استغربت الأحزاب السياسية صمت الحكومة حول مشروع قانون تجريم الاستعمار، واعتبرت عزوفها عن الرد تخل عن واجب من واجباتها، داعية إلى تبرير موقفها أمام الرأي العام لتوضيح بعض النقاط التي بدأت تحوم عليها الشكوك، داعية النواب إلى التكتل من أجل الضغط على البرلمان لبرمجة القانون في الدورة التشريعية المقبلة. النهضة: "صمت الحكومة رسالة سلبية للمواطن والجزائر" أكد أمس، فاتح ربيعي، الأمين العام لحركة النهضة، بأن صمت الحكومة على مشروع تجريم الاستعمار قد قدم رسالة سلبية للرأي العام في الجزائر، وخيبة أمل بالنسبة للنواب على هذه المبادرة. وأضاف ربيعي، في اتصال هاتفي لجريدة "الحياة العربية"، بأنه كان يفترض على الحكومة الموافقة فورا على هذا القانون، لأنه مطلب شعبي وسياسي، حيث أنه كان موقعا من طرف 152 نائبا، مؤكدا بأن هؤلاء النواب يمثلون كل الحساسيات المتواجدة بالبرلمان، وأن هذا القانون هو رد فعل طبيعي على قانون "تمجيد الاستعمار"، الذي بادرت فرنسا إلى وضعه في 2005. وحسب ربيعي، فإن قانون تجريم الاستعمار قد تأخر فعلا لمدة 05 سنوات كاملة عن القانون الفرنسي، وعليه فإنه كان من المفترض على الحكومة أن توافق على ذلك، عن طريق تمريره على البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه. أما بخصوص علاقة هذا المشروع بالمصالح الاقتصادية مع فرنسا والإستراتيجية معها، فقال ربيعي..."لما لم تفكر فرنسا بهاته المصالح يوم موافقتها على تمجيد الاستعمار، حيث كان ينبغي لها الاعتذار للشعب الجزائري، على غرار ما فعلته عديد البلدان كإيطاليا لليبيا، وعليه فالعلاقات التي يجب أن تسود وأن تكون مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة للبلدين، أما أن نفكر بهاته العلاقات فأنا أعتبره – حسب ربيعي – بأنه يتنافى مع ذلك". من جهة أخرى، أشار ربيعي بأنه كان من المفترض على الحكومة أن توافق عليه، فالمدة القانونية لهذا المشروع قد انتهت، لكننا لم نلاحظ أي شيء، مشيرا من جانبه بأن الكرة موجودة في مرمى البرلمان، ونحن قلنا في أوقات سابقة بأنه إذا لم يستطع 152 نائبا في البرلمان الضغط على هذا المشروع، فلابد من حل البرلمان. جودي: "لا أستطيع الخوض في القضية" حزب العمال يتهرب من قانون تجريم الاستعمار رفض أمس، جلول جودي، نائب حزب العمال، الإدلاء بأي تصريح لجريدة الحياة العربية، بخصوص مشروع قانون تجريم الاستعمار، واكتفى بالقول "إن هذا المشروع لا يزال مطروحا على الحكومة، ولا أستطيع الخوض في هذا الموضوع في الوقت الحالي..."، وهو القرار الذي أجمع عليه أغلبية البرلمانيين بالمجلس الشعبي الوطني. تهرب جودي، جاء مناقضا للمبادئ والقضايا التي كانت ولا تزال تتغنى بها الأمينة العامة، لويزة حنون، وإصرارها المتكرر على النضال من أجل تجريم الاستعمار، الأمر الذي يفتح الشكوك على مصراعيه حول عدول حزب العمال عن قناعاته في تجريم جرائم جنرالات باريس. الإصلاح: الحكومة تخلت عن واجبها في تجريم الاستعمار أكد أمس، جمال عبد السلام، الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني، بأن صمت الحكومة عن الرد على مشروع تجريم الاستعمار الذي تبناه مجموعة من البرلمانيون، هو تخلي عن واجبها المنوط بها اتجاه الوطن، كما أنه خرق لقوانين البلاد، وتجاوز على القانون المنظم لعلاقات البرلمان بغرفتيه والحكومة، مضيفا أن الحكومة الآن، هي محل تهمة، ومطالبة باحترام قوانين البلاد وعدم تجاوزها قبل المواطنين الذين تدعوهم إلى احترامها. كما كشف جمال عبد السلام، في اتصال خص به جريدة "الحياة العربية"، أن مسؤولية مشروع قانون تجريم الاستعمار مشتركة بين الحكومة والبرلمان، حيث أن المجلس الوطني الشعبي له الحرية المطلقة في تنزيل المشروع، في الوقت الذي ترفض الحكومة هذا الأمر، وهو ما يجعل البرلمان -حسب المتحدث- مسؤول بدرجة كبيرة عن هذا التأخر في إدراج المشروع. وأضاف المتحدث أن هناك تدرجا في المسؤولية على المشروع، ففي حالة تماطل الحكومة والبرلمان، فإنه يحق ل152 نائبا الذين تبنوا المشروع أن يقوموا بتنزيله للدراسة والمناقشة، دون انتظار رد السلطات الحكومية، موضحا أنه في حالة عدم إقدام البرلمانيين على هذا الأمر، فإنه يمكن القول إنهم قد تخلوا عن ما كانوا يؤمنون به، وتراجعوا عن هذا المشروع. وبخصوص قول بعض الأطراف إن صمت الحكومة وعدم ردها عن مشروع قانون تجريم الاستعمار له علاقة بالمصالح الاقتصادية التي تربط الجزائربفرنسا، أكد المتحدث أن فرنسا هي التي تحتاج الجزائر في هذا المجال وليس العكس. من جهته، كشف أمس، فيلالي غويني، نائب بالبرلمان عن حركة الإصلاح، أن صمت الحكومة وعدم ردها الايجابي على نواب البرلمان بخصوص مشروع قانون تجريم الاستعمار، "بأنه تضييع لفرصة تاريخية لتوفير الانسجام الوطني المطلوب"، حيث كان يتعين على الحكومة أن توضح قراراتها بخصوص المشروع بالقبل أو الرفض، مشيرا من جانبه، بأن هناك خللا قادما على مستوى قناعاتها وأولوياتها... وأضاف غويني، في تصريح أدلى به لجريدة "الحياة العربية"، بأن تصريحات كوشنير لم تكن من الفراغ، وهذا ما تأسفت له حركة الإصلاح الوطني، موضحا من جانبه بأننا أصحاب هذه المبادرة، وأن الحكومة قد ضيعت هذه الفرصة، لكنها لن تضيعها على الجزائريين، ففرنسا الاستعمارية – حسب غويني- شنت حربا على الجزائر لتحقيق مصالح مادية بالمنطقة، ونحن نرى أن عقلية الاستعمار أو المستعمر -إن صح التعبير- مازالت تحركها الإدارة الفرنسية الحالية. أما بخصوص الآجال القانونية لهذا المشروع، فأكد غويني بأن الكرة انتهت في مرمى المجلس الشعبي الوطني، لأن القانون العضوي ينص أنه في حال عدم رد الحكومة، فسيحال هذا المشروع تلقائيا على المجلس الشعبي الوطني، وسيحال بالتالي على اللجنة المختصة. من جهة أخرى، أكد النائب عن حركة الإصلاح الوطني، بأننا كنواب الإصلاح كنا قد نبهنا زملاءنا بذلك، إذا صح وصف كوشنير في الحكومة، ينبغي أن لا يصح للنواب...كما تأسف غويني من موقف رئيس المجلس الشعبي الوطني، عبد العزيز زياري، عندما صرح لأحد النواب الفرنسيين بأن قانون تجريم الاستعمار لن يمرر على البرلمان للمصادقة عليه، واعتبرها بالكارثة في تاريخ الجزائر، ولابد على النواب في الوقت الحالي أن يكون لهم موقف صارم ودقيق بخصوص هذا الموضوع. وعليه، فنحن ندعو كافة زملائنا عبر مختلف الكتل البرلمانية لإنجاح هذا المشروع، من خلال الضغط على رئيس المجلس لبرمجته في أشغال لقاءاته القادمة، كما نطالب رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، الذي يملك كافة الصلاحيات الدستورية للاستفتاء، وتقديم هذا المشروع أمام الشعب الجزائري ليقول كلمته بخصوصه، مثلما قالها في المصالحة الوطنية. الأفانا: على البرلمان أن يحل نفسه إذا فشل في تجريم الاستعمار... أكد أمس، موسى تواتي، رئيس حزب الجبهة الوطنية الجزائرية، أنه في حالة لم يستطع نواب البرلمان الموقعين على مشروع تجريم الاستعمار الضغط على الحكومة لتبني هذا المشروع، وعدم عمل البرلمان مهمته الأساسية، وهي تمثيل الشعب وإرادته وسلطته وإيصال صوته، فإنه لا جدوى من وجود هذا البرلمان، ومن الأفضل حله... كما كشف موسى تواتي، في اتصال لجريدة "الحياة العربية"، أنه إذا رفضت الحكومة الرد على هذا المشروع، فإنه يحق للبرلمان المصادقة عليه، وهذا هو الأمر الذي تفاءل بخصوصه المتحدث، مضيفا أن الحزب، اليوم، قام بإيداع مساءلة كتابية للحكومة من أجل الرد على صمتها حيال المشروع الموقع من طرف نواب البرلمان، وتقديمها توضيحات حول ما إذا كانت هناك مآرب للحكومة مع فرنسا ومصالح جعلتها تتأخر في الرد عن الملف.. كما أضاف موسى تواتي، أن السؤال الكتابي تمحور حول ماذا من وراء سكوت الحكومة على الملف، مطالبا في الوقت ذاته الحكومة بالإجابة عن المساءلة بلغة قانونية وواضحة. من جهته، طالب ساعد عروس، رئيس كتلة الجبهة الوطنية الجزائرية بالبرلمان، في اتصال خص به جريدة "الحياة العربية"، الحكومة الخروج من صمتها الغامض والرهيب حيال مشروع تجريم الاستعمار، سواء كان ذلك بالإيجاب أو بالسلب، كما أنه على الحكومة تقديم توضيحات لإقناع المجتمع الجزائري ومختلف الهيئات حول هذا الصمت. وكشف ساعد عروس، أن الجبهة الوطنية الجزائرية قدمت اليوم سؤالا للوزير الأول، أحمد أويحيى، تطالبه فيه بالرد وتقديم توضيحات بخصوص صمت الحكومة حيال مشروع تجريم الاستعمار، مشيرا انه في الأيام القليلة المقبلة سيكون هناك جديد بخصوص هذا الملف الذي طالت مدة الإفراج عنه. من جهة أخرى، أكد المتحدث أن الحزب يضع الثقة التامة في الحكومة لتبني هذا المشروع، موضحا أن الصمت المخيم على هذا الملف يمكن إرجاعه لاعتبارات قد تكون سلبيات وانعكاسات لا يعرفها المواطن، والحكومة على دراية بها. كما أضاف المتحدث أن الثقة في رئيس الجمهورية كبيرة، كونه الأعلم بمصلحة الجزائر والأمة، والتي هي فوق كل اعتبار.