يلتحق "عمي أحمد" بالرفيق الأعلى، وفي مخيلته فوزر بوعديس الذي سبقه إلى العالم الآخر. رجلان كان وراء تحقيق حلم راودهما ذات عام من سنة 1993، وثالثهما اسمه حاج علي. أحمد مستاري، مدير عام يومية "الحياة العربية"، الذي صارع المرض أسابيع قبل أن يسلم روحه إلى بارئها، لم يكن شخصا عاديا، وإن بدا كذلك للذين عرفوه والذين لم يعرفوه. كان بشوشا يحب النكت ويرويها بنهم، كان صلبا في أعتى مراحل الظلمة التي مرت به وبالبلاد، لم يخفض يديه إلا لتمر عاصمة، ثم يعاود التحدي. خرج من وكالة الأنباء الجزائرية التي دخلها بداية السبعينيات محررا، ثم انتدب لمساعدة الفريق الصحفي الذي كلف بإطلاق يومية المساء أواسط الثمانينات من القرن الماضي، وسرعان ما غادر الوكالة مع بداية التسعينيات وفي رأسه حلم إصدار يومية جزائرية باللغة العربية. الموارد المالية كانت حلما أيضا، ومع ذلك غامر ب(طيحة ونوضة)، مثلما يقال، ورافقه في ذلك المرحوم فوزي بوعديس، وأطلق في ماي 1993 يومية "الحياة العربية"، التي عاصرت بدايات حالة اللاامن التي عمت الجزائر فيما بعد، وسميت عشرية سوداء وحمراء، لا لون لها. البداية كانت بتفاعل بسيط مع فريق شاب، أعاد الامل للمرحوم، في رؤية يومية ناجحة وكان عبد الله بن تريعة أول رئيس تحرير للحياة العربية، التي صارعت ازمة مالية خانقة ولم تصمد طويلا، وانهارت بفعل صفر إشهار، وظروف أخرى أواسط التسعينيات. وتفرق فريقها الصحفي على الخبر والتلفزيون ووسائل اعلام في الخارج، ووكالة رويترز. ابتعد مستاري بعض الوقت على سبيل التراجع للقفز بشكل أفضل، ومع بداية الألفية الثالثة عاد وفي جيبه نفس العنوان ونفس الرغبة في العمل والتحدي، جرب ممولا ثم ثانيا، الى ان وقع على من ساعده في المشروع، فعادت "الحياة العربية" إلى الأكشاك، وعادت الابتسامة الى وجه مستاري الذي خبر الحياة، منذ كان أستاذا في التعليم المتوسط، قبل أن يدخل عالم مهنة المتاعب من بوابة وكالة الأنباء الجزائرية. العودة هذه المرة، كانت بدون فوزي بوعديس، الذي رافقه في الطبعة الأولى من "الحياة العربية"، بعدما ودع الدنيا قبله بسنوات. يرحل "عمي أحمد" ويترك وراءه فريقا شابا يعمل بجد في الجريدة التي صارع من اجلها، ويترك وراءه أسماء اعلامية عملت معه في المشروع اول مرة، نذكر منها بوعلام زياني، مرزاق صيادي، محمد ايوانوغان، حميد ولد احمد، عبد الله بن تريعة، رشيد بوذراعي، محمد نجاري، مهدي براشد، وغيرهم كثيرون.