاب إلى مدارس أخرى). أنشىء «جيش طلبة» بصفة رسمية بقرار سياسي وعسكري متزامنان اتفق عليه الجميع. وبهذا شهد العلماء المحاربون، بعد تأطيرهم من قبل السلطة الإدارية، تأثيرهم ينمو ومهمتهم تتحدد أكثر فأكثر. وعين الباي محمد بن عثمان الكبير سنة 1791، محمد بلجيلالي على رأس رباط «إيفري» بالقرب من وهران. وكان نوابه: الشيخ الشهيد الطاهر بن حوة، قاضي معسكر. محمد المصطفى بن عبد الله بن زرفة سكرتير الباي. أحمد بن محمد بن علي بن سحنون الراشدي، سكرتير الباي. محمد بن علي أبو طالب المازوني، عالم مازونة الذي قدم إلى معسكر رفقة 200 طالب والذي وجه فيما بعد إلى وهران لدى محمد بلجيلالي مسؤول رباط «إيفري». وشاركوا جميعهم في الهجوم الشامل على وهران سنة 1791، حيث سقط القاضي بن حوة شهيدا على أبواب وهران. وزادت كتاباتهم في بطولاتهم العسكرية، إذ كلف محمد بن زرفة من قبل الباي بتأليف كتاب من أجل سرد وتدوين كل الأحداث المرتبطة بتحرير وهران. وكان عنوان الكتاب «الرحلة القمرية في المسيرة المحمدية». كما ترك بن سحنون مؤلفا حول تحرير وهران عنوانه :«الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني». واعتبارا من سنة 1790 شدد داي الجزائر على فكرة استرجاع وهران، وأمر باي معسكر محمد بن عثمان بالهجوم مجددا على المدينة. ومن أجل مباغتة العدو، بدأ بالهجوم على سانتاكروز «Santa Cruz» والقصبة القديمة. وبعد أن باغتته الأمطار في الطريق رجع باي معسكر إلى عاصمته، ليعود في الصيف، لتشهد طيلة الربيع حصارا وتراشقا بالمدفعية. خلال سنة 1791 تعرض الإسبان إلى هجمات عنيفة من قبل الأتراك والأهالي وقع الهجوم الأعنف في 23 جويلية 1791. كادت الثكنة الاسبانية أن تسقط بأيدي الأتراك والأهالي لولا قدوم تعزيزات فوج والون الكبير (Des gardes Wallones)المدربين على يد الفارس طورسي (Chevalier de Torcy) الذي خسر 266 رجلا. في 17 سبتمبر 1791 واجه تورسي Torcy هجمة أكثر عنفا. في 18 سبتمبر 1791 على الساعة الخامسة مساء، أرسل الباي مجددا ثلاثة صفوف هجومية. «في تراص وتماسك قوي» اندفع المهاجمون، ليسقطوا وينهضوا تارة أخرى للقتال القريب رجل لرجل. كادت فرقة بني زروال للظهرة أن تباد بكاملها (وقد سمي الحصن باسمها). رجع الباي إلى معسكره الشتوي بمعسكر. وهناك تلقى خبر استسلام الملك شارل الرابع (Charles IV). فقد فهم الاسبان أنهم لن يستطيعوا الاحتفاظ بوهران. وتلقى الباي بن عثمان الكبير الأوامر من العاصمة المتعلقة بالاستسلام (وطلب استسلام كلي). ووقعت معاهدة من أجل تحديد شروط هذا الاستسلام. وأمر الملك المستسلم بتسليم مفتاح وهران المصنوع من الذهب الخالص للباي بن عثمان محمد الكبير، الذي قام بدوره بتسليمه لداي الجزائر آنذاك علي أبو الحسن، ومن ثمة تم نقل مفتاح مدينة وهران الى الباب العالي بإسطنبول إلى السلطان سليم بن مصطفى خان، هذا الأخير كافأ داي الجزائر بأعلى نيشان. أما فيما يخص مصير المسلمين الموالين للإسبان، فقد استمع إلى رأي العلماء الذين أشاروا عليه بالعفو. قلد الداي حسان الباي بن عثمان الكبير وسام الريشة، حيث كان هذا التقليد يمنح لمن يهزم الكفار فقط. وعين محمد بن عثمان الكبير باي وهران، وتم ترفيع ابنه عصمان إلى درجة خليفة الغرب، وعين ابنه الثاني محمد قائدا على فليتا، وكان يوم النصر عظيما عظمة استرجاع المدينة. فبالفعل كانت وهران مطمع كل القوى التي فهمت الأهمية الإستراتيجية لموقعها. سيدعوهم التاريخ أيضا للتوثيق النهائي للحلف بين الرمح والقرآن ودخل الباي محمد بن عثمان الكبير وهران منتصرا يوم 28 فبراير 1792 على رأس حشد كبير من القوات العسكرية العثمانية وجيوش الطلبة بتعداد يقارب 15000 انطلقوا من معسكر ليزدادوا عددا بمدينة سيق. وكان الطلبة في صدر المسيرة حاملين المصاحف الشريفة. واستمر أحفادهم في ما شرعوا فيه أمثال: الطاهر المشرفي ابن عبد القادر المشرفي الذي كان إمام الراشدية وقاضي وهران والذي درس بمسجد الباي بوهران، وآخرون أمثال: محمد بن عبد الله سقاط المشرفي الذي درس بدوره بمسجد الباي والذي كان من المبادرين والموقعين الخمسة على مبايعة الأمير عبد القادر. أحمد توهامي، مفتي وهران ومدرس بمسجد باي وهران. وهكذا بات نفس جيش الطلبة على مرور الأجيال مثار فخر، حيث كان حاضرا في جميع التظاهرات المرتبطة بالقومية الجزائرية. ننحني جميعا أمام ذكرى هؤلاء شهدائنا الشجعان. وبتنظيمها لملتقى حول تحرير وهران، لا يسع وهران أن تجد فرصة أفضل للتعبير عن تقديرها وتبجيلها لمن سقطوا من أجل الذود عنها. وفي الأخير نتوجه بالشكر إلى كل من كان وراء نجاح المبادرة التي تمثلت في إنشاء مسجد ونصب تذكاري في أعالي جبل المرجاجو للاحتفال بذكرى تحرير وهران من الاحتلال الإسباني. ونحن نتمنى تجسيد هذا الاحتفال أيضا بعمل فني سمعي بصري (تلفزيوني أو سنيمائي) وتحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، عمل يوثق لكل هذه الأحداث من قبل خبراء مختصين ونحن بكل تواضع نضع أنفسنا تحت تصرف أية مبادرة تعمل في هذا الاتجاه....