تحت هذا العنوان أو أمر مشابه سوف تنشر كثير من المقالات في الصحف ووسائل الإعلام العربية، وربما وسائل التواصل الاجتماعي كذلك، بعضها سيكون مغرقاً في التشاؤم واستعراض سوء الأحوال العربية وترديها، وبعضها الآخر، وهو الأقل ربما، سيكون مغرقاً في التفاؤل والأمل بصدق أو من منطلق نفاق، وما أكثره في عالمنا العربي، ومثلما اعتدنا في عالمنا العربي ستكون المراجعات الدقيقة أو الموضوعية، أو التي تحاول ذلك ستكون قليلة، ودوماً أسأل نفسي، فربما تكون المراجعة التي سأعرضها أيضاً محملة بتوجهات أو رؤى ليست دقيقة بالكامل، ولكنه اجتهادي على الأقل. المراجعة التي يجب أن تجريها مجتمعاتنا العربية يجب أن تمتد لكل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية العربية، ولكن هذا ليس موضوعنا الآن، وإن كنت أظن أن هناك رابطاً مهماً لكل هذا بما يجري من صراعات تستنزف الأرواح والثروات العربية. وأبدأ من أنه لا خلاف على أن أي مراجعة يجب أن تقيس التغيير بأصل ما أو بمقاييس معينة، ومن ثم فإنني أقارن هنا بتحليل لسمات الأزمات العربية عرضته في هذه الصحيفة أوائل العام الماضي، وناقشت في هذا المقال تحليلاً لأزمات أربع وهي سورية وليبيا واليمن وفلسطين، وبالطبع كان على رأس هذه السمات أن اللاعبين الرئيسيين في التأثير في التفاعلات المحيطة بهذه الملفات هم اللاعبون الخارجيون سواء الإقليميين من غير العرب أو الدوليين، باستثناء دور عربي مهم في حالة اليمن، وبشكل أقل ليبيا، ولو تأملنا ما حدث بنهاية العام لوجدنا أنه لم يحدث جديد في حالة سورية، اللهم إلا من تحرك أطراف عربية متعددة تجاه النظام السوري، أو الدولة السورية بحسب المنظور المختلف لكل طرف، ومن ناحية أخرى فقد تكثفت الضغوط بنهاية العام وانتهت بترتيبات تهدئة في اليمن وسنعود إلى ذلك ولكن المهم أن هذه الترتيبات تمت بمظلة دولية ودون دور يذكر لجامعة الدول العربية ولا الدول العربية بشكل عام، ما أعادنا إلى الدائرة نفسها وهي هامشية دور الأطراف العربية في الأزمة. وفي حالة ليبيا لا يمكن إغفال أدوار عربية في التأثير في تفاعلات الأزمة بشكل مؤثر، ومع ذلك لم تستطع حتى الآن إعادة الملف للمجال العربي في عملية سياسية برعاية الجامعة العربية، وما زال قرار هذه العملية دولياً دون مقدرة أو إرادة حقيقية لإخراج تسوية جادة، بل على العكس فإن دور المجتمع الدولي مسؤول عن اللبس الحالي ممثلاً في اتفاق الصخيرات، ومازال يتخذ دوراً سلبياً أو متهادناً إزاء مخالفات تركيا في دعم العناصر والتيارات المتطرفة في ليبيا. وفي حالة فلسطين التي هي مستمرة منذ عقود طويلة مازال الموقف العربي يمارس دوره الوحيد المتمثل في منع أو عرقلة خجولة لاستكمال إسرائيل تصفية القضية بمعاونة الولاياتالمتحدة. آنذاك أشرت إلى سمة أخرى وهي أنه كلما اقتربنا من حلحلة أو تهدئة بعض الأمور تعقدت الأزمة أكثر، على أن التأمل الموضوعي يشير إلى تراجع هذه السمة نسبياً، وربما كانت سورية أكبر مثال على هذا في السابق، بينما تشير التطورات الأخيرة إلى خلاف هذا، فحتى الآن الشواهد تشير إلى طور أكثر تهدئة عسكرياً، وحتى التصعيد التركي المحتمل سيكون في منطقة جغرافية ضيقة، لن تؤثر كثيراً في موازين القوى والسيطرة الرئيسية في البلاد، بل ربما كان لها دور محدد فيما يتعلق بالمسألة الكردية، وترتيبات التسويات النهائية، التي من المحتمل أن يشهد العام المقبل حلحلة فيها، بصرف النظر عن نكسات محتملة من وقت لآخر، وهو ما لم يثبت بعد في الحالة اليمنية، ولكن الترتيبات الأخيرة عموماً قد أرست فكرة صعوبة الحل العسكري لصالح الحل السياسي، واختمار وشروط هذا لم تكتمل بعد، وقد تحتاج إلى مزيد من أدوات الضغط على إيران التي لا تستطيع مع مستوى الضغوط الحالية والقادمة الاستمرار في تحمل هذه الكلفة العالية لسياساتها الخارجية، ومع ذلك لم يختمر هذا بعد أيضاً. في ليبيا وضعت برعاية دولية ترتيبات للخروج سواء في باريس أو روما محورها إجراء انتخابات، وعلى هامشها اعتراف بالدورين الفرنسي والأيطالي في مستقبل هذه الترتيبات، لم يتحسن الوضع بعد ولكنه لم يسوء كذلك، ويظل التحسن الواضح في ورقة إثبات تورط تركيا في دعم التطرف، وهي ورقة إذا أحسن استخدامها قد تقدم مخرجاً وحراكاً جيداً للأمام، ولكن هذا كما سبق وأشرنا في مقال سابق رهن بعدم ترك الشعب الليبي وحده يخوض هذه المعركة، وربما تقدم هذه المسألة مرة أخرى فرصة للجامعة العربية لاستعادة دور مفقود في هذا الملف. وفي جميع الأحوال تقدم مسألة السفينة التركية أيضاً فرصة للأطراف الدولية خصوصاً الغربية وكذا المبعوث الأممي لليبيا لإثبات حسن النوايا والمراجعات المستحقة تجاه الشعب الليبي واستمرار معاناته نتيجة لهذه السياسات الغربية ولأخطاء الأممالمتحدة. أما ما نستقبل عامنا الجديد، وهو بالقطع أكثر سوءاً، فهو القضية الفلسطينية، فتزايد الانقسام الفلسطيني أكثر حدة من ذي قبل، والمواقف أكثر تباعداً، وتراجع الاهتمام الدولي والإقليمي أكثر وضوحاً، والسيف المسلط منذ وصول عاصفة ترامب لحكم الولاياتالمتحدة والمسمى صفقة القرن مازال يثير القلق الفلسطيني والعربي، وقلق من مازال إسلامياً ودولياً على تمسكه بحقوق هذا الشعب المستمر في أن يكون ضحية ظلم تاريخي لم يعرفه العصر الحديث، ومخاطر انتقال سفارات جديدة إلى القدس عادت لتطل من جديد بنهاية العام بعد أن تجمدت بعض الشيء، وإن كان الإيجابي هو أن أحداً من العالم العربي لم يتجاوب مع هذه الجريمة الأميركية الجديدة، ولا أظن أن أحداً يستطيع ذلك تحت أي ضغوط. في ظل كل هذه الخلفية الصعبة للجانب الفلسطيني يبدأ العام الجديد محملاً بتحديات تزداد صعوبة في كل من غزة ورام الله، خصوصاً تلك التي تتعلق بشرعية الحكم ومستقبل قيادات الشعب الفلسطيني. ولكي لا ننسى إشكاليات الأوضاع في العراق ولبنان، فالعنوان مازال واحداً، وهو استمرار التدخلات الخارجية الإقليمية في شؤون العالم العربي، وهو العنوان العريض للأزمات العربية الأخرى السابقة، مصحوبة باستمرار المنطقة العربية كساحة للصراعات والنفوذ الخارجي إقليمياً ودولياً والترتيب للمستقبل في إطار تحولات صعبة وبطيئة من نظام الهيمنة الأميركية إلى نظام لم يتبلور بعد والأرجع متعدد الأقطاب بمواصفات معقدة وصعبة. وأختتم بالعودة إلى ما ذكرته من أن كل هذا أي كل أحوالنا وأزماتنا لا تنفصل عن مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية العربية ومدى استعدادنا للانتقال إلى عالم أفضل، مفتاحه الذي مازال عصياً علينا الرشادة والعقل والتفكير العلمي السليم، ولكن لهذا حديث آخر. الحياة اللندنية