لا يزال عشاق الكرة بعاصمة الكورنيش جيجل يبكون فقيدهم مصطفى كحل السنان الذي توفي يوم الخميس الماضي متأثرا بالجراح التي أصيب بها بعد اللقاء الودي الذي جمع المنتخب الوطني بنظيره الصربي والذي وري الثرى بعد صلاة الجمعة الأخير وسط أجواء مهيبة ستظل محفورة في ذاكرة كل من عرفوا الفقيد عن قرب. وكعادتها كانت “الهداف” حاضرة في قلب الحدث من خلال انتقالها إلى بيت الفقيد كحل السنان مصطفى للتقرب أكثر من عائلة الضحية ومحاولة الإطلاع على ظروف وفاة هذا الأخير، خاصة في ظل المعلومات المتضاربة التي تناقلتها بعض المصادر بخصوص أسباب الوفاة ولجوء البعض إلى نشر شائعات مغرضة عن الفقيد زادت من حجم الألم لدى أسرته التي استقبلتنا بحفاوة شديدة رغم حجم الصدمة التي كانت بادية على جميع أفرادها وحتى على سكان حي الحدادة الذي يحتضن مسكن الراحل مصطفى. مصطفى مهووس ب “الخضر“ وتأهلهم إلى المونديال أخرجه من عقله وكان دليلنا في رحلة البحث عن بيت فقيد الكرة الجيجليةوالجزائرية، هو إبن عم الضحية الذي روى لنا بمرارة شديدة اللحظات الرائعة التي عاشها مع المرحوم منذ بداية التصفيات المزدوجة إلى كأسي العالم وإفريقيا وكيف كان مصطفى يقضي الليالي الطوال في التحضير لإقامة الأفراح والاحتفال بانتصارات رفقاء زياني، حتى أنه -يقول إبن عم الفقيد- كان يصرف أموالا معتبرة من أجل تزيين الحي بالألوان الوطنية وجلب “الديسك جوكي” لمضاعفة حجم الفرحة خاصة بعد لقاءي القاهرة وأم درمان، حيث كان مصطفى في قمة ابتهاجه بل وكاد يجن من شدة الفرحة بعد تأهل “الخضر” إلى المونديال على حساب المنتخب المصري. تحدّى عائلته وسافر إلى العاصمة من أجل تشجيع “الخضر“ أمام صربيا ولم يكن الحديث الذي جمعنا بابن عم الفقيد ونحن في الطريق إلى بيت عائلته الجريحة سوى مقدمة لفتح ملف العشق الأسطوري للراحل لكل ما يمت بصلة للألوان الوطنية والمنتخب الوطني...ملف فتحه عمي فرحات والد مصطفى الذي بدا متأثرا جدا بفقدانه لفلذة كبده وهو في ريعان شبابه (19) سنة، ولو أن ذلك لم يمنع عمي فرحات من سرد جزء من قصة العشق التي جمعت ابنه بأشبال سعدان والتي تطورت مع مرور الأيام لتتحول إلى مشكل يؤرق عائلة الفقيد الذي بات مستعدا حسب والده لفعل أي شيء من أجل “الخضر“ بدليل أن هذا الأخير لم يتوان في ترك عمله كقابض بحافلة للنقل الحضري تعود ملكيتها لعائلته والتوجه صبيحة الأربعاء إلى العاصمة رفقة ثلاثة من أصدقائه متحديا الجميع وفي مقدمتهم شقيقه الأكبر الذي لطالما اشتكاه إلى والده بحجة غيابه المستمر عن العمل في كل مرة يكون “الخضر“ على موعد مع لقاء رسمي أو ودي. مصطفى تعرض إلى ضربة بساطور وتوفي بمستشفى أول ماي وأمام الحالة الصعبة التي كان عليها والد الراحل مصطفى وغياب أي معلومة رسمية بشأن الظروف التي قتل فيها مصطفى، فضلنا البحث عن صديق المرحوم، ياسين حريد الذي رافقه في رحلة العاصمة على أمل التقرب من حقيقة الاعتداء الذي أودى بحياة مصطفى، وحتى وإن بدا ياسين بدوره في حالة نفسية صعبة من هول الصدمة إلا أن ذلك لم يمنعه من سرد “كرونولوجيا“ الحادثة من خلال قوله بأن كل شيء كان عاديا بالنسبة له وللراحل بعد أن تمت الرحلة من جيجل إلى العاصمة في ظروف جيدة وحتى الدخول إلى الملعب كان في ظروف مريحة حسب ياسين بمساعدة أحد أفراد الشرطة الذي ينحدر من عاصمة الكورنيش، بيد أن الأمور انقلبت رأسا على عقب -يضيف المتحدث- بعد انتهاء مباراة الجزائر أمام صربيا وشروع الأنصار في مغادرة المدرجات حيث اعترضتنا -يقول ياسين- مجموعة من الشبان على بعد أمتار قليلة من الملعب وهم يحملون السيوف والخناجر وذلك على مرأى من عناصر الأمن قبل أن يشرعوا في الاعتداء على الأنصار ومن بينهم المرحوم مصطفى بنية سلب ما بحوزتهم من أموال وهواتف، وأمام هول المشهد -يستطرد ياسين- فر كل واحد منا في اتجاه مجهول أملا في النجاة من بطش الجناة الذي سددوا ضربة بساطور لرجل الضحية مصطفى بعد أن حاول مقاومتهم لينقل إلى مستشفى أول ماي أين لفظ أنفاسه الأخيرة متأثرا بالنزيف الحاد الذي تعرض له. صديقاه ظلا يبحثان عنه إلى غاية الثانية صباحا وكادا يعرفا المصير نفسه وبنبرة حزينة ممزوجة بهستيريا متقطعة، أضاف صديق المرحوم بأنه ظل وصديق آخر له يبحثان عن الفقيد مصطفى لمدة خمس ساعات كاملة أو بالأحرى إلى غاية الثانية صباحا اعتقادا منهما بأنه قد ظل الطريق، وهي الفترة التي كادت أن تحيلهما على نفس المصير بعد أن وقعا في شراك مجموعة إجرامية أخرى لم تتوان بعد أن تعرف أفرادها على لهجتهما الجيجلية في التخطيط للغدر بهما من خلال سيناريو إجرامي بدأ بمحاولة تحويل وجهتهما بداعي المساعدة بيد أن تدخل أحد الرجال في آخر لحظة جنبني وصديقي -يقول ياسين- مصيرا مجهولا، حيث تكفل المعني الذي كان يقود سيارة تابعة لإحدى الشركات بنقل الصديقين إلى محطة الخروبة أين قضيا بقية الليلة قبل أن يشدا الرحال إلى جيجل مع طلوع الفجر وفي ذهنهما أكثر من سؤال عن مصير الفقيد مصطفى الذي كان حينها قد أسلم الروح إلى بارئها وهو ملفوف بالراية الوطنية التي لم تغادره منذ تأهل “الخضر” إلى المونديال. عمي فرحات: “لن أسامح من قتلوا إبني والسلطات تتحمّل كامل المسؤولية“ ولم يكد ياسين ينهي سرد سيناريو المسلسل “الهيتشكوكي“ الذي عاشه وصديقاه بالعاصمة والذي انتهى بإزهاق روح مصطفى الذي لا ذنب له إلا كونه أحب المنتخب الوطني وعشقه بجنون، حتى التقط والد المرحوم أنفاسه من جديد مصرا علينا بأن ننقل نداءه للجهات الوصية التي طالبها بكشف الحقيقة كاملة حول ظروف مقتل ابنه ومعاقبة الجناة، ولو أن عمي فرحات سرعان ما استرسل في موجة “هيستيريا“ جديدة جعلته ينطق بكلمات أبكت الجميع ملقيا بكامل المسؤولية على السلطات التي عبثت كما يقول بأبناء الشعب من خلال تركهم دون رعاية وتسليمهم كالكباش لسفاحين وقتلة لا مكان للرحمة والشفقة في قاموسهم، وهنا تدخل صديق الضحية من جديد مدعما كلام عمي فرحات من خلال قوله بأن الاعتداء الذي تعرضوا له بعد مغادرتهم لملعب (5) جويلية كان على مرأى من رجال الشرطة وأن أحدهم قال لمصطفى وهو يستنجد به “روح أخطيني دبّر راسك معاهم”. سفيان الأكثر تأثرا برحيل مصطفى والعائلة تصرّ على معرفة الحقيقة ولدى مغادرتنا لبيت الضحية الذي تركناه غاصا بالمعزين، لمحنا ابن عم آخر لمصطفى، المدعو سفيان وهو يصرخ من شدة البكاء قبل أن يتهاوى على الأرض وقيل لنا بأنه كان أقرب شخص إلى الراحل بل وكان يلازمه كظله، وهو ما جعل تأثره أشد إلى درجة أنه ظل مستلقيا بإحدى المساحات الخضراء وهو يصرخ بأعلى صوته -حسب قريب للعائلة- منذ أن علم بخبر وفاة مصطفى الذي تبقى وفاته بمثابة لغز يحير الجميع رغم المعلومات التي قدمها صديقاه وهو ما يفسر مطالبة عائلته بكشف الحقيقة كاملة حول ظروف مقتل ابنها حتى ترتاح نهائيا يقول أحد أشقاء الراحل طالما أن هذا الأخير انتقل إلى جوار ربه ولا أمل في عودته.