يضيق هامش تحرك المؤسسات المالية الجزائرية شهرياً. المصارف دخلت نفق أزمة نقص السيولة، رغم تدخلات البنك المركزي لإنقاذها. شح الموارد دفع غالبية المصارف إلى اللجوء للاحتياطات الإجبارية. هي أزمة غير مسبوقة، لم تعتدها المنظومة المصرفية في البلاد. خلال ستة أشهر تهاوت سيولة المصارف من 8 مليارات دولار إلى 4.8 مليارات دولار نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، وذلك لأول مرة منذ أكثر من 20 سنة. أزمة السيولة الحادة باتت تهدد النظام المصرفي، في وقت تحتاج الجزائر إلى موارد مالية لدعم الاقتصاد المتعثر بسبب تراجع عائدات النفط. من جهة أخرى، تمعن جائحة كورونا في ضرب الآلاف من الشركات، لتضعها على حافة الإفلاس. الوضعية الصعبة التي تواجهها المصارف تنعكس أيضاً بارتفاع عدد القروض المتعثرة، التي استفاد منها رجال الأعمال، خاصة المقربين من نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. يضاف إلى هذه القائمة، تواصل تهاوي قيمة الدينار، الذي فقد بريقه أمام العملات الأجنبية. وكشف عضو جمعية البنوك الجزائرية، بغداد عمار، في تصريح ل"العربي الجديد"، أن "نسبة العجز في السيولة قفزت من 55 في المائة نهاية مايو/أيار 2020، إلى 80 في المائة نهاية 2020، علما أنها كانت عند 20 في المائة مطلع سنة 2019". وبلغة الأرقام، قال عمار: "حسب تقرير المركزي الجزائري، "البنوك خسرت 304 مليارات دينار خلال ستة أشهر وهذه خسارة كبيرة تضع حجم السيولة بمستويات تاريخية متدنية". وعزا عمار ارتفاع العجز في السيولة إلى "سحب الودائع المالية من طرف المدخرين والمتعاملين الاقتصاديين لمواجهة تداعيات كورونا، بالإضافة لارتفاع حجم القروض المتعثرة بشكل مستمر خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث بلغت 10 في المائة عام 2015، لتزيد إلى 13 في المائة في العام التالي، و17 في المائة في 2017، ثم 20 في المائة في العام اللاحق، قبل أن تقفز إلى 25.2 في المائة خلال العام 2019، يضاف إليها لجوء الحكومة في النصف الثاني من سنة 2020 إلى منح قروض للشركات العمومية والخاصة المتعثرة بسبب الجائحة". وتابع: "يضاف إلى ذلك عامل مهم وهو تراجع العملة المحلية من 123 إلى 130 ديناراً للدولار الواحد في ظرف خمسة أشهرٍ فقط". وتقدّر الحكومة الجزائرية حجم القروض المتعثرة لدى البنوك في السنوات العشر الأخيرة، بما يعادل 85 مليار دولار بالعملة المحلية، 40 في المائة منها غرامات تأخير في السداد. كما تواجه البلاد ضغوطاً مالية متزايدة في ظل تراجع عائدات تصدير النفط، وتآكل احتياطي النقد الأجنبي، بينما جاء قرار الرئيس عبد المجيد تبون، بمنع طباعة النقود أو الاستدانة الخارجية، ليزيد من التحديات التي تواجهها البنوك. وشرح الخبير المصرفي، نبيل جمعة، أن "أزمة السيولة التي تمر بها بنوك الجزائر هي نتيجة تراكم عدة مشاكل، منها تراجع عائدات البلاد من النفط التي تعد المصدر الأول والأهم للعملة الأجنبية، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب على الأموال منذ بداية الجائحة وارتفاع نسبة القروض البنكية المتعثرة التي تعدت الخطوط الحمراء". وتابع الخبير في تصريح ل"العربي الجديد": "يضاف إلى ذلك تراجع قيمة الدينار والتضخم، كما عمقت جائحة كورونا أزمة السيولة لدى البنوك، حيث شهدت المؤسسات المالية ارتفاع الأموال المسحوبة، سواء بداعي تمويل المصانع والشركات من طرف مسيّريها أو بسبب الخوف من الاضطراب في الأسواق المالية والتجارية". ورأى نبيل جمعة أن "البنوك أمامها عدة خيارات منها فتح رأسمالها في بورصة الجزائر وهذا ممكن كمصدر تمويل تقليدي، أو رفع نسب الفوائد إلى مستويات تتخطى نسب التضخم لاستمالة الأموال، أو يبقى الخيار الأخير هو لجوء المركزي لطباعة النقود كتمويل غير تقليدي والاقتراض منه بنسب فائدة مصغرة لتجاوز الأزمة المالية، خاصة وأن قانون القرض والنقد يسمح للمركزي بالطباعة إلى غاية نهاية 2022". وتهاوت عائدات الجزائر من تصدير النفط بنحو 10 مليارات دولار في عام 2020 مقارنة بعام 2019، وسط توقعات بأن يساهم استقرار أسعار النفط في حدود 55 دولارا للبرميل في تحسن مداخيل البلاد. وقال وزير الطاقة عبد المجيد عطار، في منتدى إعلامي إن "متوسط سعر النفط الجزائري بلغ 42 دولارا في العام الماضي، في ظل تأثيرات الجائحة على الأسعار".