يعد العلاّمة الدكتور عبد الملك مرتاض أحد أبرز الكتاب الذين عرفتهم الجزائر في مرحلة ما بعد الاستقلال، فهو من النوابغ الأفذاذ في تاريخ الجزائر في القرن العشرين. بقلم: محمد سيف الإسلام بوفلاقة/ كلية الآداب، جامعة عنابة حيث إنه يُشكل بمفرده موسوعة علمية أسهمت بنصيب وافر في شتى ميادين المعرفة، والعلم، والأدب، فهو شخصية مضيئة، تعددت إسهاماته، وتنوعت اهتماماته، فهو الأديب الروائي، والقاص، والمفكر، والناقد، والمؤرخ، واللغوي، والمحقق، لم يترك مجالاً معرفياً دون أن يترك فيه بصماته الراسخة، التي تكشف النقاب عن رؤاه العميقة، وتحليلاته الدقيقة، وفكره الثاقب. الحق أن مؤلفاته التي تزيد عن ثمانين مؤلفاً علمياً متميزاً، هي أغنى ثروة يعتز بها أبناء المغرب العربي، كما يعتز بها المشارقة الذين عرفوا العلاّمة الجليل عبد الملك مرتاض محاضراً، ومنظراً، ومحللاً، ولغوياً، وعضواً في عدد من المجامع اللغوية، والمؤسسات العلمية البارزة في المشرق، والمغرب. إن العلاّمة الدكتور عبد الملك مرتاض هو رجل أثرى الحركة الأدبية، والثقافية، والفكرية بأعماله الجليلة، وإنتاجه الغزير، والمتنوع، وأعماله تكشف النقاب عن شخصية علمٍ من أعلام الثقافة الجزائرية، والعربية، وواحدٍ من أهم رواد النقد العربي قديماً وحديثاً، ومما لا يشوبه شك في أن النجاح الذي حققه الدكتور عبد الملك مرتاض في ميدان البحث العلمي، والتأليف، لم يأت هكذا اعتباطاً، فالرجل قضى كل حياته متنسكاً في محراب العلم، والمعرفة، ولعب دوراً حاسماً في تألق الأدب، والفكر الجزائري، وازدهار المعرفة الأدبية، و يتميز الدكتور مرتاض بالموسوعية في الإنتاج، والنأي عن التخصص الدقيق في مجال دون آخر، من مجالات العلم، والثقافة، ولذلك فهو يشكل امتداداً لجيل من الرواد الكبار من بُناة النهضة الفكرية، والأدبية، والثقافية في الوطن العربي، ملأ الدنيا، وشغل الناس بعلمه الجم، وخلقه الكريم، وفضله على طلابه في مشارق الأرض، ومغاربها. وكما يرى الأديب كمال الرياحي فعبد الملك مرتاض من الأسماء القليلة التي يمكن أن نسمّيها ب«الكائنات الأوركستراليّة» والتي تعزف على أوتار مختلفة، فهو الناقد، والروائي، والباحث في الإسلاميات، وفي التراث. وأود أن أستحضر كلمات تبرز الجانب الأخلاقي في شخصية الباحث عبد الملك مرتاض، حيث صرح بمناسبة تكريمه في جامعة أدرار بقوله: « إن الوطن غالٍ يستحق منا كل إبداع، واللغة العربية عندي هي لغة الجنة، والقرآن، لذا لابد من إعطائها حقها، ومكانتها التي تستحقها»، وفي تواضع جم أكد أنه ما يزال تلميذاً يتعلم اللغة العربية. ويقول الدكتور عبد الملك مرتاض في موضع آخر، معبراً عن أحلامه، وأمنياته، بعد أن سألته الأستاذة انشراح سعدي في حوار معه نشر بمجلة اليمامة عن أمنية يود أن تتحقق، وهل بقي من أحلامه شيءٌ لَمّا يتحقّق، فعلاً: نقداً، وإبداعاً؟، يقول مجيباً عن هذا السؤال: " الحُلم واسعٌ شاسع، والطُّموحُ كبير غيرُ محدودٍ؛ ولكن ما أُنجزَ منهما ضئيل صغير، وما تحقَّقَ منهما نَزرٌ قليل. كان عليَّ أن أعلُوَ القمّةَ فظَلتُ قابعاً في الحضيض. وكان عليّ أن أُلِمَّ بأهمّ الثقافات الإنسانيّة الكبيرة في لغاتها الأصليّة، فلم أستطع أن أحقّق شيئاً من ذلك، إلاّ في العربيّة، والفرنسيّة، وبدرجة أدنى في بعض اللغات الأخرى الأوربيّة والشرقيّة… وكان عليّ أن أحفَظ العلوم ولا أنساها فأهُذَّها هَذّاً، غير أنّي كثيراً ما أَذهَل عمّا أتعلّم، وأنسَى ما أحفَظُ، فأُضطرّ إلى مراجعته كلّ حين عوضَ المُضيّ في طلب علم جديد… وكنت أحلم بأن يُصبح الأدب العربيّ المعاصر كالأدبَين العالميّين الكبيرين: الفرنسيّ، والإنجليزيّ، بيد أنّ هذا الحلم لم يتحقّق، وظلّ هذا الأدب قابعاً في مكانه لا يَريم! وكنت أحلم بأن تغتديَ الجامعاتُ العربيّة في الوطن العربيّ مراكزَ إشعاعٍ معرفيّ وثقافيّ، وحضاريّ، فتزدهر المعرفة فيها في أعلى مستوياتها، وأرقى درجاتها، فتخرّج مثل هذه الجامعات فلاسفةً مفكّرين، ونقاداً عالميّين، ومهندسين مخترعين، وباحثين مُؤتَلِقين، غير أنّ ذلك لم يحدُث، بكلّ حزن، إلى اليوم، أو لم يحدث إلاّ لماماً… ثمّ… كنت أحلم، ولا أَزالُهُ، بأن يُصبح العربُ أمّةً كبيرة، كما كانوا، يمتلكون قوّة العلم، وقوّة الاقتصاد، وقوّة السلاح، ومن ثَمّ قوّة السياسة، بحيث يهابهم العدوّ، ويحترمهم الصديق… ولو كانوا كذلك لكانت القدس ظلّت عربيّة، وهي اليوم، بكلّ حزن، تحت الاحتلال الصهيونيّ مثلها مثل كلّ التراب الفلسطينيّ، والتراب العراقيّ، ونخشى أن يحدث للعرب ما هو أسوأ وأنكَأُ!… ولو جاز للمتشائم أن يقيس حاضر العرب على ماضيهم القريب، ثم يقيس مستقبلهم على حاضرهم الراهن، لَمَا كان قياسُه فاسداً! كنت أحلم بأن تصبح العربيّة اللّغة الأولى في العالم، كما كانت طَوال ثمانيةِ قرونٍ من عمرها على الأقلّ، فهل تتحقّق هذه الأمنيّة، ولو في المستقبل البعيد؟ أسأل اللّه أن يحدُثَ ذلك…؟! ". إن الناقد عبد الملك مرتاض، هو واحد من الأساتذة الباحثين الجادّين الغُير على الأدب الجزائري، والثقافة العربية، وقد عرف على مدى أكثر من نصف قرن بصفته مؤلفاً مقتدراً، وباحثاً غزير الإنتاج، ومحاضراً جامعياً، وكل من خامر هذا العلاّمة الجليل يلمس فيه التطلّع المثالي إلى المعرفة، والعمل الدؤوب لنيلها، ورغبته الشديدة في إفادة القارئ بثمار ما جنى من مطالعاته، وقراءاته المكثفة، فقد كنت أتابع أعماله الغزيرة، عن النقد المعاصر، والأدب الجزائري، والتراث العربي، على مدى عدة سنوات خلت، وهي تدل على عمق الرؤى الفكرية، والقدرة الفائقة على التنقيب، والتحليل، وقد سعدت أيما سعادة في عدة مناسبات بإنجاز دراسات عن هذا الباحث المتميز، فتعرفت من خلال مؤلفاته على باحث جاد، وصارم في تعامله مع النصوص الأدبية، فهذا العلاّمة هو ممن بصموا الحركة الأدبية، والفكرية في الجزائر، وسائر أقطار الوطن العربي بأعمالهم الجادة، التي تؤثر بلغتها الأنيقة أيما تأثير في المتلقي، و لا نتعجب من هذا الأمر فمرتاض عرف بأنه كاتب مبدع، متحكم في ناصية اللغة العربية، ومتجول في دروب الإبداع الأدبي، وهو يعمل حباً في العمل، وفي التقصي، والتتبع، إنه نبع فياض في غزارة إنتاجه، وتنوع تآليفه، وسيظل شخصية مضيئة في تاريخ المغرب العربي الأدبي، والعلمي، لها جولات موفقة في الدراسة، والتحليل، وصفحات لامعة في البحث، والتنقيب، والتحقيق. وما تجدر الإشارة إليه أن الدكتور عبد الملك مرتاض، قد ولد سنة: 1935م بتلمسان، حفِظ القرآن العظيم وتعلّم مبادئ الفقه والنّحو في كُتّاب والده، التحق في عام 1954 بمعهد ابن باديس بقسنطينة؛ ولاندلاع الثورة الجزائريّة أُغْلِق المعهد، التحق بجامعة القرويّين بفاس (المغرب) في شهر أكتوبر من عام 1955، سنة:1960 التحق بكلية الآداب جامعة الرباط (المغرب). وسجّل في كلية الحقوق والعلوم السياسية، ومعهد العلوم الاجتماعية، بجامعة الرباط، 1961 التحق بالمدرسة العليا للأساتذة بالرّباط .نال عام 1960 شهادة البكالوريا (القسم الثاني من الشهادة الثانوية)، تطوان، تخرّج في يونيو سنة 1963 في كلية الآداب بجامعة الرباط، وكان الأوّل في شهادة الأدب (ليسانس في الآداب)، تخرج في يونيو سنة 1963 أيضا في المدرسة العليا للأساتذة بالرباط، ونال المنزلة الأولى بين المتخرّجين، نال درجة دكتوراه الطّور الثالث في الآداب من جامعة الجزائر عام 1970؛ (وهي أول درجة علمية تمنحها الجامعة الجزائرية على عهد الاستقلال. نال سنة 1983 درجة دكتوراه الدّولة في الآداب بمرتبة الشّرف من جامعة السّوربون الثالثة بباريس، نال عدّة شهادات تقديريّة وفخريّة، كما كرّمته العديد من الهيئات العلميّة والثقافيّة. عيّن سنة 1971 رئيسا لدائرة اللغة العربية وآدابها، لدى استحداثها، لأوّل مرة، بجامعة وهران، عيّن سنة 1974 مديراً لمعهد اللّغة العربيّة وآدابها، لدى استحداثه، لأوّل مرة، بجامعة وهران، انتخب سنة 1975 رئيسا لفرع اتحاد الكتّاب الجزائريين لولايات الغرب الجزائريّ لدى استحداث هذه الهيئة لأول مرّة، عُيّن نائبا لمدير جامعة وهران (1980-1983)، انتُخب سنة 1981 عضواً في الهيئة المديرة لاتحاد الكتّاب الجزائريين، عُيِّنَ مديرا للثقافة والإعلام لولاية وهران، لدى استحداث هذه المديريّة لأوّل مرّة، [1983 – 1986]؛ اُنتخب أمينا وطنيا (قُطْريّا) مكلّفاً بشؤون الكتّاب الجزائريين (1984-1989)، 1984 رأس مؤتمر الكتّاب والصّحفيّين والمترجمين الجزائريّين، عُيّن رئيساً للمجلس العلميّ بمعهد اللغة العربية وآدابها، في جامعة وهران (1986-1998). من أهم أعماله، ودراساته النقدية: القصة في الأدب العربي القديم، نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر، فن المقامات في الأدب العربي، العامّية الجزائرية وصلتها بالفصحى، النّص الأدبيّ من أين وإلى أين؟، الثقافة العربية في الجزائر بين التأثير والتأثّر، معجم موسوعيّ لمصطلحات الثورة الجزائريّة، فنون النثر الأدبيّ في الجزائر، بنية الخطاب الشعريّ، القصّة الجزائرية المعاصرة. ومن إسهاماته الإبداعية نذكر: روايات نار ونور، دماء ودموع، الخنازير، صوت الكهف، حيزيّة، مرايا متشظّية، ومجموعة قصصية معنونة ب هشيم الزمن.