كشف عثمان خرباش، مدير قسم التمويل والتخطيط في إدارة مؤسسة بريد الجزائر، أن "مكاتب البريد سجلت سحب 144 مليار دينار (1.1 مليار دولار) في الفترة بين 18 و28 جويلية الماضي، من 22 مليون حساب جارٍ من أصل 27 حساب مفتوح لدى البريد، منها 3 ملايين تعود للمتقاعدين، والباقي رواتب عمال وموظفي القطاع العمومي والقطاعات الأمنية بمختلف أنواعها". وقال خرباش ل"العربي الجديد" إن "الأيام الماضية شهدت ارتفاعاً في الطلب على النقود، إلا أن هناك أيضاً تراجعاً في السيولة لدى بريد الجزائر بنحو15% في الربع الثاني من السنة الحالية مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية". وأوضح أن "نقص السيولة يعود بالأساس إلى سحب بعض المواطنين لأموالهم ومدخراتهم من حساباتهم البريدية، تحت ضغط تداعيات جائحة كورونا، وهوما لا يمكن إنكاره". وكانت أزمة السيولة النقدية قد بدأت في البنوك والمؤسسات المصرفية، قبل انتقالها إلى مراكز البريد، حيث هوى حجم السيولة المتداولة في البنوك إلى ما دون 8 مليارات دولار، لأول مرة منذ أكثر من 20 سنة، ما ينذر بأزمة سيولة حادة قد تهدد النظام المصرفي، في وقت تحتاج فيه الجزائر إلى موارد مالية لدعم الاقتصاد المتعثر بسبب تراجع عائدات النفط، وجائحة كورونا التي أضرت بالاقتصاد وباتت تهدد الآلاف من الشركات بالإفلاس. وكشف عضو جمعية البنوك، بغداد عمار، في تصريح ل"العربي الجديد"، أن "نسبة العجز في السيولة قفزت من 49% في مارس إلى 55% في نهاية مايو ، بينما كانت 20% في مطلع 2019". وقال عمار: "بحسب تقرير المركزي الجزائري، فإن سيولة البنوك فقدت 180 مليار دينار (1.4 مليار دولار)، بنهاية مايو الماضي، مقارنة مع ديسمبر 2019، لتستقر عند 916 مليار دينار (7.9 مليارات دولار)، نهاية مايو ، وهو رقم غير مسبوق في السنوات العشرين الماضية". وعزا عمار ارتفاع العجز في السيولة إلى ارتفاع حجم القروض المتعثرة بشكل مستمر خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث بلغت 10% عام 2015، لتزيد إلى 13% في العام التالي، و17% في 2017، ثم 20% في العام اللاحق، قبل أن تقفز إلى 25.2% بنهاية 2019. وتابع: "يضاف إلى ذلك ارتفاع وتيرة سحب الأموال في الأشهر الأخيرة من طرف المتعاملين الاقتصاديين والمواطنين منذ بداية تفشي وباء كورونا، من دون أن ننسى عاملاً مهماً وهوتراجع العملة المحلية أمام الدولار". وكان المصرف المركزي قد استبق الأحداث، وتوقّع اشتداد أزمة سيولة البنوك، ففي ظرف شهرٍ واحدٍ راجع سقف احتياطي المصارف العمومية والخاصة، مرتين، بهدف توفير السيولة المطلوبة للأسواق. ولا يستبعد عمار أن "يقدم البنك المركزي على خفض سقف احتياطي المصارف الإلزامي من 6% حالياً إلى 4%، بعدما كان عند 12% قبل تفشي وباء كورونا، ثم 8% و6% في إبريل المنصرم، وذلك لضخّ سيولة مالية في شرايين البنوك". وتعمل في الجزائر 20 مؤسسة مصرفية، منها سبعة مصارف عمومية (حكومية)، وأكثر من 11 مصرفاً أجنبياً من دول الخليج على وجه الخصوص، وأخرى فرنسية، وواحد بريطاني. وقال الخبير المصرفي، سليمان ناصر ياحي، إن "أزمة السيولة التي تمر بها البنوك ليست وليدة اليوم، وكانت منتظرة لعدة أسباب، منها تراجع عائدات البلاد من النفط التي تعد المصدر الأول والأخير للعملة الأجنبية، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة القروض البنكية المتعثرة التي تعدت الخطوط الحمراء". وأضاف ياحي: "يضاف إلى ذلك تراجع قيمة الدينار والتضخم، كما عمقت جائحة كورونا أزمة السيولة لدى البنوك، حيث شهدت المؤسسات المالية ارتفاع الأموال المسحوبة، سواء بداعي تمويل المصانع والشركات من طرف مسيّريها أوبسبب الخوف، إذ شهدنا اضطراباً في الأسواق المالية والتجارية بشكل غير طبيعي". وتابع أن "البنوك مطالبة بتقديم نسب فائدة فوق نسب التضخم، إذا أرادت ضمان محاولتها لجذب السيولة المالية، وإلا ستفشل كما فشلت السندات التي طرحتها الحكومة عام 2017، في أكبر عملية استدانة داخلية لم يكتب لها النجاح". وأمام اشتداد أزمة نقص السيولة التي باتت جلية ومحسوسة في يوميات الجزائريين، ومقابل ضآلة الأوراق في يد حكومة جراد، بفعل تهاوي عائدات النفط بنحو25% عن السنة الماضية، والتراجع السريع لاحتياطي النقد الأجنبي الذي هوى دون 60 مليار دولار لأول مرة منذ 1999، تبقى العودة للعب ورقة التمويل غير التقليدي عبر طباعة النقود الحل الوحيد للحكومة، بحسب الخبير المالي جمال نور الدين. وقال نور الدين ل"العربي الجديد" إن "هذا الخيار يبقى مجمداً سياسياً وليس قانونياً، وبالتالي يبقى حلاً تقنياً بيد الحكومة لحل مشكلٍ ظرفي، بالرغم من تأثيراته السلبية على الاقتصاد، وهوما لاحظناه منذ 2017 عند إطلاق العملية التي سمحت بطباعة ما يعادل 60 مليار دولار من العملة المحلية، ما أدى إلى ارتفاع التضخم، وما ألزم بنك الجزائر بتخفيض قيمة العملة لامتصاص جزءٍ من التضخم على حساب القدرة الشرائية للمواطن".