لازالت مسألة كتابة تاريخ الثورة في الجزائر تثير الكثير من الجدل والاختلاف بين المنتسبين الى الطبقة المثقفة، ووسط جمع كبير ممن عايشوا الحدث، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالطريقة والكيفية التي تسجل بها الوقائع التاريخية، حيث يجمع كثير من المهتمين بالتاريخ والثورة الجزائرية على أن بعض الحقائق التاريخية يطالها تحريف وتزييف عندما تكتب من طرف مؤرخين يتخذون من اللغة الفرنسية حبرا لأقلامهم، إضافة الى ان هذا الرأي يرى ان الأقلام التي تكتب بالفرنسية تريد بطريقة غير مباشرة إظهار فرنسا وكأنها لم تكن لها جرائم بشعة بتلك الصورة السوداوية التي يصورها مجاهدونا، إضافة الى ان هذه الأقلام تحاول ان تسوق رأيا مفاده أن عناصر الهوية لم يكن لهما دور هام في نشر الوعي وسط الجزائريين خلال فترة الاحتلال. واعتبر رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ عبد الرحمان شيبان ان ما تكتبه بعض الأقلام الفرنسية، خال من الصحة حينما تريد ان توضح لنا ان الفرنسية هي التي كانت وراء نشر الوعي التحرري وسط نشطاء الحركة الوطنية، حيث أكد الشيخ شيبان ان الإسلام والعربية كانا دوما الدافع الذي كان وراء نشر الفكر التحرري وسط الجزائريين، وكذا نشر الوعي السياسي والثوري بين الجزائريين، مذكرا أن هذا الفكر كان لدى الجزائريين منذ الثورة الشعبية التي قام بها الأمير عبد القادر وعرفت انتصارات في مرات ولم تشهده في أخرى، ومن ثم ادعاءات المفرنسين لا أساس لها من الصحة مستدلا بما كتبه عثمان سعدي الذي بين أن كتابات المفرنسين من أمثال محمد حربي مستمدة في اغلبها من كتابات المستشرقين الذين لم ينقلوا الواقع التاريخي إنما زيفوه. وفي السياق ذاته، فإن الكثير يتذكر المعارضة التي أبدتها جمعية 8 ماي 1945 من بعض ما ورد في كتاب المؤرخ والكاتب الفرنسي جان لوي بلانش الذي يحمل عنوان '' 8 ماي 1945 مجزرة معلنة ''، كونه يحمل بعض المغالطات التاريخية، خاصة عندما ادعى أن فرنسا لم تقم بمحرقة في 1945 على عكس ما تقوله شهادات حية لمجاهدين عايشوا الحدث، حيث رفضت الجمعية ذاتها خلال تقديم هذا المؤلف كتابه بالجزائر ادعاءاته بعدم وجود هذه المحرقة، كما أن هذا المؤلف وقع في خطأ كبير عندما أراد المدافعة عن رأيه، حينما قال إن ما ورد في كتابه هو الحقيقة المطلقة كونه استقاها من أرشيف الحرب لوزارة الداخلية الفرنسية، وان ما يقوله مجاهدونا لا أساس له من الصحة كونه يعتمد على الذاكرة فقط، والذاكرة قد تنسى وتغفل أشياء، وهو بهذا الطرح يتناسى أهم شيء في البحث العلمي وهو أن المقابلة وتسجيل الشهادات أداة من أدوات جمع المعلومات والمعطيات في شتى المناهج المعتمدة في العلوم الإنسانية والاجتماعية والتي من بينها المنهج التاريخي الذي يتخذ هو الآخر من المقابلة وسيلة لتسجيل الحقائق التاريخية. ومن جهته يرى المؤرخ والكاتب الصحفي محمد عباس أن المغالطات التي تحملها الكتابات التي تتناول الثورة وتكون من أقلام فرنسية طبيعية لان الكتاب الفرنسيين يستقون معلوماتهم من أبناء جلدتهم، ومن ثم فلا نتوقع أن ينقل الفرنسيون أخبارا تتناسب مع ما نراه نحن، بل إن شهاداتهم تكون حسب ما يرونه هم، حتى وان كان بعيدا عن الموضوعية على حد ما قال المتحدث ذاته الذي رفض أن تكون الإدانة للغة في حد ذاتها إنما الاتهام يوجه الى الأشخاص الذي يكتبون، رافضا في الوقت ذاته أن يكون إجماعا كليا أن كل من يكتب بالفرنسية عن الثورة مزور للتاريخ، فحسبه هذه النظرة مبنية على الحساسية الموجودة بين من هو معرب ومن هو مفرنس. وفي الإطار ذاته فإن كثيرا من الآراء ترى انه بالرغم من التزييف الذي تحمله الكتابات الفرنسية للثورة، فإن البعض منها قد تكون مادة أولية مهمة في تاريخ الثورة خاصة إن أتت من أشخاص عايشوا الحدث وكانوا متعاطفين مع الثورة من أمثال الكاتب السويسري شارل هنري هافرد الذي كان من أول من تحدث عن الثورة الجزائرية في وقت كان الحديث عنها كفرا في فرنسا، وذلك حينما أصدر كتابه '' الثورة الجزائرية''.