أريدها عاملة طبيبة أو في سلك التعليم، هذا مطلب العديد من الرجال خصوصا المقبلين على الزواج، إذ يفضّل الكثيرون أن تكون زوجة المستقبل عاملة وذات راتب جيّد، البعض يقولون أنّ الظروف الاقتصادية وغلاء المعيشة هي من أملت هذه الضرورة، والبعض يقول أنّها حرية مُنحت للمرأة ولا يمكننا حرمانها منها، وآخرون يرون الأمر عاديا ويجب على المرأة أن تشترك مع زوجها في كلّ شيء لمجابهة الحياة. أسماء زبار أصبحت نظرة البعض إلى الزواج نظرة مختلفة بل متخلفة ومادية جدّا فلم يعد الرجل يرى المرأة تلك الزوجة التي سيبني معها بيتا مبني على الثقة والصراحة وتعاليم الدين الإسلامي، بغية إنجاب الأطفال وتربيتهم تربية صالحة.. بل أصبحت بالنسبة له ذلك المموّل الرسمي لمشروعه، إذ لم يعد اختيار الزوجة متوقفا على مستوى جمالها أو نسبها أو دينها وتعلّمها بل على مستوى راتبها الذي تتقاضاه نهاية كلّ شهر، ولأن المعطيات والقيم خرجت عن النطاق القديم وتغيرت ظروف كثيرة فنحن حقا أمام أوضاع اقتصادية صعبة وظروف معيشية ضاغطة تُجبر الزوجة على العمل تحصل على دخل مقابله، لكن يترتّب على عملها مواقف كثيرة، فإذا ما كانت العلاقات طبيعية والنفوس راضية بين الطرفين فلا مجال هنا للسّؤال عن من حق مَن يكون راتب الزوجة ؟ لكن نجد أزواجا ينتظرون تاريخ صرف راتب زوجاتهم، لفكّه عنوة ودون منحها ولو القليل منه، وهنا تحدث المشكلة وتبدي الزوجة موقفها بشعار واضح "نعم للمشاركة لا للاستغلال". "زوجي يعطيني من راتبي 200 دج يوميا" قالت (ذهبية.ب) أستاذة في الثانوية، "عملت طوال 18 سنة ولا مرة قبضت راتبي بيدي وتصرفت فيه كما أشاء، أتعب وأشقى ليأخذ زوجي حقي كلّ شهر يصرفه كما يحلو له، رغم أنّ راتبه أعلى من راتبي، في البداية تفاهمنا على التعاون في المصاريف وتقاسم كلّ شيء، لكنّه طوال سنوات زواجي هو من يأخذ تعبي وشقائي، فكنت أتشاجر معه لكنه يقول أنّه حقه، وهو من يعطيني مصروفي يوميا 200 دج من راتبي حق المواصلات والغذاء، أنا مضطرة للعمل لأنّ المكوث في البيت مملّ ورهيب خاصة بعد تقاعد زوجي وانشغال أولادي بالعمل والدّراسة. .." زوجي بطّال ويستغل راتبي لشراء الشمّة والدخان" ليلى مقتصدة، تبلغ من العمر 39 سنة مطلقة وأم لطفل قالت "تزوجت من رجل انتهازي لا يعمل، كان يعتمد على راتبي في المصاريف، كنت أشتري كلّ شيء، لم يحدث يوما تجرأ فيه وأدخل كيس حليب إلى البيت، بل كان يأخذ مني النقود لشراء "الشمّة والدخان"، تحملت هذا مدّة ثلاثة سنوات من أجل ابني كلّ يوم الشجار لكنه لم يتغير و"لقاها خابزة، راقد ويأكل"، لكن كما يقول المثل بلغ السيل الزبى تطلقنا وأنا اليوم أعيش عند أهلي معزّزة لا يستغل راتبي أحد أصرفه كما أشاء على نفسي وعلى ابني الوحيد. من جهتها، قالت غنية تعمل حلاقة، "طيلة سنوات زواجي وأنا من يصرف على البيت، زوجي يجبرني على إعطائه المال لأنّه لا يعمل ويقول لي أنت تملكين محلا والزبونات داخلات خارجات، لماذا لا تصرفين على زوجك حتى يجد عملا، كان يأخذ أموالي ليصرفهم على صديقاته، وبعد أربعة سنوات زواج تطلقنا، ولم أطالبه بالنفقة على ابنتاي المهم أنني تحرّرت منه وأنا قادرة على تحمل مسؤولية بناتي وتربيتهم". .. ضرتين خرجتا للعمل من أجل إعطاء الراتب للزّوج هي قصة مليكة وضرّتها عاملتي نظافة بشركة خاصة قالت "نحن نعمل منذ 6 سنوات، خرجنا بسبب المستوى المعيشي الصعب وكثرة المصاريف، راتبي 14000 دج وضرتي أيضا، لكن كلا الراتبين يأخذهما زوجنا وهو من يعطينا المصروف من راتبينا، وعندما نتناقش في الأمر يقول "كلّ شيء غالي وملحقتش"، لكن ماذا نفعل هذا هو المكتوب "نتحملو الخدمة والراتب يأخذه ولا نتحمل الدار وهمّها". .. نقاشات تنتهي بالشّجار وضرب الزوجة (نادية.ح) موظفة بدائرة، قالت "أنا التي أصرف في البيت مع أنّ زوجي يعمل أيضا لكنّه لا يشارك في المصاريف ماعدا دفعه لفاتورة الكهرباء حوالي 2000 دج، ويستغل راتبي وعندما نتناقش عن الأمر نبدأ في الشجار ويصل الأمر به إلى ضربي أحيانا أمام الأولاد، لكنّي مع الوقت سئمت من الموضوع وأصبحت لا أتكلم عنه بتاتا من أجل أبنائي لكي لا أضيّعهم، رغم أنّني متيقنة أنّه يخونني وإلا أين يذهب راتبه". من جهتها قالت سعيدة تعمل بشركة خاصة "راتبي 4 ملايين سنتيم لا أوفر منه ولا فلس كلّه يذهب في المصاريف المنزلية، وزوجي توقف عن العمل منذ مدّة وأنا من أصرف عليه وعلى أولادي، نقاشاتنا كلّها تنتهي بالشجار الحاد والخصام لكن الحال لم يتغير منذ تسعة أشهر". .. راتبي من حقه ولا يحق لي أن أصرفه على غيره وغير أولادي أما حالة (سميرة.م) موظفة قالت "في فترة خطوبتي اتفقت مع زوجي بالتعاون في المصارف، لكن بعد الزواج قام بإعطاء نصف راتبه لأهله كلّ شهر ويعتمد على راتبي في المصروف، في البداية قلت ربما يحتاجون لكن حالتهم الاجتماعية لا بأس بها، وعندما فاتحته في الموضوع قال أنه واجب عليه أن يصرف عليهم رغم عدم حاجتهم، فقلت له أنا أيضا سأعطي نصف راتبي لأهلي غضب ورفض الأمر وقال أنّ راتبي من حقه ولا يحق لي أن أصرفه على غيره وغير أولادي". ..رجال يفضلّون المرأة العاملة لإعانتهم على متطلبات العيش أردنا جس نبض بعض الرجال لمعرفة رأيهم في الموضوع، التقينا عماد 27 سنة قال في الموضوع "على حسب الإمكانات المادية، أنا أفضلها ماكثة في البيت لتهتم بأشغال البيت و تربية الأولاد، لكن إذا لم تسمح إمكاناتي المادية بذلك "فسأوكّل أمري لله ونديها تخدم". أمين 29 سنة موظف، قال" آواه الخدامة خير" لإعانتي على متطلبات الحياة التي أصبحت غالية جدا وراتب واحد لا يكفي مع تزايد المصاريف بعد الزواج". ومن جهته، قال عبد الوهاب عون أمن بخصوص الموضوع، "زوجتي تعمل ونحن نتقاسم المصاريف ونتعاون على متطلبات العيش، حيث اتفقنا على هذا الأمر منذ البداية، وأنا اخترت الزوجة العاملة لأنّ راتبي وحده لا يكفي". أمّا أحمد قال" إذا كان التفاهم على التعاون بين الزوجين يكون الأمر عادي جدّا بدون مشاكل، لكن المشكل يبدأ عندما يتوقّف الزوج عن العمل فسيستغل راتب زوجته لا محالة، وأنا شخصيا لما أختار أفضّل العاملة لمساعدتي على متطلبات العيش". .. راتب الزوجة ملكها ومن حقها صرفه على نفسها في الموضوع قالت أسماء عزباء وموظفة " أنا أرى أنّ الرجل الذي يفضل المرأة العاملة هدفه استغلال مالها فقط وليس بغرض التعاون على متطلبات المعيشة، وراتب الزوجة ملكها ومن حقها أن تصرفه على نفسها، وهي غير مطالبة بالمساهمة في مصروف البيت، فالمسؤول هو الزوج وأنا أفضل أن أمكث في البيت بعد الزواج للتفرغ في تربية الأولاد أحسن تربية، والمرأة عملها في بيتها لا غير". أمّا زهرة قالت " الرّجل الذي يستغل راتب زوجته ناقص رجولة، فالمرأة قادرة على إعانة زوجها وهي ماكثة بالبيت كالاقتصاد في نفقاتها، وعدم طلب الأمور الباهظة الثمن". .. النفقة المالية على الأسرة من واجب الزوج حتى ولو كانت الزوجة ميليارديرة قال المحامي والأستاذ ضيف فواز ل"الحياة العربية" بخصوص الخلافات المترتبة بين الزوجين بسبب راتب الزوجة، أنّها تنتج أصلا بسبب عدم التكافؤ بين الزوجين وليس بسبب الراتب في حدّ ذاته، حيث يكون أصل العلاقة مبني على المصلحة المادية قبل النظر في مدى توافق الزوجين في المستوى العلمي والمادي والتربوي، لذلك إذا كانت العلاقة الزوجية مبنية أساسا على مصلحة مادية فبطبيعة الحال سيكون الراتب مشكلة ومحل خلاف لأنّ الزوج وضع عينه على الراتب قبل أن يقتنع مائة بالمائة بالزوجة. وعن حالات الطلاق بسبب هذا الموضوع قال المحامي، هناك حالات من هذا القبيل وذلك راجع لطمع الزوج وقلة مروءته حيث يرى في زوجته مجرد آلة لربح المال، فهناك بعض الأزواج يظنّون أنّ راتب زوجاتهم من حقهم؟ وهذا فهم خاطئ بطبيعة الحال فالزوجة تتمتع بذمة مالية خاصة بها وهذا ما أكده ديننا الحنيف وقانون الأسرة الجزائري الذي جعل النفقة المالية على الأسرة من مسؤوليات الزوج، حتى ولو كانت الزوجة تملك الملايير. لذلك إذا كان الرجل ذا دين وابن عائلة محترمة فإنّه مستحيل أن يطمع في راتبها إلا إذا تفاهما أن يساعدا بعضهما على متاعب الحياة. .. كلّما ارتفع المستوى التعليمي بين الزوجين قلّ الصراع حول الراتب قال المختص الاجتماعي محمد طويل أنّ راتب المرأة والخلافات المترتبة بين الأزواج عنه، هو موضوع السّاعة، وله أبعاد كثيرة أساسها خروج المرأة للعمل وهذا راجع لارتفاع مستواها التعليمي مقارنة بالماضي، وأكّد أيضا أنّ معظم الفتيات اليوم لهم مستوى تعليمي معتبر يفضلون العمل بعد الزواج لمساعدة الزوج على أعباء الحياة. كما أشار المختص إلى أنّ الرجال اليوم يميلون إلى الزواج من نساء متعلمات وعاملات، وهذا نتيجة للتحول الاجتماعي والظروف الاقتصادية التي أضحت عاملا مهمّا في بناء العلاقات الاجتماعية أهمّها الزواج. وأضاف الأستاذ في اتصاله ب"الحياة العربية" أنّ قضية راتب الزوجة هو محل صراع بين الرجل والمرأة حيث في الماضي كان الرجل هو المسؤول عن المصاريف في البيت، لكن مع التطور الاجتماعي أصبحت المرأة تقتسم هذه المسؤوليات مع الزوج لتغير الظروف المعيشية ومتطلبات الأسرة، كما أنّ هذه الخلافات بسبب الراتب ترجع أيضا إلى المستوى التعليمي للزوجين فكلّما ارتفع المستوى يقل الصراع، فمستوى التفاهم والحوار بين الزوجين حول المصروف يحدّ من هذه المشاكل. وأكّد المتحدث أنّ هذا الموضوع يؤدّي أحيانا إلى الطلاق لأنّ المرأة ستشعر أّنّ الزوج يستغل راتبها خاصة إذا كان لا يعمل وهي الوحيدة من تصرف على البيت هنا تؤدّي هذه الأزمة إلى الطلاق. كما بيّن الأستاذ إلى ضرورة التفاهم والحوار بين الزوجين لتفادي الوقوع في مثل هذه المشاكل والصراعات.