سبق وأن تطرقنا في الأعداد السابقة لأجهزة التشغيل وما تقدمه من إمتيازات للمقاولين الشباب، لإستحداث مؤسسات مصغرة تطبيقا للنصوص القانونية المعمول بها حاليا وسبق وأن عرضنا الإحصائيات الخاصة بكل وكالة وما حققته من أرقام خلال السنة المنصرمة، إلا أن الإهتمام المتزايد للشباب بقطاع التشغيل، فرض علينا أن ندرج الملف من جديد ضمن سلسلة التحقيقات التي تنشرها الجريدة بإستمرار ودفعنا لتخصيص حيّز كبير للحديث عن البرنامج بشكل مفصّل ، ومن زاوية مغايرة حتى يتسنى للشباب معرفة المراحل الخاصة بكل محطة وكيفية تجسيد مشروعهم على أرض الواقع في ظل ما يعرفه القطاع من تعديلات تتماشى ومتطلبات السوق. فالساحة المحلية لا حديث لها في الآونة الأخيرة سوى عن التسهيلات التي تمنحها الأجهزة لفتح المجال لهذه الشريحة بمختلف فئاتها العمرية وتسجيبها على خوض تجربة النشاط الحرّ بمساعدة مادية تضمنها لها الجهات الوصية حتى يتسنى لها المشاركة في السوق الوطنية بمنتوجات مختلفة إستهلاكية منها أو صناعية. وما ساهم في الرّفع من حصيلة المسجلين على مستوى مختلف وكالات التشغيل ، الحملات التحسيسية التي باشرتها مؤخرا عبر عدة فروع تابعة لها سواء المتواجدة بالقطاعات الحضرية التابعة لبلدية وهران أوتلك المتمركزة بالبلديات الأخرى، إضافة إلى الصالونات المنظمة خصيصا للتعريف بنشاطاتها وما تحققه من نتائج لفائدة الشباب البطال، آخرها الصالون الجهوي للمقاول الذي إحتضنته المكتبة الكتدرالية الأسبوع الفارط على مدارعدة أيام وبمشاركة مقاولات شابة لم يمض على ميلادها بضعة أشهر فقط، حيث سمحت هذه المبادرة للوافدين على الصالون التعرف عن الإنجازات التي حققتها المؤسسات المستحدثة مؤخرا وتجربتها في الإختصاصات التي تم اختيارها. وبما أن الوكالة الولائية لدعم وتشغيل الشباب تهتم بفئة عمرية معينة تتراوح ما بين 19و40 سنة وهي الشريحة الأكثر إقبالا على القطاع، إرتأينا أن نختار هذه الهيئة كنموذج عن البرنامج والدعم الذي خصصته الدولة لمساندة الشباب البطال على إنشاء مؤسسات مصغرة في جميع الإختصاصات كل حسب تأهيله وإختصاصه. وحاولنا من خلال هذا الموضوع التقرب أكثر من »لونساج« والعمل الذي يؤديه طاقمها مع مرافقة صاحب المشروع عبر مراحل عديدة من تكوين الملف وإيداعه على مستوى الفرع التابع لمقر سكناه إلى دراسة الطلب ثم معالجته من قبل اللجنة الولائية والمصادقة عليه في حالة توفر جميع الشروط القانونية المنصوص عليها. تسجيل أكثر من 700 ملف يوميا تستقبل الوكالة الولائية لدعم وتشغيل الشباب قرابة ألف شخص يقصدونها يوميا إما للإستفسار عن المشاريع المدرجة في البرنامج الوطني لإنشاء مؤسسات مصغرة أو لإيداع طلباتهم بعد إستكمال جميع الإجراءات الخاصة بالعملية حصة الأسد من الإحصائيات التي تضبطها الهيئة ذاتها هي مرحلة التسجيل حيث يتجاوز عدد الملفات المودعة في يوم واحد 700 طلب تضبطها الوكالة ضمن قائمة المسجلين لديها للإستفادة من هذه الإمتيازات. فمن السّهل جدّا أن يحدّد الشاب مساره ويرسم معالمه وفق الطريقة التي يختارها أو بالأحرى وفق الوسيلة التي تساعده على تسجيد مشروعه ومن السّهل كذلك على المعني بالأمر أن يستنفد كل الإجراءات الخاصة بإيداع الملف ويستكمل كل التدابير التي يفرضها عليه البرنامج خلال فترة زمنية وجيزة، لكن الأصعب والأكثر تعقيدا ما تتكفل به الوكالة الولائية من تدابير عبر محطات عديدة تجسيدا للمهام الملقاة على عاتقها. فعلى خلاف الهيئات الأخرى أو المؤسسات العمومية تضطرّ »لونساج« لتجاوز القاعدة المعمول بها بكل القطاعات العمومية منها أو الخاصة والمتمثلة في أوقات العمل التي تفرضها الوصاية وفترات الراحة الممنوحة للطبقة الشغيلة فتحاول من خلال هذه المبادرات الإستغناء عنها والإعتماد على إستثناءات طبّقت عليها حصريا دون سواها لعلّها تمص الكمّ الهائل من المسجلين والوافدين عليها في المدة الأخيرة لا سيما بعد الإعلان عن التعديلات التي طرأت على سياسة الدّعم لفائدة كل المهتمين بهذا الجانب وهو ما زاد من وتيرة الإقبال وضاعف من حصيلتها الشهرية. لا تتقيّد الوكالة بالحجم الساعي ولا تجد له أي أثر أثناء تأدية عملها فهي تنشط بدون إنقطاع ولفترات طويلة خاصة أن سجلها أصبح يستوعب المئات من الطلبات وتتجاوز بكثير حصيلة السّنوات الماضية، أمام طاقم إداري ملزم لتكثيف جهوده والتجنيد دوما لتلبية رغبات كل الوافدين عليها بدون إستثناء. ضغط وإكتظاظ أمام المدخل الرئيسي وأنت تقصد الوكالة الولائية المتواجد مقرها بحي الصديقية لا يلفت إنتباهك سوى تلك الطوابير الطويلة المشكلة من الشباب المهتمين بمشاريع »لونساج« بمختلف الفئات العمرية ذكورا وإناثا وبأعداد هائلة تتعدى المعدل اليومي وتفوق توقعات المشرفين على القطا ع ، فالكل هنا يريد تسوية وضعيته وإستلام وصل الإيداع في أقل وقت ممكن حتى وإن كان ذلك على حساب إمكانيات هذه الهيئة. مختار ، محمد وإلياس عينّة من الشباب الذين توجهوا إلي الوكالة للإستفادة من الإمتيازات الممنوحة لهم.، حيث إلتحقوا بمقرها منذ الساعة الخامسة صباحا للظفر بالأماكن الأولى، ما دامت الأرقام تشير إلى تضاعف مستمر للمسجلين وبعد قرابة ثلاث ساعات من الإنتظار إنطلقت عملية... التسجيل بالجهة الخلفية للمديرية تحت إشراف أعوان من ذات الهيئة. وبما أن العديد من هذه الفئة يحاولون قدر المستطاع تجاهل الأنظمة التي ضبطتها الوكالة لضمان السّير الحسن للبرنامج، فإنه مع إفتتاح باب التسجيلات يتحول الجو العام لكل عملية إلى فوضى وضغط يتسبب فيهما الوافدون عليها لعدم احترامهم الأولوية في الطابور مما ينجم عن ذلك العديد من المشاكل يتضرّر منها بالدرجة الأولى موظفو »لونساج«. جو مشحون وحرارة مرتفعة زادت من درجتها تلك الإختلالات والتجاوزات التي ترتكبها شريحة معنية من المسجلين تصل إلى حدّ القذف وتحطيم أملاك الدولة وعلى سبيل المثال ما تعرضت له إحدى العاملات بالقطاع الأسبوع الفارط، حيث كانت ضحية تهديد من قبل أحد المتهوّرين والقائمة طويلة لأن ما تعيشه الوكالة أصبح مشهدا يلازمها بصفة مستمرة ويعرقل من نشاطها. وفي الوقت الذي قسمت فيه الجهة الوصية المهام ووزعتها حسب إختصاص كل مصلحة بدءا من عملية نسخ الإستثمارات التي يتكفل بها عون خاص ويضطر لإتمامها قبل إلتحاق العمال بمناصبهم إلى إستقبال الملفات وضبط قائمة المسجلين مباشرة مع إنطلاقها ثم خلية أخرى تتولد مهمة دراسة الملفات والتأكد من توفر جميع الشروط القانونية قبل إحالتها على اللجنة لولائية للمصادقة عليها. عمل شاق ومراحل طويلة تمرّ بها الوكالة في ظرف زمني قصير حتى وإن استدعى ذلك التمديد من ساعات العمل والإستغناء عن فترات الراحة المحددة لها وكأنها لا تنطبق عليها هذه القاعدة أو غير معنية بها في الوقت الحالي، سعيا منها لمعالجة الإشكالية المطروحة عليها ومعالجة أكبر عدد من الملفات. ومع كل هذا المجهود وهذه التضحيات لم تتمكن بعد من أن توفر لنفسها ظروف عمل مناسبة في ظل ما تشهده من ضغط نتيجة الإقبال منقطع النظير للشباب لفترات غير متفاوتة المدة. قرابة 600 ملف مطروح على طاولة اللجنة كما جرت العادة تتكفل اللجنة لولائية بالمصادقة على ملفات أصحاب المشاريع مرة كل أسبوع بعدد هائل من الطلبات تتفاوت من إجتماع لآخر وهذا بمقر الوكالة الولائية لدعم وتشغيل الشباب تحت إشراف المسؤول الأول عن الهيئة المحلية الذي يعتبر رئيس اللجنة وبمشاركة ممثلين عن الجهات المعنية من بينهم إطار من مصلحة الضرائب ، السجل التجاري، غرفة الحرفيين ، النقل لانام، ممثلي المؤسسات المصرفية المختلفة وبعض إطارات »لونساج« لتسهيل المهمة على أعضاء اللجنة. ولقد أتيحت لنا الفرصة لحضور إجتماع هذه اللجنة والتعرّف عن قرب من أهم الخطوات التي يمرّ بها صاحب المشروع من جهة وكذا الوقوف على المراحل المفروضة على »لونساج« وهذا بترخيص من مديرها الذي لم يعترض ولم يرفض إقتراحنا بل باشر في توضيح إستفساراتنا عن كل نقطة أو غموض خاصة أن عدد اللفات يفوق كل التصورات، لم نكن نتوقع أن الحصيلة الأسبوعية تصل إلى 600 ملف بعدما كانت في السابق لا تتجاوز 80 طلبا في إجتماع واحد. كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا عندما شرعت اللجنة في مهمتها إنطلاقا من فرز الطلبات والتأكد من حضور جميع المسجلين قبل الإعلان الرسمي عن جلستها الأسبوعية ، لتنتقل بعدها إلى المرحلة الثانية الخاصة بدراسة الملف والمصادقة عليه إما الموافقة أو الرفض. وتقتصر هذه العملية بالذات على حضور المعني بالأمر الذي خصّص له هو الآخر مكانا ضمن الممثلين الشرعيين للجنة الولائية ، ومن هنا يحاول المقاول الشاب عرض مشروعه بصفة مفصلة من تحديد نوع المؤسسة، التكلفة الإجمالية، نجاعة برنامجه وأهم الخطوات التي يعتمد عليها لإقتحام السوق المحلية وتنطلق منها كذلك الأسئلة الموجهة له من قبل رئيس اللجنة والأعضاء للتأكد من مدى إهتمام صاحب المشروع بهذا البرنامج وقدرته وكفاءته لتحقيق النتائج المرجوة، خاصة إذا قلنا أن أغلب المسجلين لهم المستوى الدراسي المحدود. ورغم أن هذه الشريحة ليست لها التأهيل الكافي لإستيعاب أسئلة اللجنة ، تحاول هذه الأخيرة تسيط باب المناقشة وجعله سهلا على المقاول ليتمكن من الإجابة على كل الإستفهامات، حتى وإن كان ذلك يتطلب منها تخصيص فترة أطول والتمديد من المدة الزمنية المحددة لكل ملف في الوقت الذي تكون فيه ملزمة لمعالجة 600 ملف في دورة واحدة. وعلى مدار 12ساعة وأكثر تلتزم اللجنة بالإستماع وبدون إنقطاع إلى كل المقاولين المدرجين ضمن القائمة الإسمية التي ضبطتها سابقا والتأشير على طلباتهم بالطريقة التي يحددها القانون للإسراع من وتيرة نشاطها ومنح الفرصة لأصحاب المشاريع من خوض هذه التجربة. النقل يتصدّر القائمة والرفض إلا في حالات نادرة وما ينبغي الإشارة إليه أن نسبة كبيرة من الطلبات هي عبارة عن ملفات أودعها أصحابها للحصول على شاحنات لنقل البضائع ، حافلات لنقل المسافرين، سياراة أجرة ، حيث يتصدر هذا الإختصاص قائمة المشاريع المسجلة على مستوى الوكالة الولائية لدعم وتشغيل الشباب ويأتي في المرتبة الثانية كراء السيارات التي يكثر عليها الطلب هي الأخرى، بالمقابل تنخفض نسبة الإقبال للبرامج المتبقية لإستحداث مؤسسات مصغرة في الصناعة الغذائية بأنواعها ، الترصيص، الكهرباء، التدفئة، الخياطة ، صناعة الحلويات وغيرها. جاء هذا بعد إدراج قطاع النقل ضمن قائمة القطاعات المحددة في برنامج دعم وتشغيل الشباب وهو ما زاد من إقبال هذه الفئة وجعلها أكثر إهتماما بهذا النشاط وأكثر تهافتا عليه بدليل الإحصائيات التي سجلتها الوكالة في المدة الأخيرة. وإن كانت اللجنة تحرص على ضرورة توفر جميع الشروط القانونية من تأهيل وكفاءة فإن هذ لا يعني أنها لا تؤثر بالموافقة إلا على عدد قليل من الطلبات حيث تبيّن لنا من خلال تواجدنا هناك أن الرّفض لا يكون إلا نادرا وهذا في حالة غياب الشهادة أو عدم الإختصاص وطبقا للإتفاقية المبرمة بين الوكالة الولائية لدعم وتشغيل الشباب ومديرية التكوين والتعليم المهنيين يحول المسجل على هذه الهيئة للخضوع لإمتحان تجريبي يحدّّد من خلاله مستواه ومدى قدرته على إثبات كفاءته في الإخصاص الذي إختاره وبالتالي تتيح له الفرصة من جديد للمشاركة في هذا البرنامج بالشكل الذي يسمح به القانون.