❊ مجاهدون وباحثون: موريس بابون نفّذ أوامر ديغول لقمع المتظاهرين ❊ المؤرخ الفرنسي غراند ميزون: ماكرون يقود حملته الانتخابية على حساب الذاكرة تحيي الجزائر غدا الذكرى 60 لمجازر 17 أكتوبر 1961، الذي اقترفت فيه قوات الأمن الفرنسية مذبحة مروعة في حق الجزائريين، بأمر من مدير أمن العاصمة باريس موريس بابون، حيث هاجمت قوات الشرطة مظاهرة سلمية كانت تضم نحو 60 ألف جزائري مخلِّفةً عشرات القتلى والجرحى. ورغم مرور ستة عقود على جريمة صنفت من أبشع الجزائم المرتكبة ضد الإنسانية، بقي الحديث عن المذبحة خاضعا للتعتيم في فرنسا التي لازالت تصيغ تاريخها الاستعماري وفق الأهواء. ولطالما طرح المسؤولون الفرنسيون، ملف الذاكرة في مزاد السياسة، الذي كان محل مساومات ومناورات سياسوية بأوجه شتى، وكان مهما أن تذكر الدولة الجزائريةباريس، عشية الذكرى 60 لهذه المجازر على لسان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في لقائه الأخير مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية، بأن التاريخ لا يسير بالأهواء ولا بالظروف ولا يمكن تزييفه، وبأن كرامة الجزائر لا تباع، مع التأكيد أن جرائم فرنسا لا يمكن محوها بكلمة طيبة. ففي ليلة 17 أكتوبر 1961، شهدت العاصمة الفرنسية، مذبحة حقيقية في حق أبرياء عزّل بعد قيام قوات الأمن بأمر من رئيس شرطة منطقة السين، موريس بابون المدان سنة 1998 بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بقمع مظاهرة سلمية في العاصمة الفرنسية، دعت إليها جبهة التحرير الوطني، تنديدا بحظر التجوال المفروض استثناء على المنحدرين من شمال إفريقيا أو مسلمي فرنسا من الجزائريين، ليستجيب للنداء عشرات الآلاف من الرجال والنساء وحتى الأطفال. وأسفرت المجزرة الدموية عن رمي عشرات المتظاهرين في نهر السين بعد قتلهم رميا بالرصاص وتعرض البعض الآخر للضرب، كما تم الزج بعدد كبير منهم في السجون، وتلى ذلك صمت منظم من الاستعمار الغاشم بهدف التكتم عن الأحداث، كما أكده المؤرخ الفرنسي جيل مانسيرون في كتابه الصمت الثلاثي إزاء مجزرة. التناقض سِمة السّاسة الفرنسيين بامتياز ويعد التناقض السمة الرئيسية لتعامل المسؤولين الفرنسيين مع ملف الذاكرة الجزائرية، فإيمانويل ماكرون، المترشح للرئاسيات الفرنسية سنة 2017، اعترف في زيارة إلى الجزائر سنة قبيل الموعد الانتخابي، بارتكاب فرنسا الاستعمارية لجرائم ضد الجزائريين صنّفها في خانة الجرائم ضد الإنسانية، غير أنه بعد مكوثه أربع سنوات في قصر الإليزي استقبل شهر سبتمبر الماضي، شبابا من أصول جزائرية شكك خلاله في التاريخ الرسمي للجزائر، الذي قال إنه تمت إعادة كتابته بشكل كامل. وسبقه إلى هذه السقطة السياسية الساكن السابق لقصر الإيليزي فرانسوا هولاند، الذي حضر بباريس سنة 2012 بصفته مترشحا للرئاسيات، حفلا لتدشين لوحة تذكارية تخليدا لأرواح شهداء نهر السين، حيث أكد حينها أنه يجب الاعتراف بأحداث 17 أكتوبر1961، إلا أنه بعد ثلاثة سنوات من انتخابه، عاد ليقول بأن فرنسا لم ترتكب أية جرائم في الجزائر. ذهنيات استعمارية لدى المسؤولين الفرنسيين من جانبه أكد وزير الاتصال، عمار بلحيمر، في آخر حوار صحفي له أن الذهنية الاستعمارية لا تزال متموقعة على المستويات الرسمية في فرنسا، مشددا على أن السيادة الوطنية الجزائرية هي مسألة وجودية لا تقبل المساومة، ولا تسمح بالمزايدة بأية مسميات كانت سواء لدواع انتخابية أو استحقاقات سياسية أو استعطافا لوعاء انتخابي يكن الضغينة للجزائر. أما وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، فأكد هو الآخر في تصريح سابق له من مالي، أن رفض فرنسا الاعتراف بجرائمها مرده إفلاس ذاكرة ينتقل بين الأجيال، معتبرا أن فرنسا الرسمية بحاجة إلى تصفية الاستعمار من تاريخها، وكذا التحرر من بعض المواقف والسلوكيات، ومن رؤى تتعلق بالمهمة الحضارية المزعومة للغرب، والتي كانت في الحقيقة غطاء ايديولوجيا استخدم لمحاولة تمرير الجريمة ضد الإنسانية التي شكلها استعمار الجزائر. "موريس بابون" قام بتنفيذ أوامر "ديغول" لقمع المتظاهرين وأجمع مؤرخون وباحثون جزائريون، أن إصرار الدولة الفرنسية على تهربها من الاعتراف بارتكابها لمجازر ضد الجزائريين وتقديم إعتذار رسمي، ما هو سوى دليل دامغ أن الطبع الفرنسي في الإنكار والتنصل من تحمل المسؤولية، لم يتغير بل ذهب أبعد من ذلك حينما حاول رئيس فرنسا الحالي التشكيك في أصول وهوية الأمة الجزائرية. يرى الأستاذ محمد شرقي، من قسم التاريخ بجامعة قالمة، بأن مجازر ماي 1945 وأحداث 17 أكتوبر 1961 بباريس، كانت مناسبة لكشف الوجه الحقيقي للمستعمر الفرنسي الغاشم، الذي قابل متظاهرين عزل بشتى أنواع القمع والوحشية، لافتا الى أن الذاكرة التاريخية عبر الأجيال ستبقى تحتفظ بما قدمه الجزائريون داخل وخارج الوطن من تضحيات من أجل الاستقلال. أما الأستاذ عبد الغني بوصنوبرة، الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية وعضو بجمعية التاريخ والمعالم الأثرية بولاية قالمة، وأستاذ التاريخ بثانوية هواري بومدين بذات الولاية، فيرى بأن هناك عدة أوجه تشابه ما بين أحداث يوم الثلاثاء 8 ماي 1945 بسطيف وقالمة وخراطة ويوم الثلاثاء 17 أكتوبر 1961 بباريس. وأوضح الأكاديمي، بأن القراءة الدقيقة للوثائق التاريخية والتصريحات حول 17 أكتوبر 1961، تظهر بما لا يدع مجالا للشك بأن المجازر والأعمال الإجرامية التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية الفرنسية ضد المتظاهرين السلميين العزل الجزائريين، لم تكن مجرد قرارات فردية، وإنما هي أوامر من أعلى الهرم في الدولة الفرنسية آنذاك، مبرزا بأن موريس بابون كان معروفا بتنفيذه للأوامر الفوقية إلى جانب حقده على الجزائريين. من جهته، اعتبر أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر 2، الدكتور علال بيتور، أن مجازر 17 أكتوبر 1961 في باريس تذكر بالوجه القبيح للاحتلال الذي يختفى في أحيان كثيرة وراء الدبلوماسية. وقال إنه كلما اقتربت الانتخابات الرئاسية في فرنسا صعد ملف الجزائر إلى السطح من أجل كسب أصوات الناخبين المتشددين الذين تجندوا في صفوف الجيش الفرنسي في فترة الثورة. من جانبه اعتبر الباحث في التاريخ حسان رمعون، أن مجازر 17 أكتوبر1961، التي ارتكبتها الشرطة الفرنسية في حق المتظاهرين الجزائريين، تعد أكبر قمع دموي منذ أحداث كمونة باريس، منددا بنكران فرنسا لهذه الذاكرة. مجزرة "17 أكتوبر" أسقطت شعارات فرنسا الجوفاء كما أجمع العديد من المجاهدين، أن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في حق الجزائريين يوم 17 أكتوبر 1961، كشفت حقيقتها أمام الرأي العام العالمي وأسقطت جميع الشعارات الجوفاء التي كانت تتغنى بها حول حقوق الإنسان. وقال المجاهد محمد بن صدوق، إن أصداء هذه الجريمة ستبقى وصمة عار في تاريخ فرنسا، بدوره تطرق المجاهد محمود عيسى الباي، إلى الدور الهام الذي لعبه المهاجرون الجزائريون في نقل الثورة التحريرية إلى عقر دار العدو الفرنسي، بعد تمكنهم من القضاء على مختلف الحركات التي حاولت فرنسا جعلها بديلا لجبهة التحرير الوطني. المؤرخ والخبير السياسي الفرنسي "أوليفيي لوكور غراند ميزون": "ماكرون يقود حملته الانتخابية على حساب الذاكرة" ووصف المؤرخ والخبير السياسي الفرنسي، أوليفيي لوكور غراند ميزون، مجازر 17 أكتوبر بجريمة دولة ضد الانسانية اقترفت وفق خطة منسقة ضد مدنيين عذبوا وأعدموا دون محاكمة. وأكد غراند ميزون، في حوار لوكالة الأنباء الجزائرية، أن ما تم ارتكابه يعد جريمة دولة، مبرزا أن المسألة تتعلق بالاعتراف بجرائم الدولة التي ارتكبت انذاك أكثر مما هي تتعلق بمعرفتها. وقال غراند ميزون، الذي أدلى بشهادته بصفته دكتورا في العلوم السياسية وأستاذا جامعيا ألف عدة كتب حول الاستعمار الفرنسي، إن الراحلة نيكول دريفوس، محامية مناضلي جبهة التحرير الوطني، اعتبرت أن الأمر يتعلق، طبقا للمادة 212-1 من قانون العقوبات، بجريمة دولة ضد الانسانية نفذت بموجب خطة منسقة ضد مدنيين تعرضوا للتعذيب والإعدام بلا محاكمة والإغراق والاختفاء القسري. ولدى تطرقه إلى الأسباب التي تحول دون مصالحة الذاكرة بين الجزائروفرنسا، اعتبر المؤرخ الفرنسي، أن أحد العراقيل الكبرى يكمن في رفض رؤساء الدولة الفرنسية، سواء من اليمين أو من اليسار الاعتراف بالجرائم التي اقترفت إبان الحقبة الاستعمارية في الجزائر، منذ هجوم وحدات الجنرال بيجو على هذه المستعمرة. واعتبر المؤرخ، أنه حان الوقت للدولة الفرنسية أن تعترف أخيرا بمسؤولياتها مثل عديد الدول، مشيرا إلى أن ايمانويل ماكرون، يقود حملته الانتخابية للظفر بعهدة رئاسية ثانية في سياق تطرف اليمين الذي انساق وراء الخطابات العنصرية العنيفة والمعادية للأجانب وللإسلام لإيريك زمور والجبهة الوطنية.