* الجريمة كشفت حقيقة فرنسا أمام الرأي العام العالمي اعتبر باحثون في تاريخ الثورة التحريرية المجيدة بوهران المجازر التي اقترفتها الشرطة الفرنسية ضد المهاجرين الذين خرجوا في مظاهرة سلمية في 17 أكتوبر 1961 بباريس، بمثابة "تطهير عرقي" في حق الجزائريين. وفي هذا الصدد، أبرز الأستاذ محمد بن جبور من قسم التاريخ بجامعة وهران 1 "أحمد بن بلة"، لوكالة الأنباء الجزائرية، بمناسبة الذكرى ال60 لهذه المجازر، أن الشرطة الفرنسية اثناء قمعها الوحشي للمظاهرات السلمية التي نظمها المهاجرون ارتكبت مذبحة حقيقية ترقى الى "جريمة دولة وجريمة ضد الانسانية". وأوضح السيد بن جبور أن هذه المظاهرات كانت سلمية نظمتها فديرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا رفضا لحظر التجوال المجحف الذي فرضته السلطات الاستعمارية ابتداءً من تاريخ 6 يونيو1961 للجزائريين دون سواهم، ولم يكن يتوقع منظموها أن تواجه مظاهرات سلمية بهذا العنف الهمجي. ولفت الباحث إلى أنه بعد تعيين موريس بابون محافظا لشرطة باريس، تم تجنيد لقمع تحركات المغتربين أزيد من 7000 شرطيا و1500 دركيا، إضافة إلى أعداد أخرى من مختلف أجهزة الأمن. ..مجزرة راح ضحيتها مئات المغتربين العزل ومن جهتها، أبرزت الأستاذة حصام صورية، من نفس الجامعة، انه وفي ذلك اليوم خرج أكثر من 60 ألف جزائري، ونظرا لسلمية المظاهرات فقد شارك فيها عدد كبير من الأطفال والنساء إلى جانب الرجال، قدموا جميعهم من الضواحي الباريسية ولم يكن يخطر ببالهم ان مذبحة تنتظرهم. فقد كان القمع غاية في الضراوة والوحشية، حسب المؤرخين البريطانيين، جيم هاوس ونيل ماكماستر، اللذان وصفا ما تعرض له الجزائريون يوم 17 أكتوبر في كتابهما "الجزائريون" و"الجمهورية ورعب الدولة"، بأنه "أعنف قمع لمظاهرة في أوروبا الغربية في التاريخ المعاصر". وأشارت الباحثة إلى أن الشرطة الفرنسية وبناء على أوامر محافظ الشرطة موريس بابون قامت بإغلاق منافذ محطات الميترووخاصة في ساحة "الأوبرا" حيث كان من المقرر أن يلتقي المتظاهرون ويواصلون مسيرتهم الاحتجاجية في شوارع باريس. وهاجمت قوات الشرطة المتظاهرين الجزائريين مستخدمة الرصاص الحي وقتلت العشرات منهم عمدا في الشوارع ومحطات متروالأنفاق، وألقت بالعشرات منهم أحياء في نهر السين حتى طفت جثثهم على سطحه. وحسب المؤرخين ومن عايشوا تلك الفظائع فإنّ استخدام القوة من قبل الشرطة الفرنسية أدى إلى سقوط أكثر من 300 قتيل وما يزيد عن 1000 جريح، كما تمّ اعتقال أزيد من 14000 جزائري بالمحتشدات وممارسة عليهم التعذيب الذي افضى ببعضهم إلى الموت، تضيف السيدة حصام. ولفت الباحثان إلى أن هذه المذبحة جرت وسط تعتيم إعلامي حيث أن الجرائد الفرنسية الصادرة في اليوم الموالي تطرقت فقط إلى تنظيم مظاهرات سلمية من قبل المهاجرين الجزائريين ولم تكتب عن قمع الشرطة للمتظاهرين وإطلاقها النار عليهم عشوائيا وسقوط مئات القتلى. وعلى الرغم من هذا التعتيم الإعلامي، كما أضافا، تجمع في 21 أكتوبر أساتذة وطلبة من جامعة السوربون للتنديد بحظر التجوال المفروض على الجزائريين والقمع الممارس ضد المتظاهرين، تلتها يوم 23 أكتوبر مظاهرات تضامنية نظمها طلبة فرنسيون جابت الحي اللاتيني ومونبارناس. وخلص الباحثان إلى أن مظاهرات 17 أكتوبر 1961 تمثل احدى المحطات المهمة في تاريخ الثورة التحريرية وإسهامات الجالية الجزائرية التي قدمت تضحيات كبيرة من أجل استقلال الجزائر. كما طالبا بتحميل دوائر القرار الفرنسي مسؤوليتها السياسية والقانونية عن جريمة الدولة المرتكبة مع سبق الإصرار والترصد، وتقديم الاعتذار الرسمي، وتعويض الضحايا وذويهم. .. جريمة كشفت حقيقة فرنسا أمام الرأي العام العالمي أجمع مجاهدون وأساتذة مختصون في التاريخ أن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في حق المتظاهرين المسالمين يوم 17 أكتوبر 1961 بباريس، كشفت حقيقتها أمام الرأي العام العالمي وأسقطت جميع الشعارات الجوفاء التي كانت تتغنى بها حول حقوق الإنسان. وفي تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، عشية الاحتفال بالذكرى ال60 لليوم الوطني للهجرة، قال المجاهد محمد بن صدوق، الذي كان له شرف إعدام الخائن المدعو علي شكال سنة 1957، أن الجرائم التي ارتكبتها السلطات الفرنسية في حق المتظاهرين الجزائريين السلميين "كشفت الوجه الإجرامي الحقيقي لفرنسا التي لطالما رافعت من أجل العدل والمساواة" و"محاولتها تصدير صورة حضارية للعالم مغايرة لحقيقتها". وأضاف المجاهد بن صدوق البالغ من العمر 90 سنة، أن أصداء هذه الجريمة التي ستبقى "وصمة عار" في تاريخ فرنسا، وصلت إلى زنزانات السجن الذي كان فيه خلال تلك الفترة وهي الحادثة التي زادت من قوة وعزيمة وإصرار المهاجرين على محاربة المستعمر في عقر داره. وبافتخار أكد المجاهد صدوق الذي كان عضوا في فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا، أن الشعب الجزائري إبان الثورة التحريرية لم يكن يهاب الموت وإنما كان يتوق للاستشهاد في سبيل تحرير بلاده وهي نقطة قوته التي أربكت فرنسا وأخضعتها للجلوس على طاولة التفاوض ثم الانسحاب من الجزائر. بدوره، تطرق المجاهد محمود عيسى الباي إلى الدور الهام الذي لعبه المهاجرون الجزائريون في نقل الثورة التحريرية إلى عقر دار العدو الفرنسي بعد تمكنهم من القضاء على مختلف الحركات التي حاولت فرنسا جعلها بديل لجبهة التحرير الوطنية.كما ساهم المهاجرون بشكل كبير في التعريف بالقضية الجزائرية وأحقية الشعب الجزائري في استرجاع إستقلاله أمام الرأي العام الدولي، كما قال المجاهد، مشيرا إلى أن مظاهرات 17 أكتوبر التي شارك فيها الآلاف من الجزائريين بقلب العاصمة الفرنسية باريس كانت رد فعل أولي على المشاريع المستقبلية التي حاولت فرنسا تمريرها، أهمها الحق في تقرير المصير على حسب مقاسها. وأكد المجاهد عيسى الباي أن الشعب الجزائري ليس بحاجة إلى إعتراف فرنسا بالجرائم التي ارتكبتها ليتيقن من الظلم والقهر الذي تعرض له أسلافه، داعيا إلى ضرورة إجراء بحوث ودراسات لكشف ماضيها الإستعماري ومواجهتها بالأدلة والبراهين الموجودة. وقال أستاذ التاريخ المحاضر بجامعة علي لونيسي، بن يوسف تلمساني، أن الشعارات الداعية إلى المساواة والعدل التي كانت ترفعها فرنسا وتدعي الدفاع عنها أمام الرأي العام العالمي لمحاولة تصدير صورة مغايرة لحقيقتها سقطت جميعها بعد أحداث مظاهرات 17 أكتوبر 1961. كما عرت هذه الأحداث الدامية التي أسفرت عن استشهاد المئات من الجزائريين، فرنسا التي قابلت متظاهرين سلميين خرجوا للمطالبة بنيل حرية وطنهم بوابل من الرصاص ورمي بعضهم أحياء بنهر السين وتعمد ضرب آخرين في مناطق من جسدهم تفضي إلى وفاتهم. وأشار الأستاذ تلمساني إلى أن هذه الجرائم البشعة التي ارتكبت في حق المتظاهرين لم تثن من عزيمة باقي المهاجرين بل خرجوا في اليوم الموالي والذي بعده للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين الذي تم توقيفهم بشكل عشوائي من طرف الشرطة الفرنسية يوم 17 أكتوبر 1957. وفي نهاية حديثهم أجمع المتحدثون على ضرورة العمل على كشف الماضي الاستعماري لفرنسا وحث الجيل الصاعد على الإطلاع على التاريخ النضالي لأسلافهم الذين ضحوا بحياتهم وتحملوا جميع أساليب التعذيب والإهانة في سبيل تحرير بلادهم من أيدي المستعمر.