يحيلنا عنوان رواية "زنقة الطليان" الصادرة حديثا للكاتب الجزائري بومدين بلكبير، إلى أحد أشهر أحياء مدينة عنابة وأعتقها، لندخل عوالم المهمشين والطبقات الفقيرة، مانحة إياهم مساحة واسعة للبوح والإفضاء عن مكنوناتهم، والتعبير عن أصواتهم المخنوقة. وتمثل الرواية عودة قوية للمنهج الواقعي المُطعَّم بشذرات نفسية، وأدب الحارات الذي أبدع فيه الراحل نجيب محفوظ. وتسبر الرواية أغوار مدينة عنابة منتصرة لتاريخها وجمالها، في توجه ملحوظ يسعى الكاتب من خلاله إلى فضح تناقضاتها، وغطرسة القائمين الجدد على مصيرها. وفي هذه الأجواء تتحول زنقة الطليان إلى مسرح يضج بالحياة، بصخبها وعنفها وضجيجها، ليركن فيها الإنسان المقهور إلى مصيره في استسلام قدري، ويرتفع فيها صوت قوى الفساد والاستغلال ليمارسوا أبشع الطقوس الرامية إلى الإمعان في هدر كرامة المواطنين ومقدرات البلاد. والرواية من زاوية أخرى، تجسد طموح امرأة مذعورة في سعي حثيث للوصول إلى السعادة، أنثى طموحة لطالما أرادت الحصول على المستحيل في ظروف قاهرة. وتركز الرواية أيضا على أبطال صاخبين يبحثون عن الحرية ويحملون لواء التمرد، ليبرز دور الشرطة السرية في قمع أي محاولة لإبداء الرأي. وتحفل الرواية بتناقضات شتى، إذ يدخل الكاتب إلى أعماق الشخصيات، وفقا للمنهج النفسي، باحثا عن مبررات توجهات كل منها وأهوائه وهواجسه. وامتازت الرواية بالوصف المتقن للبيوت والأزقة في سعي حثيث لتأطير الحدث ووضعه في مساره المنطقي ضمن دلالات المكان وانعكاس تأثيره الجلي. وفي حديث خاص ل"إرم نيوز"؛ قال بلكبير إن "عنوان الرواية يعود إلى أعتق الأحياء وسط مدينة عنابة وأشهرها، في المدينة القديمة المعروفة بشارع جوزفين، والصورة على غلاف الكتاب هي مدخل هذا الحي. وعلى غرار مدن مغاربية أخرى كثيرا ما نلحظ وجود أحياء وأزقة باسم الطليان، إذ استوطنتها جاليات أوربية خلال الحقبة الاستعمارية". وأضاف: "الرواية من زاوية أخرى تمثل توثيقا لطبيعة الأحياء العتيقة، إذ عملت على مدى أعوام على رصد أدق التفاصيل، وسبر أغوار قاطنيها، باحثا عن خصوصية كل منها وموروثها وحكاياتها". وتطرقت الرواية إلى واقع المرأة في تلك الحارات القديمة، ورصدت أبرز الظواهر التي تمسها؛ من طلاق وعنوسة وتحرش وقمع.. وغيرها. لنشهد تعرض المرأة لقهر مضاعف "فكلما كان الرجل أكثر غبنا في مكانته الاجتماعية، مارس قهرا أكبر على المرأة" كما يرى المفكر مصطفى حجازي في كتابه "التخلف الاجتماعي". ورواية "زنقة الطليان" من إصدارات منشورات الاختلاف- الجزائر، ودار ضفاف- بيروت، 2021، ط1، وتقع في 223 صفحة من القطع المتوسط. وقال عنها الناقد محمد شطاح إن رواية "زنقة الطليان" تنتمي إلى أدب الحارة أو الحومة أو الزنقة أو الحي، إذ هذا الصنف من الكتابة له لونه الخاص، المصطبغ عادة بأسرار الحارة وتفاصيل يومياتها. روايات الحارة أو الزنقة تحكي في الغالب قصص الوافدين الجدد إلى الحومة، والتحكم في مصيرها، ويطرح عادة في يوميات أهل الحارة أو الحي تحت اسم الوافدين بكل ما تحمله الكلمة من معاني". ..الكاتب في سطور بومدين بلكبير، باحث وروائي جزائري. صدرت له مجموعة مؤلفات؛ منها كتاب "النص الأخير قبل الصمت"، ورواية "خرافة الرجل القوي"، ورواية "زوج بغال"، وكتاب "عصر اقتصاد المعرفة، الثقافة التنظيمية في منظمات الأعمال"، و"قضايا معاصرة في إشكالية تقدم المجتمع العربي"، و"العرب وأسئلة النهوض"، ورواية "ثلاث حيوات لرجل واحد".