عندما تذكر النكتة في الجزائر، لا يمكن تجاهل »النكتة المعسكرية« التي أصبحت عالمية بفضل المنتدبات الإلكترونية التي تخصص بعضها في تدوين كل ما تجود به قريحة »النكاتين« بل إن الكثير من المواقع على شبكة الانترنيت راحت تستعمل »النكتة« كطعم لاستقطاب القراء ولذا يكفي الباحث أن يكتب عبارة »نكتة معسكرية في أية نافذ لمحركات البحث المعروفة كجوجل« على سبيل المثال، لتظهر أمامه قائمة لا نهاية لها من مواقع التنكيت، المسموعة، المكتوبة وحتى المرئية. ولعل أبرز الملاحظات التي يخرج بها المتصفح لهذه المواقع، أن الكثير من المنتديات والروابط الخاصة بالتنكيت تأخذ عن بعضها بعضا، مما يجعل محتواها متشابها، والنكت مكررة، أحيانا بنفس الصيغة والأسلوب ونادرا ما يقتصر التجديد في طريقة الطرح أو لهجته أو في بعض الإضافات التي تحاول تجميع عدة نكت في نكتة واحدة. أما بالنسبة للمدونين، فهم في الغالب إما من معسكر، أو من أصول معسكرية، وهو مايدل على أن النكتة المعسكرية« وليد بيئتها وحتى إذا لم تكن كذلك، فسرعان ما يضفي عليها »المعسكريون« خصائص محيطهم وبيئتهم، أي يقومون بتحويل أية نكتة تنشأ في أي بقعة من العالم إلى »نكتة معسكرية« قلبا وقالبا. ومن هنا أضحت »النكتة المعسكرية« جزءا من ثقافة الناس، مامن شخص إلا وفي جعبته بعض النكت التي يسارع إلى روايتها فور سماعه عبارة »جيبنا التالية« أي النكتة الأخيرة التي قيلت في أو عن المعسكريين وهو سلوك لم ينج منه حتى كبار المسؤولين في الدولة الذين نقل عنهم »شغفهم وتتبعهم« لكل النكت التي تخص المنطقة وسكانها ومن ذلك ما يرون أن أحد الوزراء، المعروف بخفة الروح، كلما اجتمع بمدراء قطاعه على مستوى الولاية إلا ونادى مدير ولاية معسكر وطلب منه أن يسمعهم آخر نكتة للمعسكريين. ولذا فإن الكثير من المعسكريين ممن لهم صلات مهنية بالوزراء أو أعضاء الحكومة، يجتهدون لتحويل أي حادثة ومطالب إلى نكتة يرضون بها إدمان بعض المسؤولين على النكت ولهثهم وراء الجديد منها على وجه الخصوص، ومن ذلك أن بعض المواطنين من معسكر طلبوا من أحد البرلمانيين أن يتدخل لهم لدى أحد الوزراء ليكمل لهم بناء مسجد، فسألهم وكم تحتاجون؟ أجابوا: »كي والوا« غير مليار ونصف! هل تعرفون ماذا فعل البرلماني؟ لقد حوّل الحادثة في الحين إلى نكتة، وإن افترق مع المواطنين حتى راح يرويها للوزير المعني. وقد اجتهد »المعسكريون« في هذا المجال الى درجة تشخيصهم للنكتة وأجاز لهم خيالهم، تمثلها في صورة »امرأة« لاتحيا إلا بالضحك، فإذا عجزت عن إضحاك الناس ماتت أو انتحرت ومما قيل في هذا الشأن أن »نكاتا« وقفت عليه في المنام نكتة معسكرية ونكتة وهرانية وكل واحدة تدعي أنها أكثر إضحاكا من اختها، فحكمتاه في الأمر على أن »تنتحر من لاتضحكه منهما« فبدأت المعسكرية وما كادت تنتهي حتى استيقظ »النكات« وامرأته تهزه وتسأله ما بك يا ر جل تقهقه في رقادك؟ فتعجب وتأسف لعدم إكمال منامه، ولكن في الليلة الموالية وقفت عليه »النكتة المعسكرية« في منامه ثانية لكن وحيدة هذه المرة فسألها عن منافستها فأخبرته أنها انتحرت البارحة.. فقال، خسارة تمنيت أن نسمع نكتتها، فقالت، كنت أنت من انتحر من الفم.. وهكذا نلاحظ أن الأمر لم يبق في إطار الترفيه والبحث عن البسمة، وإضحاك الناس، وإنما أضحى مجالا للتأليف والإبداع والتنافس الفكري، وبالتالي تحوّلت النكتة إلي ظاهرة اجتماعية لم تدع سلوكا إنسانيا إلا وتناولته، ممايجعلها مرآة عاكسة لصورة المجتمع، أو على الأقل لصورة بعض الآفات والأمراض الإجتماعية التي يساهم »النكاتون« بقصد أو بدونه في معالجتها، تماما ما كان يفعل شكسبير في مسرحياته عندما جعل الإنجليز يضحكون على تصرفاتهم وسلوكاتهم غير السوية. ومن أبرز المواضيع التي تناولتها »النكت المعسكرية« موضوع »البخل« ونوادر البخلاء، إذ يمكن العثور على عدد لا حصر له من النكت الساخرة من البخلاء وتصرفاتهم ومنها، أن بخيلين أحدهما معسكري والثاني وهراني، كانا على شاطئ البحر، فتراهنا أكثرهما بقاء تحت الماء عند الغطس، على أن يكون العشاء على عاتق الخاسر، يروي الوهراني، أن منافسه المعسكري لم يخرج إلى اليوم من تحت الماء. وفي نفس الموضوع، يروي أن تاجرا معسكريا جمع عند احتضاره أولاده بصفتهم ورثته، فراح يحدد لهم أمواله التي أقرضها لغيره، وأولاده يسجلون كل مدين وبجانب اسمه المبلغ المقترض، بعد ذلك أنتقل أبوهم إلى ذكر الأشخاص الذين اقترض منهم، ولكن مجرد ذكره عبارة»فلان يسالني..« قاطعه أولاده بقولهم: »خلاص بدأ يخرّف، غطوه مسكين«. تاجر بخيل آخر يحكى أنه سافر في رحلة تجارية ودامت رحلته شهورا وبعد عودته عاد بلحية كثيفة جدا، فاستفسره ابنه عنها، فقال : لقيت نسيت آلة الحلاقة في البيت.. وفي مجال البخل دائما، يروي أن بخيلا (واعتقد أنه) معسكري، نزل في إحدى رحلاته على أحد أبناء الجنوب، فأكرمه وأحسن ضيافته، عدة أيام، وعند انصرافه شكره »المعسكري« ودعاه إلى زيارته إن مر بمدينته ومضت السنون وصادف أن كان»للجنوبي« بعض المهام في مدينة معسكر، فتذكر صديقه الذي وجده بأحد المقاهي غير أن هذا الأخير إستقبله ببرودة فاعتقد "الضيف" أن صديقه وهو يذكره بتفاصيل ضيافته له، كل ذلك و"المعسكري" ينظر إليه في غير مبالاة وحتى يقطعه اليأس" قال له بلهجة حادة، إسمع يا هذا، لو خرجت من جلدك ما عرفتك؟ وهي نكتة مقتبسة من بخلاء الجاحظ. ومن النكت المتداولة أيضا حول البخل، أن بخيلا سقطت منه محفظة نقوده من شرفة الطابق الخامس، فنزل مسرعا لكن لم يجدها! لماذا؟ لأنه وصل قبلها. ومن المواضيع المعالجة بالتنكيت أيضا، موضوع المغفلين والأغبياء وفي هذا المجال، يحكى أن طائرة هيلوكبتر سقطت بمقبرة بمعسكر فتم إستخراج 300 جثة ومازال البحث مستمرا، ومنها أن 3 معسكريين دخلوا مقهى وجلسوا قبالة مرآة، وقالوا للقهواجي جيبنا 6 قهاوي! ومنها أن معسكريا سرق محفظة عجوز لكنه لم يجد داخلها سوى فواتير الماء والهاتف والكهرباء، فسددها ومنها أن أخوين أحدهما شرطي والثاني حلاق، فقال الحلاق لوالدته: أيقظيني يا أمي باكرا عندي خدمة، ولما أيقظته فجرا، لبس ثيابه ولما نظر الى المرآة قال معلقا: مسكينة أمي طلبت منها إيقاظي فغلطت وأيقظت أخي (الحلاق لبس لباس أخيه الشرطي). ومنها أن معسكري كان على شاطىء البحر، ورأى شخصا يغرق ويتخبط في الماء، وصاحبها كلما رأى يد الغريق تخرج من الماء، يشير هو أيضا له بيده ويقول له: وعليكم السلام ورحمة اللّه" (ظنا منه أنه يحييه)!. والطمع يخسر الطبع ومنها أن معسكري ذهب الى باريس، فأعجبتت "ثريا " فشترى منها زوجا وأرسله داخل طرد الى بيته وبعد أيام اتصل بزوجته يستفسر عن وصول الأمانة، فقالت لقد وصل الطرد، ولكن ألا تعتقد أنهما ثقيلان على أذني؟ ظننتها قرطين" ودائما في إطار التندر على نماذج المغفلين، يروى " أن معسكريا زار الجزائر العاصمة لقضاء بعض حوائجه، فلاحظ أن معظم الناس هناك يرتدون "البانتوكور" السراويل القصيرة ولما عاد سألوه كيف وجد الدزيريين؟ فأجاب "العجب كلهم طوالوا في نفس الوقت! ومثلها ما ورد عن آخر زار وهران فرأى جميع الناس هناك يتحدثون في الهاتف النقال، ولما عاد، أخبر أصدقاءه أن " وهران كلها مطوقة برجال الشرطة". وفي موضوع، شقاوة الأطفال، يحكى أن معسكريا سئم من النتائج الضعيفة لأبنائه في مادة الإنجليزية، فأرسلهم لقضاء عطلة الصيف عند عائلة إنجليزية تعرف عليها عبر الأنترنت، وبعد إنقضاء العطلة ذهب الى بريطانيا لإعادتهم، دق جرس الباب وقال بالإنجليزية "أنا فلان جئت من أجل الأطفال" فردت عليه زوجة الإنجليزي : راهم مع أولادي يلعبون في الجنينة" فضرب المعسكري كفا بكف وقال في إستغراب "خلا دار بوهم علموهم العربية"! ووجدنا في موضوع "الطمع" نكتة تفيد أنا معسكريا وجد رسالة كتب عليها" لا تفتحها" لكن الطمع فيما داخلها كان أقوى منه ففتحها فوجد داخلها قصاصة كتب عليها "لماذا فتحتها؟" ومن ذلك أن ثلاث متسولات منهن "معسكريتان" تصدق عليهن رجل بخبزتين فطمعت كل معسكرية بخبزة كاملة فقالت لهما الثالثة: أما أنا لا حاجة لي بخبزة كاملة، فلتأخذ كل واحدة منكما خبزة على أن تعطيني نصف خبزة، ففرحت المعسكريتان بهذه القسمة. وفي موضوع الكسل، وجدت نكتة مفادها أن معسكري كسولا سألوه إذا أعطاك أحد برتقالة ماذا تقول له؟ فأجاب: أقوله له، قشرها. وحتى ظاهرة الإنتحار التي انتشرت في المجتمع ولأتفه الأسباب، ألف في شأنها النكاتون عدة نكت، من آخرها، أن شابا رسب في امتحان البكالوريا، وكان كلما رسب ورمى نفسه من بناية ولكنه ينجو من الموت وفي المرة الأخيرة، اختار أعلى البنايات لوضع حد لحياته، وبينما هو ساقط، جاءه ملك الموت، وقال له: إننا لا نقبل سوى الناجحين في البكالوريا... حتى الآطباء ما سلكوش وبخصوص الأطباء ومشاكل الصحة والأمراض يتداول المدونون نكتة عن »معسكري« أهتم (لا أسنان له) قصد طبيب أسنان ليضع له »طاقم أسنان اصطناعية«، وسأله عن الثمن، فأجاب الطبيب بأن الأضراس ب 500 دج للواحدة، والقواطع ب 300 دج والأنياب ب 100 دج، فطلب، فقال له المريض »ديرهم ڤاع نياب«. معسكرية أخرى قصدت طبيب يعاني من أزمة سكن، وقالت له يا دكتور، » الماء في رجلي« و»الغاز في بطني« فرد عليها:» لاينقصك سوى التريسنتي« وتعيش كالملكة.. معسكرية أخرى »أمية« ذهبت بتحاليلها إلى دكتورة متخرجة حديثا، لتشرح لها نتائج تحاليلها الطبية، فراحت تخبرها بأنها »ديابيتيك« وتشرح لها معنى هذا المرض، ونسبة السكر في الدم، وعمل البنكرياس وما إلى ذلك والمريضة تسمع وتنظر في استغراب، ولما عادت إلى بيتها سألتها إبنتها عن تشخيص الطبيبة، فقالت: »قالتلي راك حلوة«. وبطبيعة الحال فإن سجل النكت لا نهاية له، مادامت هناك خفة الروح التي تغذيه لدى البشر كافة، وليس فقط عدن المعسكريين: وهي الميزة التي لاتمنعها حتى المآسي من أداء وظيفتها، بتلوين المأساة وإضفاء بعض الدعابة عليها، بدليل »النكت التي قيلت عن زمن الإرهاب وعن الإرهابيين« ونسوق هنا إحداها للتذكير وحتى لاينسى الجزائريون معاناتهم في تلك الفترة قصد الإعتبار وتتلخص النكتة المذكورة، أن حاجزا مزيفا اعترض حافلة مسافرين وراح يقتل ركابها تباعا، وعندما جاء دور إمرأة مع زوجها، سألها الإرهابي عن إسمها، فقالت: عائشة، فقال: لن نقتلك لأنك تحملين اسم زوجتي. ثم سأل الرجل أيضا ما إسمك؟ فقال: قادة، ولكن أصحابي ينادوني عائشة. البحث الأكاديمي للظاهرة ضرورة ملحة وهناك أيضا نكت سياسية حول المسؤولين، ونكت أخلاقية، وأخرى تربوية وغيرها من المواضيع التي طرقها » النكاتون عبر العالم، كما بدأ بعض الأكاديميين في دراستها كظاهرة اجتماعية، بل هناك طالبات جامعيات بمعسكر، درسن موضوع »النكتة السياسية« واخترته كرسالة تخرجهن في تخصص » علم الإجتماع« ومع ذلك يبقى هذا المجال مفتوحا للباحثين والدارسين، للتعمق في الظاهرة، ونشأتها وأسبابها، وانتشارها وصناعها، وتشعب مواضيعها وصياغتها، ولغتها، وما إلى ذلك من القضايا التي تنتظر روادا يسيرون أغوارها ويستخرجون كنوزها. ونأمل أن يكون المعسكريون سباقون في هذا المجال، لأنهم يدركون من تلقاء أنفسهم، أن »الثقة بالنفس« هي وحدها التي تشجع الإنسان على اتخاذ نفسه موضوع تنكيت، وبالتالي فهم أقدر من غيرهم على معالجة الموضوع دون مركب نقص أو عقدة النرجسية.