الحكواتي الذي كان ''يحتل'' ساحات مراكش العامة والكثير من الرحاب والأسواق الشعبية عندنا، لم يمت، وما زال يقدم المتعة لجمهوره عبر الكثير من العروض ومنها مسرحية ''حكاية ميمون'' للمغربي عمر الجدلي، التي أمتعت جمهور المسرح الوطني في إطار فعاليات مهرجان الجزائر الدولي للمسرح في طبعته الحالية· من خلال هذا العرض الذي تمتع به جمهور مسرح محي الدين باشتارزي، يستمر المسرحي المغربي عمر جدلي في الإشتغال على الموروث الشعبي المشترك في المنطقة المغاربية، ويعود من خلاله ''القوّال'' أو ''المداح'' أو الحكواتي من جديد، ليسرد عليها تفاصيل حكاية جديدة·· إنها ''حكاية ميمون'' التي صيغت بلهجة مغربية محلية جدا، لكن الجمهور الجزائري تواصل معها، وحققت له المتعة البصرية والسردية حيث جاءت الحكاية التي لبست لبوس الشعبية كاريكاتورية ساخرة· واسم ''ميمون'' الذي يحيل في التراث المغاربي إلى ''الحظ'' أو ''السعد''، كما قد يحيل إلى معنى مناقض تماما، ربما يكون مفتاح العرض الذي غاص كثيرا في التراثية المحلية جدا، وكأن المشاهد تنقل عبر بساط الريح إلى ساحة جامع الفنا في مدينة مراكش المغربية، حيث يستمر الراوي في حكاياه الممتدة منذ قرون طويلة، والشيء الممتع الذي اشتغل عليه المخرج والكاتب المغربي عمر الجدلي، هو الجانب الفرجوي الطريف في الحكاية التي يستسلم لها المتلقي من أول عرض وتأخذه طيلة مدة العرض حيث تمتزج الطرافة والسخرية مع جدية التأصيل· إنها حكاية ميمون ذلك الصعلوك المتشرد الذي تحمله قيتارته إلى سبل لم يألفها وهو بصدد تحسين وضعه المادي، يتقاسم الحكاية الكلية راويان، كل يسرد بطريقته الخاصة هذه الحكاية الكلية· ووسط الكثير من الآلات الموسيقية التقليدية، يرتسم شيئا فشيئا مصير الفتى ميمون، بلغة شعبية مغربية فيها الكثير من الأقوال المسجوعة، تفاعل معها الجمهور، وانتهى العرض دون أن ينتهي الحكواتي من التأصيل للمسرح المغاربي· ويشار في الأخير أن ''حكاية ميمون''، أنتجها مسرح ''تاغنجا'' المغربي، وأنجز سينوغرافيتها عبد العزيز العلوي مهير، وشخصها الفنانان وليد مزوار وعبد الرحيم الزبيري وكتبها وأخرجها الفنان عمر الجدلي· 3 أسئلة إلى عمر الجدلي مخرج مسرحية ''حكاية ميمون'' المغربية مرة أخرى نحن مع مسرح الحكواتي أو مسرح القّوال، هل رحلة التأصيل ما زالت متواصلة؟ أكيد، فهذه هي رحلة البحث عن الذات، رحلة الاحتفاء بالتراث الشفهي المغربي والعربي بصفة عامة، وما هذا الاختيار إلا واحدا من اختيارات متعددة لتأصيل المسرح المغربي العربي بصفة عامة، و''حكاية ميمون'' تحتفي بالحكواتي، أو القوال، وهو أحد الشخوص الذي أفنى حياته وأعطى كثيرا للفرجة للشعوب العربية والعالمية، فهذا تراث عربي وعالمي يجب الاحتفاء به، فالمسرح المغربي من خلال هذه المسرحية هو فرجة شعبية توجد جذورها في التراث المغربي، في الحلقة ومجموعة من الأشكال الفرجوية في المغرب وفي بلدان أخرى· تواصلون مع الكثير من التجارب الأخرى الاحتفال بالقوال أو الحكواتي مع أنه لم يعد موجودا على أرض الواقع، فهل هو الحنين إلى زمن مضى؟ الحكواتي ما زال متواجدا ولازلنا نشتغل على الحكواتي في إطار المسرح، والهدف من الاشتغال على مسرح من هذا النوع هو رد الاعتبار لهذا الشخص الذي يعتبر واحدا من رموز الفرجة، فالحكواتي هو واحد منا وقد تعلمنا علي يده في الحلقة وفي ساحة جامع الفنا، فمزيدا من العمر ومن العطاء من أجل إعادة استنبات هذه الأصول الفرجوية أمام شبح العولمة وأنظمة الميديا الجديدة· مسرح الحلقة انتشر في الجزائر كما في المغرب، كيف شاهدت التجربة الجزائرية في هذا الشأن؟ المغرب والجزائر واحد، فإذا كانت هناك حدود مادية فليست هناك حدود على مستوى التراث وعلى مستوى العلاقات الإنسانية، فلا غرابة أن نجد نفس التراث مع اختلاف الاسم، فهنا يسمى المداح أو القوّال وفي المغرب يسمى الحكواتي أو الراوي، فنجد أن الحكاية كتراث شفهي مشترك بين هذه الشعوب، ويجب أن نقول أنه لا حدود ثقافية بين الشعبين·