تعد المحاماة مهنة جليلة لها قدسيتها ورسالتها السامية في الدفاع عن أغلى ما يملكه المرء، حياته وماله وحريته وكرامته وعرضه، فهي تساهم في تحقيق العدالة باعتبار المحامي شريك القاضي في الوصول إلى الحكم بالعدل، حيث كلاهما يبحث عن الحقيقة وعن إقامة العدل وإعلاء كلمة الحق في المجتمع إلا أن الواقع يقول عكس ذلك من خلال ما لمسناه في أروقة المحاكم في العاصمة. غير أن محامين "انتهازيين" أصبحوا يتاجرون بهذه المهنة في ظل غياب قانون يحدد أتعاب المحامي، ويجد المتقاضون بما فيهم الضحايا والمتهمون أنفسهم تحت رحمة أصحاب الجبة السوداء اللذين يحددون الأتعاب "على هواهم" دون رقابة وحجتهم في ذلك أن هذه المهنة حرة ولا تخضع لأي سلطة. هذا الأمر يفتح المجال لاستنزاف جيوب المتقاضين للمطالبة بالسعر الذي يحلو لهم، وفي هذا المقام نلخص هذا الوضع في مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد". مناقشة موضوع أتعاب المحامي ، يكشف لنا عن الواقع الحقيقي الذي يحصل على مستوى أروقة المحاكم فلا أحد يستطيع وصف لنا هذه التجاوزات إلا أشخاص ذاقوا مرارته، بسبب المصائب التي حلت عليهم، ليصبحوا فرائس لأصحاب الجبة السوداء اللذين وصل بهم الحد لتجريد موكلهم سواء كان ضحية أو متهما، من أمواله. وقد تحدثنا إلى العديد من المتقاضين وأهاليهم ممن التقيناهم في مجلس قضاء العاصمة والمحاكم التابعة له، حيث اتفقوا جميعا على أن التكاليف تعجيزية ولا يمكن لهم تغطية هذه الأتعاب بالنظر إلى مستواهم المعيشي، هذا في ظل الكم الهائل من القضايا المعالجة بمختلف أنواعها والتي هي في ازدياد مستمر، حيث تفتح المجال واسعا لوجود تجاوزات من شأنها أن تؤثر سلبا على تحقيق العدالة وبذلك يصبح المتقاضي مجرد زبون والمحامي تاجر. كما أثرنا هذا الموضع تزامنا مع مناقشة مشروع القانون المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة على مستوى البرلمان، بحيث يرفض المحامين وضع سلم يحدد الأتعاب المالية ويتحججون بحرية المتقاضي في توكيل المحامي، كما أن المحامون يرون أن وضع سلم يحدد الأتعاب المالية يعود للنظام الاشتراكي البالي معتبرين أن القانون لابد أن يمضي بالمهنة نحو المستقبل ولا يسعى لتدهورها. ... المحامي حر في تحديد الأتعاب ولا يخضع للوصاية ارتأينا الاستماع لأصحاب الجبة السوداء وحاولنا معرفة كيفية تحديد الأتعاب بما أنهم جلهم يرفضون وضع سلم لتحديد هذه الأتعاب التي باتت تؤرق المتقاضي بوجه الخصوص، حيث اقتربنا من الأستاذ وهيب محامي معتمد لدى المحكمة العليا هذا الأخير اعتبر أن المحامي حر في تحديد أتعابه المالية ولا يخضع للوصاية ونقابة المحامين هي من تفرض الأتعاب، وإذا كان المتقاضي غير موافق فهذا لا يعتبر مشكلة لأنه بإمكانه تغيير المحامي بكل سهولة. وأردف قائلا أن وضع سلم يحدد الأتعاب المالية للمحامين يعود لأنظمة بالية. كما أضاف محدثنا قائلا أنه "يجب الاتفاق على الأتعاب المالية بكل حرية بين المتقاضي والمحامي لأنه حق مكتسب"، وأضاف أنه في بعض الأحيان يرافع مجانا إذا كان موكله فقيرا فالموكل حسب الأستاذ وهيب يضع ثقته الكاملة فيهم على اعتبار أنهم رجال قانون، ويرى فيهم أمله الوحيد لإخراجه من المأزق. كما قال لنا محدثنا أن هناك محامون يطالبون بأتعاب تصل إلى 100 مليون سنتيم. فالسعر يحدد على أساس القضية خصوصا القضايا التي تتعلق بالفساد خاصة أن المتهمين فيها يعينون فريقا من المحامين للدفاع عنهم رغم وجود أدلة وبراهين تدينهم، ويدفعون مقابل ذلك أموالا طائلة، حيث وصلت قضية رجل الأعمال عاشور عبد الرحمن إلى 500 مليون. فيما وصل الأمر بعدد من المحامين إلى طلب مبالغ تتعدى ال500 مليون سنتيم، خصوصا في القضايا الجنائية من أجل حكم البراءة، وحدث في منظمة محاميي الجزائر العاصمة أن تقاضى أحد المحامين، الذي حقق ثراء فاحشا، مبلغ 600 مليون وعقارا، حتى يمكّن المتهم من الحكم بالحبس الموقوف التنفيذ، و"تورط" في نفس الملف قاض تم فصله من طرف نقابة القضاة. ... قانون المحاماة الجديد ينادي بأن تكون أتعاب المحامي معقولة اعتبر الأستاذ "بن ناصف" عضو بنقابة المحامين انه وحسب التعديل الحالي لقانون المحاماة المقترح على البرلمان، وفيما يتعلق بالأتعاب فان الاقتراح يشير إلى انه في المادة الجزائية فان المحامي لابد عليه أن يحدد مسالة الأتعاب مع زبونه وان تكون معقولة بغض النظر عن النتائج أثناء صدور الحكم، وأضاف محدثنا انه وفيما يتعلق بالقضايا التجارية يمكن للدفاع أن يتفق مسبقا على نسبة معينة من الفائدة في حالة حصول زبونه على نتائج ايجابية، على أن يجسد هذا الأمر في اتفاقية مسبقة يحررها الدفاع رفقة زبونه، وأشار الأستاذ إلى انه وفي حالة وجود نزاع يمكن أن يلجأ المحامي إلى النقيب شخصيا من اجل عرض النزاع عليه وإيجاد الحلول فيما يتعلق بتحديد المبلغ الواجب دفعه من الزبون إلى دفاعه. في الأخير قال الأستاذ أن الأتعاب لا يمكن تحديدها وذلك لأنها تختلف باختلاف القضية وكذلك باختلاف المحامي وتدخل في ذلك التجربة وكذلك أوضاع الموكل، ومسؤولية المحامي تقوم على بذل الجهد وليس بالنتيجة. .. متقاضون مستاؤون من أعباء المحامين تقربنا من بعض المواطنين جاءوا لحضور محاكمات أبنائهم وسألناهم عن أتعاب التقاضي، فعبروا لنا عن استيائهم من هذه الأعباء التي أرّقتهم والتي تحتم عليهم في كثير من الأحيان التخلي عن ممتلكاتهم الخاصة لدفع ثمن القضية سواء كانت رابحة أو خاسرة، وهو ما حكاه لنا عمي أحمد حضر لمجلس قضاء العاصمة من اجل حضور محاكمة ابنه الذي تورط في قضية قتل راح ضحيتها ابن عمه بعد تحرش بأخته، حيث أكد لنا، أن ابنه الذي لا يتجاوز سن ال 25 سنة، قتل ابن عمه في لحظة غضب بعد أن تعاركا فقام ابنه بجلب سكين وطعنه به على مستوى القلب واضعا حدا لحياته بسبب تحرشه بأخته الصغرى، لذلك أقسم عمي أحمد أنه اضطر لبيع سيارته لكي يدفع ثمن قضية ابنه التي فاق ثمنها 10 ملايين سنتيم . ... باعت منزلها لتسديد أتعاب المحامي الموكل لزوجها "سلمى" أم لطفلين هي عينة أخرى صادفناها بمحكمة الدليل بالرويبة جاءت لحضور محاكمة زوجها حيث روت لنا كيف اضطرت لبيع منزلها العائلي وباتت تعيش مع والديها من اجل تسديد أتعاب المحامي الموكل في حق زوجها الذي دخل السجن في قضية مخدرات، وأخبرتنا بأنها لم تعرف من قبل طريق المحكمة، وقد قادتها الأقدار إليها دون سابق إنذار خاصة وان زوجها الذي يعمل بإحدى المؤسسات الخاصة، راح ضحية أخوها الذي استغل ورطه في المتاجرة في المخدرات والذي هو في حالة فرار. .. "دفعت الأموال لثلاثة محامين المهم أن يخلوا سبيل ابني" سيدة أخرى في العقد الخامس من العمر لفتت انتباهنا على مستوى محكمة حسين داي واستفسرنا منها عن سبب تواجدها بالمحكمة فقالت لنا بعد أن سألتنا عن اسم الجريدة، قالت أنا أبحث عن المحامي الفلاني فقلنا لها، ما هي مشكلتك فردت، إنه ابني قام بالاعتداء على شخص بالمحطة البرية بخروبة حيث طعنه بسكين وجرده من ممتلكاته وعند محاولته الهرب قبضت عليه الشرطة وهو متلبس بالجرم المنسوب له من قبل الشهود اللذين كانوا في عين المكان. وعن سؤالنا عن أتعاب المحامي ردت السيدة قائلة أنها لحد الساعة دفعت الأموال لثلاثة محامين ولكنهم لم يحرروا ابنها من روابط التهمة المتابع بها رغم أنها تقدمت لأهل الضحية واعتذرت وقامت بمعالجته، وأضافت السيدة بأنها لم تدخل عتبة المحاكم من قبل وأن ابنها من جرها لها لكن في الأخير عبرت لنا عن أسفها وتمنت الإفراج عن ابنها .