لا يمكن لعشاق كرة القدم في الجزائر وخصوصا أنصار إتحاد العاصمة أن يعودوا إلى الوراء ويحيوا الحقبة الزاهية لفريقهم منتصف التسعينيات لما كان يخاطبهم في عهد الرئيس عليق بلغة الألقاب دون أن يتذكّروا واحدا من رموز النادي في تلك الفترة، إنه ابن مدينة بوفاريك الذي اخترناه ضيفنا هذه المرة أو بالأحرى نحن من كنا ضيوفه في مدينة البرتقال أين خصنا بهذا الحوار الطويل الذي تحدث فيه إلينا بقلب مفتوح عن تجربته مع المولودية، الإتحاد، وبوفاريك، المنتخب الوطني وجوانب أخرى من حياته لا يمكنكم أن تكتشفونها إلا معنا في هذا الحوار الحصري والشيق للغاية. اختفيت عن الأنظار في السنوات القليلة الماضية، فأين هو حمداني حاليا؟ أنا دائما هنا في بوفاريك، واستقررت نهائيا هنا منذ سنة 2000 بعد أن عقدت قراني. أنا حاليا أب لبنت وولد، كما أنني لم أبتعد إطلاقا عن الساحة الكروية رغم أنني اعتزلت الميادين منذ 5 سنوات تقريبا، حيث اقتحمت عالم التدريب منذ الموسم الفارط مع فريقي الأصلي الجيل الرياضي لبوفاريك، وأنا الآن مدرب لهلال فوكة الذي ينشط في بطولة الجهوي الثاني بعد أن وضع مسؤولو هذا النادي ثقتهم في شخصي. دخولك عالم التدريب يعني أنك تملك شهادات في هذا المجال، أليس كذلك؟ أجل أنا متحصل على شهادة تدريب درجة ثانية، وأنا أحضّر حاليا للدرجة الثالثة، وبإذن الله لن أتوقف حتى أحصل على إجازة الكاف، كرة القدم مجال واسع جدا وكلما تتعلم أشياء جديدة تجد أنك تجهل أشياء أخرى. لو نعود بك قليلا، فكيف كانت بداياتك الكروية؟ بدايتي كانت مثل بدايات أي لاعب في كرة القدم، حيث كنت أمارس هذه اللعبة في الشارع قبل أن أتنقل إلى فريق جيل بوفاريك وليس الوداد كما يعتقد الكثيرون، وبقيت في هذا النادي 8 سنوات كاملة من فئة الأصاغر حتى الأواسط، ولكني انتقلت إلى الوداد في السنة الثالثة لهذه الفئة (الأواسط) ولعبت مباشرة مع الأكابر، وبعد موسمي الأول فقط مع وداد بوفاريك انتقلت إلى مولودية الجزائر سنة 91. وكيف تمت الاتصالات بينك وبين مسؤولي المولودية وأنت في موسمك الأول مع أكابر الوداد؟ الشخص الذي ربط الاتصالات بيني وبين مسؤولي العميد هو شخص من مدينة الدويرة وكان يشتغل في وزارة الداخلية ويعشق المولودية حتى النخاع، كان يومها الشيخ كرمالي مدربا، ولما اتصل بي مسؤولو العميد عن طريق العقون اتفقت معه في عشر دقائق فقط، رغم أنه يومها كانت لدي اتصالات من عدة فرق أخرى. لأن المولودية هي عميد الأندية وعراقتها وقاعدتها الجماهيرية الواسعة تجعل أي لاعب يحلم باللعب فيها. وهل كان هذا السبب فقط الذي جعلك تختار اللعب للمولودية أم أن العرض المادي كان مغريا أيضا؟ (يضحك طويلا ) أتذكر أنني تفاوضت يومها مع أحمد العقون وشعبان لوناس، ووعداني بأن يمنحاني شقة مقابل أن أمضي لثلاثة مواسم، ولكنهم انقلبوا ضدي ولم يفوا بوعدهم، قد أفاجئك إذا قلت لك أنني لم أحصل لا على شقة ولا على غرفة واحدة، في 3 سنوات كاملة منحوني مليون سنتيم فقط وهذا ما حز في نفسي كثيرا. والأغرب من ذلك هو أن نفس المسيّرين عاودوا الاتصال بي بعد موسمين لي في الإتحاد وعرضوا عليّ شقة فقط ولكنني أكدت لهم أن المرء لا يلدغ من الجحر مرتين . بصراحة فيصل، هل ندمت على اللعب للمولودية بعد ذلك؟ في كرة القدم الأموال ليست هي كل شيء، ولذلك لم أندم على الإمضاء للمولودية واللعب بألوان هذا النادي العريق، في المولودية صنعت اسما والناس كلها أصبحت تسمع بحمداني، في المولودية التحقت بالمنتخب الوطني الأول لأول مرة في مشواري، كما أنني عرفت الرجال الذين ما زلت مرتبطا بهم حتى اليوم وعلاقتنا مبنية على الاحترام المتبادل، ولكن صدقني أنني كرهت العڤون كثيرا، لقد سمعت أنه على فراش المرض ومن الأفضل له أن يتصل بي ويطلب مني السماح حتى يريح ضميره. وكيف غادرت المولودية رغم أنك أمضيت لهذا الفريق ثلاثة مواسم كاملة؟ في ذلك الوقت كان هناك قانون خاص باللاعبين الذين يضعهم سنهم أمام حتمية الالتحاق بالخدمة الوطنية، وهو أن اللاعب الذي يبتعد عن مدينته ب 100 كلم يسرّح آليا، وله حرية اختيار النادي الذي يلعب له شرط أن يكون قريبا من الثكنة. ولكن في فترة التحويلات الشتوية دخل مسؤولو وداد بوفاريك على الخط ووعدوني بشراء ورقة تسريحي بعدما قلت لهم أنني لن أعود إلى المولودية حتى ولو اقتضى الأمر اعتزال الميادين. لكن البعض يقول أن الإصابة التي تعرضت لها وأبعدتك عن الميادين هي التي جعلت مسؤولي المولودية يقرّرون تسريحك لبوفاريك؟ هذه الإشاعات لا أساس لها من الصحة، الإصابة التي تعرّضت لها كانت في موسمي الثاني مع المولودية على مستوى الرقبة، وتطلبت إجراء عملية جراحية في باريس، المسيّرون منحوني يومها (2 مليون فرنك فرنسي) لأجل ذلك، وتنقلت وحدي أين مكثت هناك 3 أيام فقط قبل أن أعود إلى جو المنافسة الرسمية بعد أسبوع فقط. وماذا عن تجربتك الجديدة مع الوداد بعد عودتك إليه؟ الوداد يومها كان في القسم الأول ولا فرق بينه وبين النوادي الكبيرة يومها، كان الفريق قد صعد في ذات الموسم الذي عدت فيه إلى القسم الأول، كان يومها حاجي رئيسا للنادي. وهو الذي كان وراء عودتي بعدما عرف كيف يقنع مسؤولي العميد بمنحي ورقة تسريحي، وصدقني أنه حتى العرض المادي لم يكن كبيرا ولا يتناسب مع قيمة لاعب في المنتخب الأول في ذلك الوقت. أكملت تجربتك مع بوفاريك حتى سنة 96، حين أمضيت لإتحاد الجزائر، فكيف تم الاتصال؟ في ذلك الموسم كنت في الخدمة الوطنية وبالضبط في فريق الناحية العسكرية الأولى للبليدة، وكان المدرب أكسوح هو أول من اتصل بي ونصح عليق باستقدامي للإتحاد بعدما عاينني في أكثر من مباراة. وكيف نجح عليق فإقناعك للإمضاء في الإتحاد؟ عليق كان قد تفاوض معي بنفس الطريقة التي تفاوض بها مسؤولو العميد، أي أنه وعدني بشقة مقابل إمضائي للإتحاد ولكن الفرق بين عليق وهؤلاء هو أن هذا الأخير كان عند وعده، وجلب لي شقة في عين النعجة بعد شهرين فقط من انضمامي للاتحاد، وهذا ما جعلني أرتاح له كثيرا، وكانت خرجته عربون ثقة بيننا وفي كل تعاملاتنا في المواسم الموالية. كنت مطلوبا يومها أيضا في شبيبة القبائل ومولودية وهران أيضا، فلماذا اخترت الإتحاد بالضبط؟ لقد كنت يومها دوليا وبمجرد أن أعلنت عن رغبتي في مغادرة الوداد حتى وصلتني عدة عروض أبرزها عرض شبيبة القبائل ومولودية وهران، ولكنني فضلت الإتحاد لأنه كان يملك يومها جمهورا متحضرا، وكان الرئيس هو عليق الذي أعاد الفريق إلى الواجهة بعدما كان وراء صعوده إلى القسم الأول وقاده للتتويج بلقب البطولة أيضا، وهو ما يؤكد أن الاستقرار موجود والاستمرارية في العمل أيضا، اللاعب يبحث عن راحة البال أكثر من أي شيء آخر، وحتى من الناحية المادية “قيموني مليح” حيث جلب لي عليق شقة ووضع لي أجرة شهرية أيضًا. وما هو الشيء الذي جعلك تبقى ست سنوات كاملة في الإتحاد؟ لا أنفي أن وجود عليق على رأس إتحاد الجزائر هو الأمر الرئيسي الذي جعلني أبقي في هذا الفريق طيلة ست سنوات كاملة رغم العروض المغرية التي كانت تصلني في كل مرة، والموسم الأول الذي قضيته جعلني أعرف أن سر نجاح هذا الفريق هو الرجال الذين يقفون وراءه وسعدت كثيرا لأنني عرفتهم وتعاملت معهم، وأود بالمناسبة أن أكشف لك سرا مهما جدا. تفضل. في إتحاد الجزائر كنت آخر لاعب يوقّع، دائما آتي لأوقّع فقط وأبصم دون أن أتفاوض مع عليق أو أملي شروطي المالية عليه كما يفعله أغلبية اللاعبين، كنت أتركه هو الذي يقرر ولا أتكلم معه بخصوص الشق المادي إطلاقا والموسم الوحيد الذي تفاوضت معه فيه كان موسمي الأخير في الإتحاد، والسبب ليس ماليا وإنما لأنني اشترطت عليه أن أوقع لموسم واحد فقط وليس موسمين كما كان يحدث في السابق، وقد كان متفهّما واتفقنا على كل شيء في أقل من 5 دقائق. ألهذه الدرجة كنت متفاهما مع عليق؟ عليق لم يكن يعتبرني لاعبا في الإتحاد، كنت بالنسبة إليه مثل ابنه، “خلّطلو في عينيه” ولا تلمسني أنا بالسوء، تصور أنه كان يأتمنني على بعض الأمور التي لا يسمع بها حتى المسيّرون المقربون منه أو الجهاز الفني، أنا الوحيد الذي كنت أعلم ما هي القيمة المالية التي يمضي بها كل لاعب والنسبة التي يحصل عليها. في أحد المواسم عاود مسؤولو المولودية الاتصال بي ونشر الخبر في إحدى الجرائد الرياضية، عليق يومها كان خارج الوطن، زوجته اتصلت به وأبلغته بذلك فأجابها بجملة واحدة “لا تقلقي فيصل وليدي ما عندو وين يروح” فأجابته قائلة “ما دام أنه وليدك فأضفه معنا في الدفتر العائلي”. أعتقد أن هذا يلخّص العلاقة المتينة جدا التي كانت تربطني بعليق الذي كان بمثابة والدي. حدثتنا لحد الآن عن الأمور الإيجابية فقط لتجربتك مع الإتحاد، فهل كانت هناك بعض الأمور السلبية؟ لو أواصل الحديث عن الأمور الإيجابية يجب أن أؤكد على ضرورة تتويجي بثلاثة ألقاب كاملة مع الإتحاد الذي كان الفريق الوحيد الذي عرفت معه هذه الإنجازات وشاركت معه في رابطة الأبطال الإفريقية في أكثر من مرة كذلك، أما عن الأمور السلبية فهي موجودة في كل تجارب اللاعبين ولكن بطرق مختلفة، الأمور السلبية مع الإتحاد كانت تصرف بعض الأنصار معنا عقب التعثرات حيث كانوا يتنقلون إلى الملعب ويشتمون اللاعبين بصفة جماعية، وهذا ما كان يحز في نفسي رغم أنه لم تحدث لي أي مشكلة مع الأنصار طيلة تجربتي في هذا الفريق. وكيف كانت علاقتك مع الأنصار؟ صدقني أنه لم يسبق لي أن سمعت مناصرا يشتمني من المدرجات أو أنهم ضايقوني بعد أي تعثر، طيلة الست سنوات لم أصطدم مع أي مناصر رغم أنني أعلم أن كل اللاعبين الذين تعاقبوا على الفريق “سمعوا ما لا يرضيهم” لسبب أو لآخر، الحمد لله علاقتي الرائعة مع المسامعية امتدت لحد الآن. صدقني أنني لما أتجول في أحياء العاصمة فإن لأنصار لا يكفون عن تحيتي وهذا ما يؤكد أنني تركت مكاني نظيفا. ما هو سر نجاحك في الإتحاد مقارنة بتجاربك السابقة مع المولودية وبوفاريك؟ السر الوحيد هو أنني كنت أبتعد قدر المستطاع عن الكواليس وما يدور في محيط الفريق، صدقني أنني كنت أتوجه من بوفاريك إلى بولوغين من أجل التدرب فقط، وأغادر الملعب دون أن أكلم أحدا، لم أكن أفكر إلا في واجباتي فوق الميدان، الحياة علمتني أن العمل في صمت هو سر النجاح، وكما يقولون أحترم نفسك وستجعل الناس يحترمونك رغما عنهم. يجب أن تترك الناس تنظر إليك أنك لاعب كبير فعلا ولا تترك لهم المجال ليحتقرونك ويغيّرون نظرتهم تجاهك. الرياضة تربية وأخلاق قبل كل شيء ولكن للأسف معظم اللاعبين اليوم يضربون هذه الأمور عرض الحائط ولذلك لا ينجحون في مشوارهم. توجّت بثلاثة ألقاب في مشوارك، فما هو اللقب الأحلى بالنسبة إليك؟ أحلى لقب بالنسبة لي هو تتويجنا بكأس الجمهورية في موسم 98 – 99 على حساب شبيبة القبائل في النهائي بعدما كنا أقصينا مولودية الجزائر في النصف نهائي بركلات الترجيح. إنه اللقب الأحلى والأغلى في مشواري. هل تعتبره اللقب الأغلى لأنك ثأرت من الفريق الذي ظلمت فيه وحرمت من حقك؟ أبدا القضية ليست مسألة ثأر أو شيء من هذا القبيل، كل ما في الأمر هو أنني كنت قد واجهت المولودية وأنا عائد من الإصابة وبعد شهرين كاملين دون تدريبات، بعد الإصابة التي تعرضت لها مع المنتخب الوطني في عنابة على مستوى المرفق، كنت لم أتماثل للشفاء بعد ولكنني وأصررت يومها على اللعب. الوحيدان اللذان كانا على علم بالقضية هما طبيب الفريق والرئيس عليق، دخلنا المباراة يومها وكنا منهزمين في النتيجة بهدف مقابل صفر قبل أن يمنحنا الحكم ركلة جزاء توليت أنا تنفيذها وعدّلت النتيجة، كما أنني نفذت ركلة جزاء في سلسلة الركلات الحاسمة وسجلتها أيضا. ولماذا أصررت على أن تكون أنت من ينفذ ركلة الجزاء؟ في تلك المباراة كل اللاعبين تخوّفوا، ولا أحد كانت له الشجاعة ليتقدم وينفّذ تلك الركلة، أتذكر جيدا أنه بمجرد أن صفر الحكم أسرع كل اللاعبين إلى خط التماس وبدؤوا يمثلون أنهم يشربون الماء، فاقتربت أنا وتوليت تنفيذ تلك الركلة وهذا كل ما في الأمر. ما هو السبب الذي جعلك تقرر مغادرة الإتحاد وأنت قادر على العطاء؟ السبب الوحيد الذي جعلني أقرر مغادرة الفريق رغم أن علاقتي مع الرئيس عليق والأنصار كانت أكثر من ممتازة، هو تغير الذهنيات لدى بعض اللاعبين الذين أصبحوا يحاولون فرض أنفسهم في الفريق وكسب ود عليق بأي طريقة، تصور أن هناك لاعبين كبارا في السن وهم أرباب عائلة أصبحوا يخلقون الفتنة في الفريق ويزرعون البلبلة من خلال نقل الأخبار لعليق، هذه الأمور لم تعجبني إطلاقا وأصبحت الأمور لا تطاق، لذلك رفضت أن أجدّد لموسمين كما قلت منذ قليل وغادرت الفريق مباشرة بعد نهاية عقدي. وهل لك أن تكشف هوية اللاعبين الذين قصدتهم في كلامك؟ هؤلاء اللاعبون ما زالوا أحياء اليوم، وسيدركون أنني أقصدهم بمجرد أن يطّلعون على حواري، ما كان يحدث عيب كبير حقا، وأرجوك أن لا تلح عليّ لأذكر أسماءهم، لأن ما حدث صار اليوم من الماضي ولا داعي لأحيائه، المهم أنني رفضت تلك الأمور وغادرت النادي برأس مرفوعة. أمضيت بعد ذلك في نصر حسين داي رغم أنه كانت لديك عروض من أندية كبيرة، فما سبب ذلك؟ في تلك الفترة وصلني عرض ممتاز من شبيبة بجاية وكان الرئيس طياب يصر عليّ كذلك، وصلني عرض آخر من إتحاد البليدة ومن الرئيس زعيم الذي عرض عليّ 700 مليون سنتيم لكنني رفضتها لأنني كنت أبحث فقط عن راحة البال، وفريق النصرية كان مثل الإتحاد تقريبا لا يوجد فيه ضغط كبير، كما أن ما كنت أفكر فيه أكثر هو أن لا أبتعد كثيرا عن عائلتي ولذلك أمضيت في النصرية رغم أن العرض المادي كان متواضعا ولا يضاهي ما اقترحه عليّ رؤساء آخرون. من هم اللاعبون الذين تعتز بصدقاتهم وما زلت على اتصال معهم لحد الآن؟ هناك عدة لاعبين سواء في المولودية أو في الإتحاد وأذكر منهم بلملاط، غول، حمدود، آيت طاهر، طبال لكن للأسف الأيام فرقتنا وأصبحنا لا نتبادل سوى الرسائل القصيرة في الأعياد والمناسبات. اليوم كل واحد رب عائلة ولديه مسؤولياته ولكن كما قلت كرة القدم عرّفتني بالرجال كما جعلتني أكتشف أمورًا يندى لها الجبين حقا. من هو المدافع الذي كنت تجد راحتك معك في المحور؟ أنا لست من اللاعبين الذين يفكرون بهذه الطريقة أو يتّكلون على الآخرين، كل ما كان يهمني هو أن أكون أنا في المستوى ولا أمرّ جانبا. اللاعبون الذين يلعبون إلى جانبي هم الذين كانوا يتّكلون عليّ ويرتاحون لما يجدونني حتى ولو يكن لاعبا من الأواسط أو الأشبال، سواء زغدود أو أيّ لاعب آخر، وهناك لاعبون شبان تعلموا معي وكنت أساعدهم كثيرا، والحمد لله أنهم يعترفون بذلك ويتصلون بي حتى الآن. وأودّ أن أضيف نقطة مهمة ذات صلة بهذا الجانب. تفضّل... الصفات التي كنت أحبّها في اللاعب الذي يشكل معي محور الدفاع هو أن يكون هادئا ولا يتكلم كثيرا، لأن اللاعب الذي تراه يثرثر قبل، أثناء أو بعد المباريات، فتيقّن أنه خائف ويريد أن يُبعد سهام المسؤولية عنه، هذا النوع من اللاعبين كان يفقدني تركيزي ويجعلني لا أدرى إذا كنت أؤدّي دوري أم أستمع إلى ما يقوله، وهنا تقع الهفوات. لكنك لم تجبني عن سؤالي؟ بصراحة، كنت أحب اللعب إلى جانب رابح دغماني لأنه كان لاعبا شابا ويعمل بنصائحي، لقد كنت أعامله مثل ابني الصغير، كنت أفكر في مستقبله مثلما يفكر الوالد في ابنه، لمّا يلعب إلى جانبي يلعب مرتاحا لأنه لمّا يلعب مع لاعبين آخرين يشتمونه “ويهبلوه بالعياط” إلى درجة أنهم “يتلفولو البالون”.. بعض اللاعبين لم يكونوا يرحمونه إطلاقا ولا يفهمونه أن اللاعب الشاب يتعلّم بالتي هي أحسن وليس بالصراخ. وحتى أوضح لكم أمرا مهمّا، أودّ أن أروي لكم قصة مهمّة. عن أي قصة تتحدّث؟ في سنة 97 واجهنا النصرية بملعب 5 جويلية، في ذلك الموسم كان دغماني مازال ينتمي إلى صنف الأواسط، ورغم أنني لعبت مدافعا أيمن ولعب دغماني مع زعدود في الرواق، إلا أنني ساعدته كثيرا وبقيت أمدّه بالنصائح على فترات متقطعة. أتذكر أن رابح أدّى يومها مباراة كبيرة جدا وجاء في النهاية وسلم عليّ، وحتى والده انتظرني في حظيرة السيارات وسلم عليّ هو الآخر. من هو المهاجم الذي كان يقلقك كثيرا لمّا تلعب أمامه؟ لا يمكن القول إنه يقلقني بمستواه ولكن بتحرّكاته الكثيرة، إنه عبد الحفيظ تسفاوت. نحن المدافعين لا نريد اللعب أمام مهاجم يتحرّك كثيرا ويرغمك على بذل مجهودات مضاعفة خاصة إذا طلب منك المدرب أن تفرض عليه رقابة لصيقة، ولا تترك أمامه مساحات، فعليك أن تبقى متمسّكا به حتى ولو يذهب إلى بيته. وهل لديك قصّة طريفة بخصوص مراقبتك لقلب هجوم معيّن؟ لقد كان ذلك في إحدى مبارياتنا أمام اتحاد البليدة بملعب هذا الأخير، كان لديهم خرخاش الذي كان القوة الضاربة في الهجوم، وطلب مني سعدي يومها أن أفرض عليه رقابة لصيقة ولا أتركه يتحرّك وظلّ يصرخ.. في إحدى المرات خرج اللاعب ليشرب الماء فخرجت معه، فنظر إليّ خرخاش وقال لي: “هذا ماشي بالون”، فقلت له: “عند الحق، حتى أنا راني كرهت حياتي”.. (يضحك طويلا ) من هو أفضل مدرب عملت تحت إشرافه طيلة مشوارك الكروي؟ لقد مررت على أكثر من مدرب طيلة مشواري الكروي لأزيد من عشر سنوات مع الأكابر فقط، ولكن أفضل مدرب عملت تحت إشرافه هو “الشيخ” رابح سعدان، إنه “شيخ” فعلا.. لما أرى الفلاّح، البقال، الميكانيكي يتكلمون عنه بالسوء وينتقدونه “نحبّ نبكي”، الرجل لديه دكتوراه وتجربة طويلة في الميدان، وأنا أتشرّف كثيرا لأنني عملت مع مدرب مثل “الشيخ” سعدان. هل نفهم من كلامك أنك كنت ضدّ الأصوات التي طالبت برحيل سعدان بعد الإقصاء من كأس العالم في الدور الأول؟ أنا لست ضد من كان ينتقد سعدان فقط، وإنما ضدّ أي مناصر بسيط ينتقد المدرب أو الطاقم الفني، لم أفهم كيف طالب البعض إن لم نقل الأغلبية برحيل سعدان بعد أن أهلهم إلى “المونديال”، صحيح أن روراوة والحكومة وقفا وراء المنتخب وخصّوه برعاية كبيرة، لكن سعدان هو من رسم الطريق إلى جنوب إفريقيا أحبّ من أحب وكره من كره. وأودّ أن أضيف نقطة مهمّة بخصوص سعدان. تفضل... بصراحة، هل كان هناك أحد يؤمن أن هذا المنتخب يمكنه الذهاب إلى جنوب إفريقيا بعد الخسارة الأولى في أول مباراة تصفوية في “داكار” أمام السنغال، لقد قالوا ل سعدان عند توقيع العقد إن هدفنا الرئيسي هو إعادة المنتخب إلى الواجهة الإفريقية بعد غياب عن دورتين متتاليتين وفقط، وبعد أن أعاد لنا سعدان الأمل وأهّلنا إلى كأس العالم، أصبحنا نطالبه بشيء أنا شخصيا كنت أراه شبه مستحيل وهو التأهل إلى الدور الثاني من كأس العالم. هذا يبيّن أن الاتحادية رضخت لضغط الشارع في النهاية لمّا أقالت سعدان، ولو قدّم هذا المدرب لنا ما قدمه في منتخب أوروبي لجدّدوا فيه الثقة وعلّقوا له وسام الاستحقاق. لكن الشعب الجزائري طالب بالتأهل إلى الدور الثاني بعدما لاحظ أن المجموعة في متناوله؟ لا يجب أن نفكر بهذه الطريقة لأن المنتخبات الكبيرة والأندية العملاقة لا تسطر أهدافها بالنظر إلى طبيعة منافسيها وحجمهم، بل إلى مقوّماتها وإمكانياتها. أسألكم بالله: هل كان لدينا منتخب قادر على المرور إلى الدور الثاني؟ يجب أن لا نكذب على أنفسنا، اللاعبون الذين يشكّلون النواة الأساسية للمنتخب محدودون جدّا، قد يقولون لي إنهم محترفون في أوروبا، وأنا أجيب هؤلاء: في أيّ أندية يلعبون؟ وهل يلعبون بانتظام في التشكيلة الأساسية؟ في فترة التسعينيات كنا نملك لاعبين أحسن منهم بكثير، ولولا الظروف السياسية التي كانت تمرّ بها البلاد وعدم إعطائنا الاهتمام نفسه الذي يلقاه لاعبو المنتخب الحالي لكنا نتأهّل إلى “المونديال” في كل مرة.. “الله غالب” الأمور لم تجر معنا كما كنا نتمنى.