كان لشهر رمضان في الأدب قيمة لا يمكن إغفالها من خلال ما وصل إلينا من كلمات وقصائد ومواقف لا يزال التاريخ يذكرها، إضافة إلى أن الأدباء يتجددون من خلال إبداعاتهم الرمضانية في شفافية وروحانية وإيمان بقيمة هذا الشهر، ليس فقط كشهر مختلف عن بقية شهور السنة في شكله ومضمونه، ولكن من خلال تنوعه والجرعات الإيمانية التي فيه. وقديما كان لشهر رمضان الفضيل معناه في وجدان وضمير الشعر والقصة والمسرح وكل الآداب والفنون الإنسانية الأخرى، لذا فقد ألهم هذا الشهر قرائح الشعراء ليكتبوا أجمل القصائد، كما كانت أجواؤه إلهاما حقيقيا لبعض الروايات والقصص والمسرحيات وغيرها. أما اليوم فيقول الروائي عز الدين جلاوجي أنه لم يعد بإمكان المبدع الحقيقي أن يعبر عن خلجات نفسه بعد أن أصبح هناك دعم كبير للفن الزائف المخدر للشعوب وهناك عرقلة كبيرة أمام الإبداع الحقيقي وصرح ل"الحياة العربية" أن الواقع الذي نعيشه اليوم أصبح يقتل الإبداع خصوصا بعد تدني الوعي الاجتماعي، ومنها عدم دعم السلطة ويبقى شهر رمضان بالنسبة لجلاوجي شهر الصيام والقراءة فقط. وقال عز الدين أن ما تبثه القنوات المحلية أو الفضائية لا يستهويه بتاتا ولا يحبذه ويفضل هجره. وتكمن أهمية هذا الشهر الفضيل في كونه أيامًا تحمل في أوقاتها عددًا من القيم المرتبطة بالشفافية والإيمان والاقتراب أكثر من روح الحياة، وعليه فقد جعل الأدباء قديما منه مثالا للحب والإحساس بالإنسان الفقير الذي لا يجد ما يسد به رمقه. ونتذكر ما قدمه نجيب محفوظ في ثلاثيته، وكذلك رواية «في بيتنا رجل» لإحسان عبد القدوس، و«من الموج» لمحمد جبريل، وغيرهم من الروائيين، وكذلك سنجد أن شهر رمضان كان حاضرا في قصائد الشعراء الكبار مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والبحتري وغيرهم، وذلك احتفاء بقدوم شهر رمضان الكريم، فيقول الشاعر الجزائري محمد الأخضر في مدحه لهلال شهر رمضان: إملأ الدنيا شعاعًا أيها النور الحبيب قد طغى الناس وهو كالليل رهيب فترامت في الدياجي ومضت لا تستجيب ذكر الناس عهودا هي من خير العهود وقال أحمد شوقي في مدحه لشهر رمضان وما يتبعه من صوم وعبادة: يا مديم الصوم في الشهر الكريم صم عن الغيبة يوما والنميمة ونقل لنا تاريخ الأدب قول عميد الأدب العربي طه حسين مصورا لحظة الإفطار إذ يقول: فإذا دنا الغروب، وخفقت القلوب، وأصغت الآذان لاستماع الأذان وطاشت نكهة الطعام بالعقول والأحلام، فترى أشداقًا تنقلب وأحداقا تتقلب بين أطباق مصفوقة وأكواب مرصوفة تملك على الرجل قلبه وتسحر لبه بما ملئت من فاكهة وأترعت من شراب». بينما جاءت قصيدة الشاعر محمود حسن إسماعيل مبتهجة بقدوم شهر رمضان ويقول فيها: أضيف أنت حل على الأنام وأقسم أن يحيا بالصيام؟ قطعت الدهر جوابا وفيا يعود مزاره في كل عام تخيّم لا يحد حماك ركن فكل الأرض مهد للخيام نسخت شعائر الضيفان لما قنعت من الضيافة بالمقام ولقد عبر كتاب «رمضان في الشعر العربي والفارسي والتركي» للدكتور حسين مجيب المصري عن كثير من أوجه الجمال فيما يتعلق بالكتابات الأدبية التي تهتم بهذا الشهر الفضيل في الحضارات العربية والفارسية والتركية، متحدثا عن «الرمضانيات»، وهو فن شعري إسلامي تميزت به الحضارة الإسلامية بكل أطيافها، وأشار الكتاب إلى رمضان في الشعر العربي من خلال وصف فانوس السحور قديما والأكلات الرمضانية المعروفة وغير ذلك، إلى جانب الحديث عن العبادات في هذا الشهر، وأن الأدب الفارسي صور شهر رمضان من خلال العبادة والتسبيح والصلاة وغيرها، إلى جانب ما تميز به الأدب التركي في رصد بعض المظاهر المصاحبة لشهر رمضان مثل قراءة القرآن من المصاحف وغيرها. أما اليوم فأصبح شهر رمضان شهر الخمول والراحة بالنسبة للأدباء الجزائريين الذين كثر لومهم على المجتمع والدولة لأنهما لم يقدما الدعم لهم، فاليوم الإبداع مرتبط بالآخر وليس بالإلهام.