يُعد الزعيم اللبناني محسن إبراهيم، الذي رحل عن الدنيا مؤخراً عن خمسة وثمانين عاماً، آخر ثلاثة كانوا عنواناً، أو على الأقل أحد أبرز عناوين مرحلة فاصلة من تاريخ لبنان الحديث. هم، بالإضافة إليه، كمال جنبلاط وجورج حاوي، الذين كانوا أبرز قادة الائتلاف الواسع الذي عرف يومها ب«الحركة الوطنية اللبنانية»، فترة الحرب الأهلية في عامي 1975 و 1976، وما تلاها من تداعيات ظلّت مستمرة حتى تمّ توقيع اتفاق الطائف. كمال جنبلاط وجورج حاوي ماتا في عمليتي اغتيال استهدفتهما، بفارق سنوات، ففي حين اغتيل كمال جنبلاط بعد أن أحكمت القوات السورية قبضتها على لبنان في عام 1976، فإن جورج حاوي اغتيل في تفجير استهدفه بالقرب من بيته في يونيو/ حزيران 2005، فيما قدّر لمحسن إبراهيم العيش ليكون شاهداً على ما تلا غياب رفيقيه من تطورات. لا يمكن لنا ونحن نقف أمام أسماء هذا الثلاثي عدم ملاحظة أن ما جمع بينهم في «الحركة الوطنية اللبنانية» ليس الانتماء أو الاصطفاف الطائفي على نحو ما اعتدناه في لبنان، فجنبلاط درزي، بل كان الزعيم الذي لا ينازع للدروز، وهو من اختار أن يسمي الحزب الذي أسسه «الحزب التقدمي الاشتراكي»، ساعياً، في حدود المتاح، ألا يجعل منه حكراً على طائفة، وجورج حاوي مسيحي أرثوذكسي، كان في حينه زعيماً للحزب اليساري الأعرق والأكثر جماهيرية، الذي تتسع صفوفه لأبناء كل الطوائف، فيما محسن إبراهيم مسلم خلفه دور قيادي في «حركة القوميين العرب». الانتماء الوطني العابر للطوائف هو ما جمع بين الرجال الثلاثة وما يمثلونه من تكوينات، وهم سعوا من مواقعهم القيادية، لأن يخرجوا بلدهم من القسمة الطائفية، النافية، من حيث الجوهر، لمفهوم المواطنة، الضامنة للمساواة في الحقوق والواجبات بين الجميع دون ممالأة أو تمييز، وتعتمد معايير الكفاءة والنزاهة، لا معايير القسمة المذهبية. غياب كمال جنبلاط المبكر أحدث فراغاً كبيراً في «الحركة الوطنية اللبنانية» يومها، وكان من الصعب تعويض غيابه، لكن ما كان لجورج حاوي ومحسن إبراهيم من كاريزما سدّ بعض هذا الفراغ، إلى أن جاء الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان صيف 1982، ليؤسس لوضع جديد وجد فيه حاوي وإبراهيم أن المهمة الملحة ليس الاستمرار في الاشتباك الأهلي، وإنما مقاومة المحتل، فأطلقا «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» التي بدأت عملياتها العسكرية البطولية ضد المحتلين الصهاينة، وانخرط فيها مقاتلون من مختلف الطوائف، فكانت علامة مضيئة في تاريخ لبنان. بغياب آخر الثلاثي، يغيب شاهد كبير على مرحلة بكاملها. الخليج الإماراتية