اهتمت الجزائر بأدب الأطفال منذ الثلاثينيات من القرن العشرين على جميع الأصعدة والمستويات، وتأثر هذا الأدب بالثقافتين الغربية والعربية المشرقية على حد سواء. وقدمت الجزائر في أدب الأطفال إنتاجات إبداعية كثيرة من الصعب حصرها والإحاطة بها. لكن يمكن القول بأن أدب الأطفال قد تبلورت ملامحه الجنينية في مدارس جمعية العلماء التي كان يسهر عليها كل من عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي بعد الاستقلال مباشرة، وقد أعطت الدولة الجزائرية المستقلة الضوء الأخضر لانطلاق المشروع الثقافي في كل الميادين والمجالات والتخصصات، مواكبة مع انطلاق المشاريع الاقتصادية والاجتماعية على ضوء رؤية إيديولوجية اشتراكية علمانية ستؤثر فيما بعد سلبا على المجتمع الجزائري بصفة عامة، وعلى النهضة الثقافية بصفة خاصة. وقد شرعت وزارة الاتصال والثقافة منذ عام 1996 م في تنظيم مسابقة كل سنتين خاصة بأدب الأطفال. كما سارعت إلى الاهتمام بهذا الأدب في كل تخصصاته ومسالكه الثقافية وشعبه الأدبية والفنية. .. الدكتور: جميل حمداوي أدب الأطفال على مستوى الإنتاج ضعيف وقليل وهزيل واعتبر الباحث المغربي المتخصص في شؤون الأدب الجزائري جميل حمداوي أن شعر الأطفال بالجزائر يتمظهر في كتب المقررات المدرسية ومناهج المحفوظات الشعرية ومادة النصوص الأدبية التي تحوي على مجموعة من القصائد والأناشيد والمقطوعات التي كتبت لصالح الطفولة الجزائرية بصفة خاصة والطفولة العربية بصفة عامة. وأضاف حمداوي أن كوكبة من الشعراء الجزائريين الذين كتبوا للأطفال من بين هؤلاء: محمد الأخضر السائحي، ومحمد عبد القادر السائحي، ومحمد ناصر، ويحيى مسعودي، وبوزيد حرز الله، وجمال الطاهري، ومحمد العيد آل خليفة، ومحمد الهادي السنوسي الزاهري، ومفدي زكريا صاحب النشيد الوطني الجزائري" قسما بالنازلات" الذي يعتبر من أحسن الأناشيد الوطنية في العالم العربي لحنا وإيقاعا وتقطيعا وتقفية وتعبيرا وتصويرا وثورية وموسيقية وتنغيما . كما عرف أدب الأطفال الجزائري في مجال السرديات قصة ورواية وحكاية مجموعة من الكتاب النشطين، ومن هؤلاء الكتاب السراد: رابح خدوسي، وجميلة زنيبر، وخلاص جيلالي، ومحمد الصالح حرز الله، وعبد العزيز بوشفيرات، وعبد الحميد سقاي، وعبد الوهاب حقي، وغيرهم من الكتاب. هذا وكشف الدكتور جميل أن قصص الأطفال الجزائرية تتميز بعدة سمات ومكونات كالبعد التربوي التعليمي، والبعد الحكائي الشعبي، والبعد الخرافي الأسطوري، والبعد الحيواني الرمزي، والبعد الاجتماعي، والبعد الفانطاستيكي، والبعد التاريخي، والبعد الديني الإسلامي. كما أن مسرح الأطفال نشط كثيرا في الجزائر منذ ثلاثينيات القرن العشرين إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر. فقد ألف محمد العيد آل خليفة مسرحية" بلال" سنة 1938م التي تعد أقدم نص مسرحي وصل إلينا من تلك الفترة. وهناك مسرحيات أخرى كتبها كل من: الأستاذ محمد الصالح رمضان كمسرحيته "الناشئة المهاجرة"، ومسرحية "الخنساء"، ومسرحية "مغامرات كليب". وثمة مسرحيات أخرى كتبت ما بين الأربعينيات وبداية الخمسينيات من قبل أحمد رضا حوحو وأحمد بن ذياب. لكن مسرح الأطفال بالجزائر نشط بعد الاستقلال وبالضبط في سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين ليعرف بعد ذلك نوعا من التراجع والركود والكساد مع سنوات الألفية الثالثة لأسباب ذاتية وموضوعية. وقال الدكتور جميل أنه لابد أن نعرف أن مسرح الأطفال بالجزائر في الحقيقة كان يتشخص ميدانيا في المسرح المدرسي، والمسرح التعليمي، والمسرح القرائي، ومسرح الدمى والعرائس، والمسرح الاستعراضي... وهذا معروف بشكل جلي وواضح في الجزائر منذ أن ظهرت مؤسسة المدرسة التعليمية إبان الفترة الاستعمارية الفرنسية، فقد كانت المسرحيات الطفلية تقدم في البداية باللغة الفرنسية، فانتقلت إلى اللغة العربية، ثم إلى اللغة الأمازيغية. وقد صدرت بالجزائر مجموعة من الصحف من جرائد ومجلات متخصصة في مجال أدب الأطفال. ومن أهم المجلات المعروفة في البلد نذكر: مجلة "مقيدش" التي أصدرتها الشركة الوطنية للنشر والتوزيع عام 1969م. كما خصصت بعض الصحف الجزائرية ملحقاتها لأدب الأطفال، وجريدة " المجاهد" الأسبوعية، ومجلة "ألوان" الأسبوعية. وتلت هذه الصحف الستينية مطبوعات أخرى في سنوات السبعين والثمانين كجريدة "قنيفد" سنة 1972م، ومجلة " ابتسم" سنة 1977م، و" جريدتي" سنة 1981م، ومجلة "رياض" سنة 1986م إلى جانب مجلات طفلية أخرى كنونو والشاطر... وأضاف حمودي أن من المعروف في الجزائر أنها خصصت لأبنائها الأطفال مجموعة من كتب المعارف الأدبية والعلمية والفنية والتقنية والإعلامية والموسوعات المعجمية للتعامل مع اللغة شرحا وتفسيرا وتأويلا الموازية من أجل الرفع من مستوى وعي الطفولة الجزائرية، والسمو بذائقتها الفنية والجمالية. وتوجد بالجزائر مجموعة من المطابع والمكتبات ودور النشر الخاصة والمؤسسات العامة التي تسهر على طبع كتب الكبار والصغار على حد سواء. وهناك من الكتاب والمبدعين الجزائريين من طبع دواوينه وقصصه ورواياته ونصوصه المسرحية المتعلقة بأدب الأطفال خارج الجزائر، وبالضبط في البلدان المجاورة كالمغرب وتونس وليبيا ومصر. وهناك من طبع نصوصه الطفلية في لبنان وسوريا وفرنسا. وأكد الباحث حمداوي جميل أنه على الرغم من المجهودات التي تبذلها دولة الجزائر في مجالات أدب الأطفال من أجل السمو بمستوى الطفولة الجزائرية ذهنيا ووجدانيا وحركيا، فمازال أدب الأطفال على مستوى الإنتاج ضعيفا وقليلا وهزيلا. بيد أن هذا الأدب الفتي يتفاوت في الجزائر كما وكيفا من كاتب إلى آخر، ومن مبدع إلى مبدع. وقد بدأ الأدب الأطفال بالجزائر تراجعا وانحسارا بينا مع سنوات الألفية الثالثة بسبب انعدام التشجيع المادي والمعنوي بعد أن انتعش في سنوات السبعين والثمانين من القرن العشرين. كما بدأت مكتباته تغلق أبوابها بشكل متدرج مع انتشار الإعلام التلفزي والفضائي والرقمي. كما أشار حمداوي أنه ينبغي على الجزائر أن تبذل مجهودات جبارة في مجال أدب الأطفال عن طريق تخصيص الجوائز المالية والتقديرية لخدام أدب الأطفال وكتابه ومبدعيه سواء أكانوا من الجزائر أم من الوطن العربي كما تفعل قطر والإمارات العربية المتحدة في هذا الشأن. وعليها أن تسهر أيضا على تنظيم مهرجانات ومسابقات مسرح الأطفال من فينة إلى أخرى، وأن تكثر من بناء المكتبات. رابح خدوسي:" أدب الأطفالِ هو العمود الفقري لثقافة الطفل" وقال رابح خدوسي كاتب مهتم بأدب الطفل والادب السياحي أنه بالنسبة لكتاب الطفل المنشور فقد ظهرت مجموعة من الكتاب (روائيون وشعراء) كتبوا للأطفال على هامش كتاباتهم لكبار، وقلما نجد كاتباً متفرداً مختصاً بالأطفال إبداعاً أو نقداً أو تحليلاً: ومن هؤلاء الكتاب نذكر على سبيل المثال لا الحصر الأسماء الآتية: الأخضر السائح، جمال الطاهري، محمد الصلاح حرز الله، موسى الأحمدي نويوات، آمنة حرز الله، عالية بوسيف، بوزيد حرز الله، لطيفة قرموش، جيلالي خلاص، أحمد بود شيشة. ومن البرامج التي تربت عليها أسماع وأذواق ووجدان أجيال السبعينات أو الثمانينات واستمر بعضها حتى القرن الحالي: الحديقة الساحرة، جنة الأطفال، أهلاً أحبائي. وأضاف الأديب رابح خدوسي أن الحديث عن أدب الطفل في الجزائر وفي غيرها لا يمكن أن نَفِيَه حقه دون الإشارة إلى ثقافة الطفل في وطننا العربي بمختلف مكوناتها وأبعادها. فالطفولةُ هذا العالم السحريُ الجميلُ تشكِّلُ رهاناً أساساً وتحدياً كبيراً على مستقبل الشعوب قاطبة. وباعتبار الأطفال أهم ثروة في أي بلاد،: وبما أن أدب الأطفالِ هو العمود الفقري لثقافة الطفل بدءاً من المرحلة الجنينية حيث أثبتتِ الدراساتُ في هذا المجال أنَّ الجنينَ في بطن أمه يسمع ويتأثرُ بل يتفاعلُ مع الأنغام وبعض الكلمات التي تدور في محيط أمه. ومروراً بعد الولادة بالمناغاة والمحاكاة ثم الاستماع والمطالعة. واعتباراً لدور أدب الأطفال بمختلف أنواعه (شعر قصة أغنية شريط مرسوم ... مسرحية.... الخ) في تكوين شخصية الطفل وفي الحفاظ على توازنه النفسي وهو أيضاً القناة الهامة الناقلة للعادات والتقاليد ومختلف القيم الإنسانية... فإن الطفل بحاجةٍ كبيرةٍ إلى هذا النبع الذي لا يقلُّ أهميةً عن حليبِ الأم فهذا غذاءٌ جسميٌ وذاك غذاءٌ روحيٌ عقليٌ وجدانيٌ. ولأدب الأطفال حديث يبدأ أولاً بذكر روافده الهامة وأعني بها: حكَايا الجداتِ، أغاني المواسم، أغاني الشارع والحي، الكتاب المدرسي، المنشورات (كتب ومجلات)، البرامج الإذاعية والتلفزيونية، الأشرطة والأقراص المضغوطة والانترنيت. ..الطفل بطبعه يحب التجديد ويبحث عن التعويض وأضاف خدوسي أن في الجزائر مثلٌ شائعٌ يختصر واقِعَ الطفولة، يقول المثل: "شَبَّعْ وطَبَّعْ" ومعناه: أطعم الطفل حتى يشبع ثم أبعده عنك "طبّع" أي ادفعه إلى أي مكان حتى ولو كان هذا المكان الشارع بما يحمله من سلبيات ومتناقضات. وكأنَّ دورُ الوالدين يقتصرُ على التغذية الجسمية ويتكفل الشارع بالباقي من رعاية وتكوين فيمدَّ الطفلَ أشياء كثيرةً مثل تزويدِ رصيدِهِ المعرفي بمعلوماتٍ مختلفةٍ ويضيف إلى رصيده اللغوي كلمات جديدةً عادة ما تكون قبيحة تعكس مستوى الشارع.ومن الشارع ينقل الأطفال عن بعضهم أغاني يؤلفونها بأنفسهم فتأتي كلماتها مزيجاً بين اللهجة العامية واللغة الفصحى وفي بعض الأحيان تتضمن كلمات لغة أجنبية دخيلة. وأهم استنتاج من أدب الشارع هو أن الطفل بطبعه يحب التجديد ويبحث عن التعويض، ومن هنا فهو ينتج أدبه البديل إذا افتقده عند الغير. باستثناء بعض النصوص المختارة التي تتغنى بالمدرسة والوالدين والوطن والطبيعة يقدم الكتاب المدرسي المعتمد في المدارس الجزائرية موضوعات أدبية وظيفية ضمن نصوص جافة مؤلفة من قبل هيئة موظفين غير مبدعين أو لكتاب غير معاصرين وحتى نصوصهم تعاني فقدان الجمالية والموضوعية، نتيجة التصرفات التي تدخل عليها من قبل هؤلاء الموظفين في مؤسسة تابعة لوزارة التربية والأمل ينتظر الإفراج لفتح المجال أمام المؤلفين الأدباء المبدعين للإشراف على الكتاب المدرسي الأدبي الخاص بالأطفال الذي سيعيد للنص بهجته ويخرج الطفل والأديب الجزائريين من غربتهما. ..التكنولوجيات الحديثة تخدم ثقافة الطفل وقال خدوسي في ظل العولمة الشرسة التي تريد تحويل العالم إلى قرية صغيرة يملكها المنتج للمعرفة وهو مقتصر على الدول الكبرى أما الدول المتبقية فهي مستهلكة للنفايات فقط. وحتى لا يبقى أطفالنا خارج الزمان والمكان. وأمام التحديات للتكنولوجيات الجديدة، فتح المجال السمعي البصري للتكنولوجيات الحديثة لخدمة ثقافة الطفل على الرغم من بعض مضارها واستفاد أدب الأطفال من هذه الوسائل (الأشرطة والأقراص المضغوطة والانترنيت... الخ) فانتشرت الأغاني والقصص المسجلة على أشرطة الكاسيت والفيديو والأقراص CD Rom وبدأ الأطفال يكتشفون عالمهم في مواقع الانترنيت.