صدر مؤخرا للكاتب بلية بغداد من جامعة النعامة - عن دار الأديب بوهران- كتاب مهم ابرز من خلاله أوجه العلاقة المركبة التي تربط الملتقي بالمسرح و السينما والتلفزيون ومدى التأثيرات المتبادلة و الحادة التي تحدثها هذه الفنون على اختلاف كبير فيما بينها على وعي و نفسيةو مكبوتات المشاهد ونمط تفكيره وسلوكياته إزاء سطوتها البالغة الأهمية على واقعه ومجتمعه, الكتاب معنون » سيميائيات الصورة « جاء في حدود مائة وعشرين (120صفحة) من الحجم المتوسط تصدرته مقدمة للمؤلف أشار فيها إلى حجم التزايد المذهل والطفرة الهائلة والنوعية التي شهدها العالم لوسائل الاتصال الجماهرية التي امتلكت بنفوذها الفرد المتفرج وجعلته أسيرا لسلطة الصورة وإغراءات وسائط الاتصال الاكثر رواجا في المعمورة كالمسرح والسينما والتلفزيون وامام وضع كهذا التبس على الملتقي فك الرموز المبهمة التي انطوت عليها هذه الفنون ما ادى به الى حالة من الاندهاش والحيرة المستمرة التي لم يجد تفسيرا وحلا لها . وفي هذا السياق يقول المؤلف أن علم السيميائيات هو العلم الوحيد الذي باستطاعته انتشال المتلقي من غفوته والأخذ بيده نحو مدارات الفهم والتحليل العميق ذلك أن علم السيميائيات يمتلك قدرة علمية مزودة باليات الشرح والتأويل التي تساعده على التبصر والفهم أكثر فيما يخص الأعمال الفنية المعروضة أمام عينيه والتي استعصى عليه حل ألغازها وشفرتها المعقدة الكتاب يتضمن فصلين وخاتمة وملحقا خاصا بالمصطلحات الرائجة التي ذاعت بقوة في الأوساط السينمائية والمسرحية وتم إيجاد صيغ مقاربة لها باللغة العربية في الفصل الأول تناول مسالة العرض والتلقي عند المشاهد من خلال تعاطيه مع المسرح والسينما والتلفزيون مبينا الحدة الشرسة بين هذه الوسائل الاتصالية الثلاث فيما بينها ومدى تفاعلها في تطوير الفن عموما والوصول به إلى تخوم وآفاق لم يشهد لها العالم مثيلا من قبل .هذا ويرتكز الكتاب على الجمهور باعتباره دعامة أساسية لتحقيق سبل التواصل والتبليغ فهو يشكل عنصرا رئيسيا لاكتمال العروض المسرحية والسينمائية والتلفزيونية وبهذا الصدد أيضا يشير الى الجهود المبذولة التي توصل اليها السينمائيون والمسرحيون لترقية أعمالهم الفنية من حيث وسائل الإضاءة . والسينوغرافيا والديكور. والتكوين العالي للمثلين علهم ينتزعون بذلك رضا الجمهور ويحضون بقبوله ورضاه غير أن التلفزيون- على مايذهب إليه المؤلف _ قد استحوذ بشكل ملفت للانتباه على جمهور الناس وعموم المتفرجين عبر العالم بفعل تأثيره القوي والنافذ ما يجعله يزاحم مكانة السينما والمسرح في التربع على عرش الريادة وجلب الأضواء أما الفصل الثاني فقد خصه المؤلف لدراسة الكيفية التي يتم بها قراءة العروض المسرحية والسينمائية قراءة سيميولوجية تساهم في اخرج الدلالات والأبعاد الجمالية والفنية والسياسية التي يحملها هذا العمل او ذاك سواء في المسرح او السينما او التلفزيون ولا يتاتى ذلك الا من خلال البحث في نظام العلامات والرموز التي يشير إليها العمل الفني في تضاعيفه في هذا الشأن يقول المؤلف عن مدى مقاربة السيميولوجية دلاليا للعرض المسرحي مايلي : -إن الأساس في المسرح هي حس الممثل وصورته في الركح المسرحي ينتج دلالات جسدية مكملة للغة المنطوقة وتصبح تلك الدلالات لصيقة بالعرض المسرحي ترمز إليه أكثر من اللغة البشرية التي تشترك مع فنون أخرى ولاتكاد تنفصل عنه » أما في مجال السينما فتشكل الصورة رمزا نابضا يمكن الاعتماد عليه لاستنطاق المخفي من الدلالات والعلامات الموحية التي تعكسها المشاهد والمنظر يقول المؤلف عن الصورة في السينما . »لئن كانت الصورة الفوتوغرافية تعمل على تثبيت اللحظة الزمنية العابرة وحصرها في وضع ونطاق معين فان الصورة السينمائية دأبها التتابع والحركة ومن هنا أهميتها في حضورها الفاعل والمؤثر في جمهور المتلقين ..« وإذا كانت الصورة السينمائية لها هذا الحضور الفاعل والمكانة القوية من حيث إشعاعها وبلاغتها فان اكتشاف الصورة في السينما كان له هو الأخر بعدا لايقل أهمية عن حضور الصورة في العمل السينمائي وعن ذلك يقول الكاتب : »..... إن ظهور الفيلم الناطق كان بمثابة الحدث اللساني الأهم في تاريخ السينما على الإطلاق « وعليه فان تمازج الصورة بالصوت في الفيلم السينمائي الناطق جاء ليضفي اكتشافا جديدا بالتئام عناصره المتبقية الأخرى حياة نابضة تشع بالحدة والابتكار وعلى العموم يعد كتاب سيميئيات الصورة مقالات حول علاقة المتلقي بالمسرح والسينما والتلفزيون لمؤلفه ( بلية بغداد ) إضافة جادة في حقل البحوث والدراسات التي اهتمت بهذا الموضوع وأولته عناية خاصة من خلال مقاربات ومناهج علمية تقف السيميائيات على رأسها شامخة بفضل ما حققته من فتوحات كبيرة كان لها عميق الأثر والدلالة في تاريخ الفنون الحديثة جميعها