إذا كان الحديث السياسي يطغى عندما يتعلق الأمر بالسودان منذ مدة طويلة، فإن كأس أمم إفريقيا للمحليين ستخرج البلد قليلا من الدوامة التي يعيش فيها، وتبعده قليلا عن الأحزان التي تسكن السكان ظاهرا أو باطنا، بعد أن صار مشروع تقسيم بلادهم واقعا معاشا عقب ظهور نتائج التصويت الأولية.. السودان إذن من الفترة الممتدة من 4 وإلى 25 فيفري، لن يكون فقط صراع شمال وجنوب، ولا درافور ولا عمر البشير ولا مجرّد سياسة وإنما كرة قدم أيضا، وهي الرياضة التي يعشقها السودانيون بجنون وولع غير طبيعي، حيث سيحضون بشرف استضافة كأس إفريقيا للمحليين على بلادهم. السودانيون جاهزون بطيبتهم لخدمة وفود 15 دولة "الهدّاف" وإيمانا منها بأهمية هذه الدورة سافرت مسبقا وكانت أول بعثة إعلامية أجنبية تحطّ في الخرطوم لتغطية حدث كأس أمم إفريقيا للمحليين، حيث وصل مبعوثا الجريدة في حدود الرابعة صباحا من يوم أمس، إلى مطار الخرطوم الذي زينت بعض أركانه باللافتات الإشهارية الترويجية للدورة. ويظهر أن السودانيين بطيبتهم جاهزون لخدمة الوفود القادمة من 15 دولة، بدليل العدد الكبير من الأعوان الذين كانوا في الخدمة رغم التوقيت المبكر لوصول رحلتنا. الرحلة من الجزائر إلى مصر غاب عنها الجزائريون وكان تنقل موفدي الجريدة من مطار الجزائر أولا عبر مصر في طائرة تابعة للخطوط الجوية المصرية (إيجبتي أير)، وهي الطائرة التي كان أغلب ركابها من المواطنين المصريين الذين يعملون في بلادنا، مع غياب شبه كلي للجزائريين الذين تنقلت مجموعة فقط منهم إلى مصر في شكل عبور"ترانزيت" إلى بلدان أخرى، خاصة بعد أن توقف أغلب الطلبة عن مزاولة دراستهم هناك عدا قلة لا زالت في جامعة الأزهر. الخطوط الجوية خفّضت أسعار التذاكر لكن دون جدوى وأمام هذه الوضعية وتراجع عدد المسافرين، خفضت الخطوط الجوية الجزائرية إلى درجة كبيرة أسعار رحلاتها من الجزائر إلى مصر، في محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها، ورغم أن سعر التذكرة صارت في المتناول، إلا أنه مع هذا لم يعد يدفع الجزائريين للسفر إلى مصر لأيّ غرض سواء للدراسة، أو السياحة أو للتجارة، وصارت طائرات الخطوط الجوية تسافر شبه فارغة حسب شهادة سيّدة جزائرية متزوّجة في مصر. من الصعب ترميم ما فسد في مبارتي القاهرة و "أمّ درمان" ويبقى الأكيد أن ما تلف بسبب مباراتي الجزائر ومصر في القاهرة أو في "أم درمان" لن يرمّم بسهولة، فعودة الأمور إلى نصابها لن تكون بالسهولة التي يتصوّرها البعض، فحتى ظهور الرئيس بوتفليقة مع مبارك على هامش القمة العربية الاقتصادية لم يغيّر شيئا، لأن السفر إلى مصر لم يعد يستهوي أحدا، حتى أن تواجدنا في الطائرة أثار فضول مصري يعمل في الجزائر لم يتردّد في أن يسأل عن سبب زيارتنا بلاده، قبل أن يخبرنا بانزعاجه من التلفزيون الجزائري الذي لا زال ماضيا في قرار منع بث الأفلام والمسلسلات المصرية، متمنيا أن يذيب إمضاء عودية في الزمالك شيئا من الجليد في علاقة شعبي البلدين. السودانيون يجزمون أن الدورة جاءت في وقت غير ملائم تماما وإذا كانت الدورة الثانية لكأس إفريقيا للمحليين برمجت سلفا وفي وقت سابق، فإنها جاءت في وقت غير مناسب نوعا ما بإجماع السودانيين بالنظر إلى الحراك السياسي القائم وانشغالهم بما يحصل في بلادهم، خاصة أن نتائج التصويت عن استفتاء الانفصال بالنسبة لسكان الجنوب سيعلن عنه يوم 9 فيفري القادم، أي بعد 5 أيام من انطلاق هذا المحفل، وهو ما يشغل بال السودانيين نوعا ما، وبدرجة أقلّ ما يحصل في مصر وتونس. أرادوا من خلال برمجتها العودة إلى الساحة القارية ولو أن الأكيد أن السودان التي فشلت في تنظيم الدورة الأولية لكأس إفريقيا للمحليين التي عادت شرف استضافتها لكوت ديفوار (مصر أيضا ترشّحت) بحثت من خلال هذا الشرف أن تعود إلى واجهة الأحداث الكبرى لأنها غائبة منذ سنوات عن الساحة، باستثناء تنظيم بطولة شرق ووسط إفريقيا للشبان التي أشرف على تنظيمها فريق المريخ السوداني. وزير الشباب والرياضة السابق كان ينادي بمنح التنظيم لمن أشرفوا على لقاء الجزائر - مصر ومادمنا بصدد الحديث عن التنظيم، فإن وزير الشباب والرياضة السابق محمد يوسف عبد الله كان يلحّ في تصريحاته الصحفية دائما أن توكل مهمة الإشراف على التنظيم وكل أمور دورة أمم إفريقيا 2011 إلى اللجنة التي تكفلت بإقامة مباراة الجزائر ومصر، بالنظر إلى النجاح الباهر الذي حققتها، بدليل خروج المباراة نظيفة فوق الميدان وخارجه، ولكن الوزير غادر وجاء آخره مكانه يسهر هذه الأيام صباح مساء حتى تمرّ الأمور بأفضل ما يرام. السودانيون فخورون بتنظيمهم أول كأس إفريقية ويبقى المؤكد أن السودان مع هذا وبالرغم من غيابه عن واجهة الأحداث الكبرى، إلا أنه يحتفظ بشرف إقامة أول دورة لكأس إفريقيا سنة 1957 على أرضه (السودان من بين الأعضاء المؤسّسين ل "الكاف)، وهو فخر يظهروه الكلّ سرّا وعلانية. فبعض اللافتات الإشهارية في الشوارع كتب عليها جملة: "أقيمت أول بطولة إفريقية في السودان باستاد الخرطوم عام 1957"، علما أن هذا الملعب هو الذي يحتضن مباريات "الخضر" في الدور الأول. السودان ستصبح دولتين عندما تواجه"الخضر" وكما سبق الإشارة إليه، فإن السودان يسير نحو الانفصال بدليل نتائج التصويت الأولية لسكان الجنوب الذي قال على الأقل 97 بالمئة منهم نعم للانفصال، وسيتم تأكيد ذلك يوم 9 فيفري القادم، وهو ما يعني أن السودان عندما تواجه "الخضر" في المباراة الثالثة لحساب الدور الأول سيكون في شكل دولتين، حيث سيواجه أشبال بن شيخة منتخب الشمال، في حين منتخب الجنوب سيكون بينه وبين البلد الذي انشقّ منه حدود برية فاصلة طولها 2000 كلم. البترول موجود في الجنوب فقط، و 92 بالمئة من صادرات السودان من النفط ولن يخسر السودان فقط خُمُس مساحته من خلال هذا التقسيم، ولكنه سيفقد الكثير من الناحية الاقتصادية على اعتبار أن صادراته 92 بالمئة منها من النفط، وهو الذي ينتج فقط في ولايات الجنوب، ولن يبقى للسودان سوى نسبة ضئيلة بالمئة كصادرات بعض المواد الأولية وهي وضعية معقدة للغاية، وإضافة إلى ذلك فإنه سيجد نفسه على الحدود مع 6 دول فقط عوضا عن 9. دولة جنوب السودان ستضمّ 12 مليون نسمة نصفهم غير مسجّلين وستحمل الدولة الجديدة تسمية دولة "جنوب السودان"، وهي الدولة التي قال وزير الإعلام والناطق باسمها أنها تضمّ 12 مليون نسمة، في حين أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن عددهم لا يزيد عن 6 ملايين، وهو ما يعني أن نصفهم غير مقيّدين في سجلاّت الحالة المدنية، بالنظر إلى غياب مظاهر التحضّر، الجهل وانتشار الأوبئة والأمراض في الجنوب المختلف تماما عن الشمال، حيث يدين أغلب سكانه بالمسيحية ويتكلّمون الإنجليزية وبعض اللهجات المحلية. وكان مسؤولو محافظة "جوبا" في ورطة كبيرة عندما زار المنطقة الرئيس المصري حسني مبارك قبل سنوات لأنها لا تتوفر على فنادق. ربع قرن من صراع شمال – جنوب.. و"الفاتورة" 2,5 مليون قتيل ودائما ووفق وزير الإعلام والناطق باسم الدولة الجديدة في تصريحات ليومية "الجمهورية" المصرية، فإن "فاتورة" القتال بين الجنوبيين والجيش السوداني بلغت 2.5 مليون وهو رقم مذهل، وكلّ هؤلاء سقطوا في فترة 27 سنة من الصراع الذي بدأ من خلال إيفاد الرئيس السوداني وقتها ضابطا في الجيش (جون ڨرنڨ) للتفاوض مع المتمرّدين، لكنه بدلا من إطفاء نيران الفتنة تحالف معهم وأسّس الحركة الشعبية لتحرير السودان التي وقعت في 2005 اتفاقية "نيفاشا" التي نصت أحد بنودها على استفتاء تقرير المصير لسكان الجنوب. في هذه الظروف التحدّي كبير ولكن الرغبة موجودة لدى الكلّ وتبقى هذه الدورة في هذه الظروف المتعارف بها من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بمثابة تحدّ كبير أمام السودانيين المطالبين بالنجاح في التنظيم، من أجل أن يحصلوا على شرف تنظيم دورات أخرى أكبر وأهمّ، كما هي فرصة لنفض الغبار والتأكيد أن السودان قادر على احتضان تظاهرات كبرى. حيث توجد الرغبة وسط سلطات الكرة من أصغر مسؤول إلى وزير الشباب والرياضية رغم نقص الخبرة. الشوارع لم تتغيّر مقارنة ب 2009 ولا شيء يعطي الانطباع أن تظاهرة كبرى منتظرة رغم أن وصولنا تصادف مع يوم الجمعة الذي تتوقف فيه الحركة في كلّ مدن وقرى السودان لأنه يوم مقدّس، يتوقف فيه كل شيء أكثر مما يحصل عندنا في الجزائر، إلا أن الشوارع لا تعطي أيّ انطباع أن هناك حدثا كبيرا في البلاد، حيث لم يتغيّر شيء بالمقارنة مع ما كان عليه الحال على هامش مباراة "الخضر" أمام مصر في نوفمبر 2009 عند زيارة آلاف المناصرين للخرطوم، كما أن حتى اللافتات قليلة لا تعطي الانطباع أن الحدث سيكون على بعد أيام. اللافتات قليلة، الترويج ضعيف، والتلفزيون لم يبث أيّ ومضة نقطة سوداء تحدث عنها بعض الصحف على غرار "الصدى" تتعلق بالترويج لهذه الدورة، حيث يبقى من الناحية الإعلامية ضعيفا للغاية، حتى أن التلفزيون الرسمي لم يبث إلى غاية أول أمس أيّ ومضة إشهارية لهذه الدورة، رغم أنه لا يفصل عن إقامتها سوى أسبوع، إلا أن الترويج لها يبقى لغزا ونقطة استفهام عن سبب عدم الإنفاق للترويج الإعلامي وإعطاء هذه المنافسة حقها من الاهتمام. شكوك حول جاهزية الملاعب وتسابق متواصل للّحاق إضافة إلى ذلك، فإن هناك شكوكا حول جاهزية الملاعب والفنادق في اليوم الذي تعطى إشارة الانطلاق، لأن "الهدّاف" وقفت على ورشة مفتوحة في ملعب الخرطوم، كما أن الأمور كذلك في مدينة مدني التي كان ملعبها محلّ تحفظات مبعوثي "الكاف" لا زالت الإصلاحات جارية، وفضلا عن ذلكم فإن الاجتماعات الأمنية التنظيمية متواصلة والكلّ في سباق من أجل اللحاق بالموعد، خاصة أن رئيس "الكاف" عيسى حياتو سيكون حاضرا بدءا من يوم الغد الأحد لتفقد كلّ شيء. ولع الجماهير وحبّها الكبير للكرة سينجحان الدورة والشيء الذي يمكن للسودانيين أن يتغلبوا به على كلّ النقائص هو ترحابهم الكبير، وحسن ضيافتهم والطيبة الكبيرة فضلا عن ولع الجماهير وتعطشها بكرة القدم. حيث يبقى السودانيون من أكثر شعوب العالم تعلقا بالرياضة الأكثر شعبية رغم تواضع مستوى منتخبهم وعدم امتلاكه سجّلا كبيرا، وهو التعطش الذي قد يجعل الجماهير تحضر بقوة إلى المدرجات في هذه الدورة، لأن نجاح أيّ منافسة متعلق أكثر بالإقبال الجماهيري. السودانيون لم ينسوا "أمّ درمان" وسيناصرون "الخضر" في المقام الثاني واكتشفنا أن الجمهور السوداني لا زال لم ينس ما فعله الجمهور الجزائري في "أم درمان" على بعد كيلومترات من الخرطوم، حيث نزلت الآلاف في الملعب وراء المنتخب الوطني وساعدته بقوة في التأهل إلى كأس العالم (بالإضافة إلى تواجد السودانيين بطبيعة الحال)، فالكلّ لا زال يشيد بإنجاز "الخضر" ووصلوهم إلى "المونديال" بذلك الإصرار والحرارة وحتى حماس الجماهير، ما جعل السودانيين يحتفلون أيضا بالتأهل وكأنه كان من نصيب منتخب بلادهم المسمّى "صقور الجديان". وعلى هذا الأساس، فإن الكثير من الذين تكلموا إلينا أشاروا إلى أنهم سيناصرون "الخضر" في الدورة في المرتبة الثانية بعد منتخبهم، ويتمنون لقاء الطرفين في مباراة النهائي. الحرارة مرتفعة ووصلت 30 درجة يوم أمس شيء لا بدّ من الإشارة إليه ويتعلق بالمناخ الذي يبقى مشكلا، على اعتبار أن درجة الحرارة بلغت يوم أمس 30 وكأننا في فصل الصيف، وقد أعلمنا أن المناخ كان ملائما إلى حدّ ما قبل يومين (حوالي 14 درجة)، ولكن درجة الحرارة عادت لترتفع بشكل كبير. وإذا علمنا أن "الخضر" سيلعبون أول لقاء لهم في الواحدة والنصف زوالا في مناخ كما شاهدنا يوم أمس، فإن ذلك ما يعتبر مشكلا حقيقيا سيؤثر كثيرا في رفقاء جابو. ---------------------------------------- منتخب السودان تدرّب في ملعب الخرطوم رغم الأشغال رغم أن الأشغال قائمة على قدم وساق في "الخرطوم ستاديوم" الذي يعتبر بمثابة ورشة حقيقية للّحاق بموعد الافتتاح، إلا أن المنتخب السوداني تدرّب عليه يوم أمس حصة خفيفة من أجل إزالة التعب بعد وصوله من العاصمة الزامبية "لوزاكا" أين كان هناك في معسكر تحضيري استعدادا للدورة. ولم تدم الحصة أكثر من 40 دقيقة وكانت خفيفة. "حياتو" منتظر غدا الأحد في السودان من المنتظر أن يصل رئيس "الكاف" عيسى حياتو غدا الأحد القادم إلى السودان من أجل تفقد المنشآت ومدى استعداد السودان لاحتضان الدورة الثانية من كأس إفريقيا للمحليين . كما من المنتظر أن تعقد "الكاف" بحسب مصادر صحفية سودانية اجتماعا برئاسته يوم الأربعاء.