تكمن أبرز معوقات تطور الجهاز الحكومي في الهياكل العليلة، التي تلد فساداً إدارياً، نتيجة تضارب القرارات وخسائر المال العام بسبب اجتهادات فردية وغير مؤسسية! من المعروف انه لطالما هناك قوى معارضة للتنظيم والتطوير والمعروفة بInstitutional dynamics and resistance to change، ينتج عنه تفريغ لنصوص مواد القانون، بسبب غياب العمل المؤسسي والتكامل في السياسات وتناقض صارخ للقرارات الرسمية، التي تتضرر منها المصلحة العامة من جهة، وتفقد الحكومة مصداقيتها من جهة ثانية. فثمة العديد من الأحكام الادارية التي انتصرت ضد الفساد الاداري، ولعل أحدثها حكم محكمة التمييز الأخير بشأن «إلغاء تعيينات خبراء وزارة العدل بشكل غير قانوني»، وهو ما يؤكد التخبط في الجهاز الحكومي، نتيجة تراخٍ إداري ورقابي لديوان الخدمة المدنية وإدارة الفتوى والتشريع إزاء تعسف بعض الوزارات والجهات الحكومية التابعة. هاتان الجهتان، اي الخدمة المدنية والفتوى والتشريع، ينبغي ان تقودا تنظيم العمل الهيكلي والمؤسسي داخلهما، وفي الجهاز الحكومي ككل، حيث من الواضح ان كل جهة تعمل بمفردها من دون تنسيق مشترك ورقابة على النظم واللوائح والهياكل التنظيمية. فالفتوى والتشريع اصبحت في مرمى التقاضي الاداري، وهي الادارة التي يفترض ان تكون سباقة في ترسيخ العمل الهيكلي الفني الخاص بالمحامين، وهو ما جعل الادارة في الآونة الاخيرة محور اهتمام وجدل في منصات التواصل الاجتماعي، بسبب غياب الوضوح والشفافية في الهيكل الاداري الفني! من جهة أخرى، يستفحل تواضع تطبيق ديوان الخدمة المدنية للقرار الوزاري رقم 666 لسنة 2001 وأي تعديلات مستجدة، وهو ما يجعل الديوان مسؤولا عن اي تبعات قانونية. ثمة اكثر من علة ادارية في الجهاز الحكومي، فعناصر الادارة الرشيدة مغيبة او غائبة كليا، فاستثناءات بعض القياديين والوزراء وتجاوزهم للقوانين لا شك انها تقود الى الفوضى بدلا من التنظيم في الجهاز الحكومي وتكبد المال العام لتعويضات مدينة لا طائل لها! مثل هذا الوضع يضع مصير الحكومة في مهب ريح الاجتهادات الفردية والانتقائية من دون اي محاسبة تذكر لمصدر النزاعات الادارية، لا سيما اذا كان الطرف قيادياً او وزيراً! فإدارة الفتوى والتشريع منذ انشائها في 1960، ما زالت تعاني عللاً هيكلية وتنظيمية فنية، وهو أمر يستوجب استعجال تحرك فوري لديوان الخدمة المدنية والإدارة ايضا في تنظيم العمل في مرفق حيوي تفادياً لزيادة عدد القضايا الادارية ضد الفتوى والتشريع. هناك رؤساء لجهات حكومية تكاد تجدهم في مكاتبهم لبضع ساعات، ضاربين عرض الحائط بالقرارات حتى القانونية منها! هذه لمحة متواضعة عن الادارة الحكومية العليلة، التي نتمنى من الاخ الفاضل سمو الشيخ صباح الخالد، رئيس الوزراء الجديد، وضعها ضمن الاولويات، فتفشي هذه الظواهر يعني توغل الفساد بشتى أشكاله في مفاصل أجهزة حساسة، واستحالة الإصلاح والتصدي للفساد.