بقلم: الأسير المحرر الأديب – وليد الهودلى قبل يومين كانت آخر نبضاتها في هذه الحياة، دارت عيناها على أبنائها في نظرة وداع أخيرة ولما لم تجد عبد الرازق ذرفت دمعة ساخنة، رأته وقد رسم شبك الزيارة مربعاته على وجهه، ثم رأته وقد غيّب أنفاسه عنها لوحا زجاجيا باردا لا يفقه لغة القلوب، ومرّ شريط الذكريات عندما كانت تحضنه بين حبسة وأخرى، يُغيّبونه في غياهب سجونهم السنة تلو الاخرى وقد اعتادت أن تقتات من أمل افراج ولقاء قادم، اليوم تغيب هي دون أن تكحّل عينيها برؤيته ويتلاشى أمل اللقاء في هذه الحياة، عندما يخرج عبد الرازق هذه المرة لن يجد روحه الكبيرة، يعود الغصن فلا يجد الشجرة التي اعتاد أن يأتي الى حضنها بعد سفره الشاق الطويل. استقرّ مقامها في مخيم الجلزون بعد عملية تطهير عرقي وتهجير قسري لشعب قام بها أعتى أعداء البشرية، كانت جريمة ضربت ريعان حياتها بقسوة بالغة، ابنة مدينة اللد الوادعة في حضن الساحل الفلسطيني والتي يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان، عاشت طفولة هانئة طيبة في ربوع مدينة لا ينقصها شيء، ترتع وتلعب وتنعم بدلال ورغد، ومدينة اللد بالذات تمتاز صغيراتها بدلالها الخاص، حياة مرفهة تختلف كثيرا عن حياة القرى وشظف فلاحة الارض فتنشأ وتترعرع البنت في وسط حفاوة جميلة وسعادة لا ينافسهن فيها أحد. فجأة وجدت نفسها على مهب ريح حياة البؤس والشقاء، وجدت نفسها مطرودة من مدينتها الجميلة الى حيث حياة الخيام التي تلعب بها عواصف الشتاء ويذيقها الصيف لهيبه الحارّ، حياة بلا مأوى ولا مطعم ولا رعاية الا ما يبقيهم على قيد الحياة وفوق كل هذا عصا الاحتلال التي راحت تطاردهم حتى في هذه المخيمات. ومن لا شيء استطاعت أن تدبّر الامر وتصنع كلّ شيء لضمان استمرارية الحياة واثبات الصمود والتحدي وأن على هذه الارض من هو أحق من المحتلّ في استحقاقه في العيش عليها. نجحت في تعمير بيت والاستمرار في تزويد الحياة الفلسطينية بابناء نوعيين في عطائهم وحفظهم لرسالة الوطن الذبيح، استثمرت في التعليم وثابرت حتى أخرجت من رحم معاناتها الكفاءات العلمية والنضالية المميزة: حافظ وخالد وعبد الرازق. وكان من أهم هذه الكفاءات ما جعلت منه وقودا لحركة النضال الفلسطينية، ابنها عبد الرازق الذي كان أسير فلسطين الذي أغاظ المحتل مرارا ودفع الثمن باهظا من عمره حيث أخذت السجون أكثر من شطره، انقض الاحتلال على عمره فقطّعه ما بين سجن وآخر، كانت اعتقالاته الادارية من أطول السنين حبسا حيث بلغت التجديدات الادارية في احداها خمس سنوات، وهو الان في حبسة تناوشته فيها أساليب تعذيبهم السادية في تحقيق عسكري مريع لم يراعوا فيه سنه ولا مرضه ولا أي حق من حقوق الانسان التي ما فتئوا يتشدقون بها. أمه رحمها الله كانت دائما السند والروح العالية التي ترفرف روحه في سمائها، لم تتوانى لحظة عن تجرّع ويلات السفر الى سجونهم البعيدة، نذرت نفسها لخيار ولدها المقاوم، تبادلت معه الفخر والاعتزاز بحياة النضال وسارت في هذا الدرب دون كلل أو ملل، كانت تأتيه منهكة قد أعياها السفر الطويل وحواجزهم اللعينة وتفتيشاتهم المذلة واجراءاتهم المقيتة، ترفع رأسها به شامخة فلا تبدي له الا قوة روحها وشموخ عزيمها ، تتعالى على الجراح وتعلو بسمتها الجميلة فوق كل الالام. لقد قضت نحبها شهيدة للحرية وشاهدة على جريمة الاحتلال الفاشية ، صابرة منافحة مناضلة، تنشد نشيد الحرية وتعلن أن العودة قادمة الى حيث اللد المدينة المحررة وعودة الحقوق لأصحابها، تعلن أن فلسطين هي فلسطين واللد وعكا وحيفا ويافا وعسقلان وبئر السبع تماما مع رام الله والخليل وجنين نابلس، هي سواء مدنا فلسطينية خالصة مخلصة من هذا العدو المارق الذي لا جذور ولا مستقبل له في بلادنا أبدا.
رسالة من عائلة الأسير المهندس محمد حلبي طلبا لإحقاق الحق وتحكيم العدل الى الضمير العالمى في تاريخ 3.3.2020 قدم المهندس محمد حلبي إلى المحاكة رقم 135. لم تختلف هذه المحكمة عن سابقاتها من حيث عجز النيابة تقديم أي بينة أو إثبات على إدانة ولدنا، المهندس محمد حلبي، مدير مؤسسة الرؤية في غزة، بأي من تهم الإرهاب الواهية المنسوبة إليه. وبحسب المهندس حلبي فان الدولة تعتمد ما يزعم بأنه إفادة عميل لها في السجن، بأنه سمع اعترافا من المهندس حلبي بالتهم المنسوبة إليه، الأمر الذي ينفيه المهندس حلبي جملة وتفصيلا بل ويؤكد بان كل معلومات هذا العميل تم دحضها بالتفاصيل الدقيقة من خلال جلسات المحاكم ومن خلال أدلة موضوعية وشهادة شهود قد دعاهم للإدلاء بشهادتهم في المحكمة. من ناحيتها تستمر أجهزة الادعاء بالتستر عن بينتها المذكورة، وعدم الإقرار بها، وعدم كشفها أمام الرأي العام، لما في كشفها من إحراج لها – لمدى سطحية البينة وابتعادها عن الحقيقة الواضحة مثل وضوح الشمس والمثبتة من خلال شهادات شهود عرب وأجانب سواء من غزة أو من إسرائيل ومن القدس ومن الضفة الغربية ومن خارج البلاد من داخل المؤسسة ومن خارجها. كل الشهود بدون ي استثناء اجمعوا على استقامة المهندس حلبي وتفانيه للعمل الإنساني فقط. واجمعوا أيضا على نفي التهم المنسوبة للمهندس محمد، جملة وتفصيلا بل وباتت بعض التهم موضع تهكم وسخرية في المحكمة، نظرا لخيالها الجامح وعدم إمكانية حدوثها أبدا ليس فقط لأنها تناقض الواقع، بل أيضا لان التدابير الإسرائيلية ذاتها تمنع أي إمكانية لحدوثها. بعد ان قام ولدنا محمد حلبي بإحراج جهاز الادعاء الإسرائيلي بالبينة تلو الأخرى، وتفنيد بينته اليتيمة الوحيدة الخالية من أي منطق، المعطاة من قبل شخص مدان بجرائم تزوير، والمبهمة، فقد لاحظ ولدنا بان الادعاء العام يتخذ منحى جديد هو التهديد والوعيد بأنه وفي حال عدم اعتراف المهندس بأي تهمة تخص المؤسسة التي خدمتها ويخدمها (ولو كانت أي مخالفة بسيطة)، وإحراج الادعاء أمام الرأي العام، فان المحكمة ستدينه قطعا حتى بدون أدلة ويتم الحكم عليه بفترة حكمة كبيرة وعالية عقابا له، وبأنه وفي جميع الأحوال لن تسمح الدولة، وبعد ا ن كانت سبق وأعلنت بأنها تحمل أدلة بتورط مؤسسة الرؤية بأعمال الإرهاب، بان تظهر بمظهر محرج أمام الرأي العام العالمي. جل ما نخاف منه أن تخضع المحاكم الإسرائيلية لهذه الاملاءات وان يكون الحكم سياسيا سريا قطعا بموجب “الدفاع عن تصريحات المسئولين”، بدل عن “الدفاع عن الحق”.يلمس ابننا عدة إشارات بان المحكمة تتعامل مع القضية بمحاباة كاملة وغير منصفة بتاتا لصالح الادعاء العام، بل وأحيانا بطريقة غير قانونية أبدا، من خلال قرارات كثير ومختلفة ليست محل بحثنا هنا ناهيك عن عدم اتخاذ تدابير ملائمة للحفاظ على عدالة المحكمة مثل انعدام الترجمة المهنية وغيرها وغيرها. ولكن نخشى ما نخشاه ونحذر المؤسسات والضمير العام بان ابننا قد لا يحظى بمحكمة عادلة نزيهة، بل هو موضوع أجندة سياسية لا تكترث لا بالحق ولا بالعدل ولا بحقوق الإنسان. أرجو تدخلكم الفوري اقله لضمان بان تكون المحكمة عادلة وان يكشف الادعاء دليله لكي يتيقن العالم اجمع بسخف هذه التهم وانعدامها أي منطق ولو البسيط. في جميع الأحوال واقل الإيمان، بان نطلب تدخلكم لضمان العدل والنزاهة والشفافية ولو بقليل القليل. يصمم محمد تقديم التضحية تلو الأخرى في سبيل إحقاق الحق وعدم الانكسار أمام الباطل من اجل العدل، من اجل العمل الإنساني، من جل سمعة مؤسسته الغالية، مفضلا القيم الإنسانية والعدل والإنصاف عن “صفقة مشبوه كاذبة”. فرجاء أن لا تتركوه وحيدا. الجنرال العجوز يحتفل بعيد ميلاده (80) في سجون الاحتلال. بقلم/عبد الناصر عوني فروانة في الثاني عشر من مارس من عام 1940 كان مولده، وفي مثل هذا الشهر من عام 2006 كان موعده مع الاعتقال، واليوم وبعد أربعة عشر سنة من الاعتقال يحتفل “الجنرال العجوز” بعيد ميلاده الثمانين وهو مقيد اليدين داخل سجن إسرائيلي محاط بجدران شاهقة وأسلاك شائكة وحراس مدججين بالسلاح وعيون مراقبة تبقى الليل ساهرة لا تنام. “الجنرال العجوز” أو “شيخ الأسرى” كما يحلو للأسرى مناداته، لم ألتقيه يوما، ولم أجالسه ولو لمرة واحدة. كما ولم يسبق لنا أن تبادلنا الحديث حتى ولو عبر الهاتف. لكنني أعرفه جيدا منذ أن كان جارا لنا، حيث نشأت وتربيت في حي بني عامر بمحلة الدرج وكان “ابا حازم” يسكن على أطراف حي التفاح وعلى بُعد أمتار من بيتنا، وصدح اسمه في أذناي مرارا وتكرارا، وصورته المعلقة هنا وهناك لا تكاد تغيب عن عيناي، وحديث الأسرى عنه ومن قبلهم ضباط وجنود السلطة الفلسطينية يدفعني دوما نحو البحث عن وسيلة للتواصل معه. انه الجنرال العجوز فؤاد حجازي الشوبكي “أبو حازم”، أحد قادة حركة التحرير الفلسطيني “فتح” وواحد من مؤسسي الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية. فؤاد الشوبكي وكنيته “أبو حازم”.. جنرال فلسطيني ومسؤول الإدارة المالية العسكرية سابقا وواحد ممن وقفوا طويلا على راس هرم السلطة، وأسير حالي يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ اربعة عشر سنة بعدما اقتحمت قوات الاحتلال المدججة بالسلاح سجن أريحا الفلسطيني بقوة البندقية وعنجهية الاحتلال واختطفته في الرابع عشر من مارس عام 2006 مع مجموعة من رفاق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ونقلتهم جميعا الى سجونها سيئة الصيت والسمعة، ومن ثم حكمت عليه احدى المحاكم العسكرية بالسجن الفعلي لمدة (20) سنة بتهمة تهريب باخرة “كارين ايه” المحملة بالسلاح والعتاد للمقاومة الفلسطينية، ومن ثم قررت محكمة الاستئناف في سجن عوفر تخفيض 3 سنوات من مدة الحكم. “أبا حازم”، شاب شعر رأسه واكتساه اللون الأبيض، وهرم قبل أن يرى اللحظة التاريخية التي لطالما حلم بأن يشهدها، وهموم الدهر أثقلت حركته داخل زنزانته، وتقدمه في السن لما بعد العقد السابع من العمر، جعل من الأمراض المتعددة تستوطن جسده، فتزيد من معاناته معاناة ومن ألمه ألما. وسنوات السجن الطويلة أورثته أمراض خطيرة ومزمنة في ظل استمرار الاهمال الطبي وعدم توفير الرعاية الطبية له. “أبا حازم”.. شيخ الأسرى كما يحلو لرفاق الأسر أن يطلقوا عليه، فهو أكبرهم سناً، إذ بلغ مرحلة متقدمة من العمر وتجاوز الثمانين عاما، وما زال يحلم بالانعتاق وقضاء باقي عمره في رحاب الحرية، ان كان في العمر بقية. لقد تعرض “الجنرال العجوز” منذ لحظة اعتقاله الى انتهاكات جسيمة ومعاملة لا إنسانية، وأُخضع لتحقيق قاسي، ولصنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، وأودع في زنازين ضيقة ومعتمة لشهور طويلة، وتنقل معصوب العينين ومكبل اليدين ما بين سجون عدة أبرزها المسكوبية وعسقلان وهداريم إلى أن استقر به الحال مؤخرا في معتقل النقب الصحراوي. وعاش “شيخ الأسرى” في السجون والمعتقلات الإسرائيلية حياة آلاف الفلسطينيين، ومازال يحتجز في ظروف قاسية دون مراعاة لكبر سنه، أو حالته الصحية المتدهورة، ودون توفير الحد الأدنى من احتياجاته الطبية والأدوية الضرورية، مما فاقم من معاناته وأدى إلى استفحال الأمراض في جسده المنهك والمثقل بالهموم والأوجاع. ومع مرور الوقت يتسع الجرح ويتفاقم الوجع، فحالته الصحية تزداد سوءاً، وحالته النفسية تتأثر بوفاة زوجته ورحيل رفيقة عمره “أم حازم” في العاشر من كانون ثاني/يناير عام 2011. تلك المرأة الفاضلة والمناضلة التي تحدثت معي أكثر من مرة قبل وفاتها لتشكي لي همومها وهموم زوجها. “فؤاد الشوبكي” أو “الجنرال العجوز” أو “شيخ الأسرى” كما يُطلق عليه الأسرى، رجل تعرفه فلسطين، وقائد تشهد له الساحات المختلفة وعلم من أعلام الثورة الفلسطينية، واسم لمع في سماء فلسطين فحفظته الأجيال المتعاقبة، وجنرال عجوز يستصرخ ضمائر الضباط والجنود، واسير كهل انهكته السنين واثقلته الأمراض وأبكته المأساة. وهو بحاجة الى جهدنا جميعاً، ومساندتنا القوية، ونصرتنا الجادة، لوضع حد لمعاناته، وضمان انتزاع حريته من أنياب السجان ليعود الى أهله وأحبته وشعبه قبل أن يخطفه الموت.