هو واحد من الرعيل الأول للمدربين في الجزائر، عمل في العديد من الأندية الجزائرية مثل إتحاد العاصمة، شباب بلوزداد، إتحاد عين البيضاء، أولمبي المدية وشباب باتنة الذي كان آخر ناد يشرف عليه في الجزائر سنة 1997، فيما كان منتخب أقل من 17 سنة آخر فريق دربه قبل أن ينسحب بالتدريج ويتحوّل حاليا إلى دور الملاحظ... بلقاسم مقدادي، وبالإضافة إلى كل هذا، كان مساعدا للمدرب الوطني رابح سعدان خلال فترة إشرافه على المنتخب ما بين 1984 و1986 ويعرف كل كبيرة وصغيرة ميّزت تلك المرحلة، “الهدّاف“ نزلت ضيفة عليه بمنزله في شرشال وكان معه هذا الحوار الخاص. -------------- “فرڤاني لم يكن يستحق حتى المشاركة في دورة مصر.. ولا أحد من المغتربين وعلى رأسهم بن مبروك كان يستحق كأس العالم” “أرفض التجنيس واللاعبين نصف جزائريين، الجزائر لديها سيادة ولابد أن يمثّلها لاعبون جزائريون 100 %“ -------- إختفيت عن الساحة الكروية منذ سنوات ويهمنا مثل ما يهم كثيرين أن نعرف ماذا فعلت خلال السنوات الماضية، وهل هو التقاعد الكروي بالنسبة لك؟ صحيح أني إبتعدت كثيرا عن الساحة الكروية خلال السنوات الماضية، فآخر ناد أشرفت عليه في الجزائر كان شباب باتنة الذي وصلت معه إلى نهائي كأس الجمهورية الذي خسرته مع فريقي السابق إتحاد العاصمة سنة 1997، بعدها تحوّلت إلى العمل في السعودية وليبيا ولا أخفي عنكم أن تلك التجربة كانت مفيدة جدا بالنسبة لي من الناحية المالية لأني لم أكن أحقق الكثير في هذا الجانب خلال السنوات الطويلة التي قضيتها في تدريب الأندية الجزائرية ومختلف المنتخبات الوطنية، بعدها أشرفت على منتخب أقل من 17 سنة خلال العهدة الأولى ل روراوة، لكني لم أبق طويلا بسبب ظروف العمل، فانسحبت وفضّلت أخذ موقف الملاحظ والمتفرّج على ما حدث ويحدث حاليا في الساحة الكروية الجزائرية. وهل قرّرت التقاعد نهائيا أم أنك تُعوّل على العودة إلى التدريب؟ أنا مستعد للعمل مجدّدا في الأندية الجزائرية، لكن لدي شروطي ليست بالضرورة مادية بقدر ما هي متعلقة بالعمل والتسيير، لكن على ضوء الفوضى التي أراها في تسيير الأندية والمرض الذي ينخر الكرة الجزائرية وكيف استولى من لا علاقة لهم بالكرة على تسيير أنديتنا فلا أتصوّر نفسي مجدّدا مدربا في الجزائر وأفكّر مليا في التمتع بحياة التقاعد هذه والإهتمام بأسرتي وأبنائي الذين تغرّبت كثيرا لأجلهم في السنوات الماضية. قلت إن آخر تجربة لك كانت مع منتخب أقل من 17 سنة، هل هي التجربة التي أوصلتك إلى قناعة بأن كرة القدم الجزائرية مريضة؟ هي التجربة التي أكدت لي أن كرتنا تعاني مشكلا عويصا في التسيير، فنحن نفتقد إلى الرجال الأكفاء الذين عرفتهم الجزائر في السابق... مع منتخب أقل من 17 سنة الأمور لم تسر بشكل جيّد لأن المسؤولين في “الفاف“ وقتها لم يريدوا ذلك، كنا نُشكّل مجموعة واحدة من المدير الفني حميد زوبا، ماجر، سرباح، بوعراطة وبن يلس وبدأنا بتحقيق نتائج جيدة جدا على غرار نتائج منتخب أقل من 17 سنة عندما وصلنا إلى المباراة النهائية في دورة باريس بعد أن تجاوزنا أفضل المنتخبات، لكن لم يكتب لنا أن نستمر طويلا حيث قرّرت تقديم إستقالتي بعد أن تمت تنحية المدير الفني حميد زوبا وبعد أن تمت تنحية رابح ماجر بطريقة تعسفية من على رأس المنتخب الأول وهو الأمر الذي لم أتقبله تماما وقتها، هنا أفتح قوسا لأقول إنه لابد من وضع لوائح وقوانين تنظم علاقة “الفاف“ مع المدربين في مختلف مناصبهم. لكن روراوة حاليا يُصنّف في خانة أفضل المسيّرين الذين عرفتهم الكرة الجزائرية بعد أن قاد المنتخب الوطني إلى التأهل إلى نهائيات كأس العالم؟ يجب أن لا تكون النتائج هي الشجرة التي تغطي الغابة، صحيح أننا تأهلنا إلى كأس العالم، لكن علينا أن نطرح السؤال التالي: هل تعتقدون أن هذه النتائج ستستمر في المستقبل، إلى حد الآن لسنا قادرين حتى على تحديد العناصر التي ستشارك في المونديال المقبل، نحن الآن تحت رحمة ما تكوّنه لنا مدارس التكوين الفرنسية، فالفضل يعود لها في المقام الأول، هل الجزائر غير قادرة على تكوين لاعبين في مستوى اللاعبين القادمين من أوروبا!؟ والآن أقولها وبصوت عال، إذا عجزت الجزائر عن تكوين منتخب يخرج من البطولة المحلية، فمن الأفضل أن نتوقف تماما عن ممارسة كرة القدم. المعطيات تغيّرت الآن، بطولتنا ضعيفة ولا تنجب لاعبين في المستوى. لا أرى ذلك، المعطيات نفسها، وإلى حد الآن أرى أن هناك لاعبين لا بأس بهم، تابعت مؤخرا لاعب إتحاد الحراش جابو هو لاعب لا بأس به، لو أتحدث عن اللاعبين المحليين أقول إنني لم أفهم بعد سبب إبعاد لاعب مثل زاوي، فهو مدافع جيد .. لا أفهم سبب الإقبال على اللاعبين المكوّنين في أوروبا مهما كان مستواهم أو مستوى الأندية التي ينشطون فيها، لست ضد هؤلاء هم جزائريون أيضا، لكن لأجل تكوين منتخب قوي لابد من أن يكون لدينا لاعبون موجودون دائما تحت تصرّف المنتخب وهذا لا يكون سوى مع اللاعبين المحليين... المغتربون لن نرفضهم، لكن لابد أن يكونوا من المستوى العالي فقط. سعدان عاين مؤخرا لاعبين من الدرجة الثانية الفرنسية، على غرار مايكل فابر وياسين براهيمي، الأول كما ترى إسمه ليس عربيا والثاني صرّح بعدها أنه ليس متحمّسا للمنتخب الجزائري، هل ترى أن سعدان فعل عين الصواب لما تنقل لمعاينتهما؟ أكيد أن سعدان أخطأ لما تنقّل لمعاينة حارس من الدرجة الثانية الفرنسية، ما حدث غير مقبول تماما ولا أعتقد أنّ الجزائر لا تملك حراسا في المستوى حتى نذهب إلى البحث في أندية مغمورة مثل كليرمون فوت. سعدان دعا أيضا إلى كسر الحواجز وأبدى إستعداده لأجل ضم لاعبين ليسوا جزائريين 100 % أو يتم تجنيسهم حتى أنه يستعد لضم لاعب من أصول تونسية مع مدافع بولون حبيب بلعيد وآخر من أصول كونغولية هو الحارس مبولحي. سمعت كلامه عن تجنيس اللاعبين، بالنسبة لي إذا عجزنا عن تكوين منتخب يُمثّل بلدنا فعلا، فمن الأفضل لنا أن ننسحب تماما... أعلم جيدا أننا في عصر العولمة لكن العولمة يجب أن لا تمتد إلى الثوابت الوطنية، أنا لدي الغيرة على بلدي، الجزائر يُسيّرها رئيس وحكومة جزائرية ولا بد من أن يمثلها لاعبون جزائريون تماما. في مكان سعدان، هل كنت توجه الدعوة إلى بلعيد؟ من المستحيل أن أفعل ذلك لو كنت بدل سعدان، أنا لا أفهم سبب البحث بعيدا في الوقت الذي نملك مدافعين جزائريين في المستوى حتى في بطولتنا المحلية، هذا الإعتماد الأعمى على اللاعبين القادمين من أوربا سيضعف تماما من شأن الكرة الجزائرية لأن اللاعب المحلي سيفقد أي حافز أو رغبة في العمل مادام أنه صار يدرك مسبقا أن لا أمل له في الدفاع عن ألوان بلده والمشاركة في المسابقات القارية والدولية... صرنا وكأننا مستعمرين من فرنسا مجدّدا ولو بطريقة غير مباشرة، الجزائري “نحّاوه” وأقصى أمانيه صارت تشجيع المنتخب ورفع الأعلام “اللعب خلاص عليه“، بدليل إبعاد المحليين مؤخرا وفي مقدمتهم زاوي. حاليا اللاعبون المغتربون يُشكّلون الأغلبية الساحقة في المنتخب، برأيك ما هي النسبة المثلى لهم في المنتخب؟ أقول إن المنتخب الوطني لابد أن يتشكّل عماده من اللاعبين المحليين، فمثلا لو نأخذ قائمة 23 التي ستذهب إلى المونديال من المفترض أن لا يقل عدد اللاعبين المحليين فيها عن 19 لاعبا مع أربعة لاعبين مغتربين يكونون من أعلى مستوى. تقول مثل هذا الكلام، رغم أنك مع سعدان لما أشرفت على المنتخب الوطني لم تجد حرجا في توجيه الدعوة للاعبين مغتربين لم يشاركوا في تصفيات المونديال، على غرار بن مبروك، حركوك وغيرهما وأبعدتم لاعبين محليين من أعلى مستوى. ما حدث في مونديال 1986 مع إبعاد مجموعة من اللاعبين المحليين وتعويضهم باللاعبين المغتربين حدث أيضا في مونديال إسبانيا، لكن لا أحد تكلم لأن النتائج كانت أفضل على العموم... في مونديال إسبانيا تم ضم بعض الأسماء المغتربة على حساب لاعبين خاضوا كامل مشوار التصفيات، ما حدث كان بسبب تداخل المصالح السياسية في تسيير المنتخب الوطني، السياسيون وقتها كانوا يُريدون منتخبا يمثّل الجزائر في الداخل والخارج بالتالي كان لابد من منح ما أسمّيه “كوطة” للاعبين المغتربين في المنتخب ولو على حساب من هم أحق، هذه “الكوطة“ كانت مفروضة والآن هي أكبر حجما مما كانت عليه... بالعودة إلى مونديال 1986 يجب القول إنّ السياسيين لم يتوقفوا عن التدخل من أجل فرض المغتربين في المنتخب، بل فرضوا علينا حتى في الطاقم الفني مع تعيين دحلب وجداوي اللذين سقطا علينا من السماء وكنا وسعدان للأسف آخر من يعلم، أنا شخصيا أعلمني بالأمر صحفي من جريدة “ليكيب“ الفرنسية جاء إليّ وطلب مني لقاء المدير التقني للمنتخب الوطني مصطفى دحلب، وهو كلام يشعرك بأننا لازلنا مستعمرين من فرنسا ولو بطريقة غير مباشرة... ضم المغتربين كان مطلبا لاحقنا دائما، مرة طالبونا بهم بعد أن حققنا التعادل أمام إيندوفن الهولندي، بالتالي لابد من وضع حد لنظام “الكوطة“ ولابد لنا من مسيرين يعرفون تاريخ الجزائر وما حدث في السابق، وماعدا ذلك لقد كان هناك تداخل كبير في الصلاحيات، أنا شخصيا كنت مستقيلا قبل المونديال وأردت الإنسحاب بعد الذي حدث في كأس إفريقيا في مصر لما تم فرض أمور علينا لم أتقبّلها. ----------- “السياسيون كانوا يفرضون كوطة المغتربين ولو على حساب المنتخب ودحب مع جداوي سقطا علينا من السماء في المكسيك” مثل ماذا؟ مثل فرض لاعب لست ضده، لكنه لم يكن لديه المستوى لكي يذهب معنا إلى كأس إفريقيا وأقصد علي فرڤاني، لقد تخاصمت مع رئيس الإتحادية وقتها دومار بسببه، رغم أنه كان في نهاية مشواره، وأذهب بعيدا لأقول إن الضغوطات عليّ أنا وسعدان تعود إلى المباريات التصفوية وأذكر أن أحد الشخصيات الفاعلة جدا في تلك الفترة جاء مرة ليزورنا عشية تنقلنا إلى تونس لمواجهة المنتخب التونسي، وهذا في ساعة متأخرة جدا، حوالي منتصف الليل، في فندق 5 جويلية وأيقظنا من النوم لكي يستفسر عن حال المنتخب وقدرته على الفوز في تونس، ودون أن أذكر الإسم، هذا المسؤول كان أكثر ما يهمه هو أن يثبّت تألق المنتخب مكانه في الحكم لا أكثر ولا أقل. هل شاركت مع سعدان في تحديد قائمة 22 التي ذهبت إلى المونديال؟ ليس تماما، سعدان كان أعلم مني بما كان يحدث، والخبر وصل إليّ فيما بعد. لا أخفي عليك، لقد عارضت بشدة تواجد اللاعبين المغتربين الذين تمت إضافتهم بنظام “الكوطة“ كما قلت، وبعد مرور كل هذه السنوات أقول إن لا أحد من أولئك اللاعبين كان يستحق اللعب في المونديال لا مجادي ولا حركوك وأولهم بن مبروك، لأننا كنا نملك من هم أفضل منهم، بالإضافة إلى المشاكل التي سبّبوها لنا بتساؤلهم الدائم عن المنح، على عكس لاعبينا المحليين، وحتى الذين احترفوا فيما بعد كان همهم الأول تشريف الألوان الوطنية. من تراه أكثر لاعب تعرّض إلى الظلم من الذين تم إقصاؤهم؟ أقول حسين ياحي، ربما كان يستحق أن يكون في المونديال، لكن كما قلت أطرافا في السلطة سعت بكل قوة لإقناعنا بضرورة تواجد اللاعبين المغتربين حتى نضمن تمثيل كاملا للجزائريين داخل الوطن وخارجه. هل تعتقد أن سعدان سيعمل بأكثر راحة هذه المرة وسيكون سيد القرار؟ لست أدري، لأني أعرف حقيقة مؤكدة وهي أن علاقة روراوة مع سعدان لم تكن أبدا جيدة. وما الذي يجعلك تقول مثل هذا الكلام؟ خلال الفترة التي عملت فيها مع روراوة خلال عهدته الأولى أذكر أن سعدان أراد الإنضمام إلى العمل معنا في المديرية الفنية وعرضنا الأمر على روراوة، لكنه رفض رفضا قاطعا بمجرد أن سمع إسم سعدان لأتفاجأ بعدها بتعيينه على رأس المنتخب الوطني، وبعد أن عاد روراوة ها هو يجد سعدان مدربا بقوة النتائج التي حققها .. التعايش تم إلى حد الآن، لكنه مستحيل، صدقني أنا أستغرب كيف يتعاملان ويتعايشان في وقت أعرف أنهما على خلاف تام وهذا ما يجعلني متخوّفا. أنت الذي عملت مع سعدان لأكثر من عامين في المنتخب الوطني ما بين 1984 و1986 كيف يمكن أن تصفه؟ سعدان إنسان طيب بأتم معنى الكلمة وحساس و“عاقل بزّاف“، ومن ناحية العمل أعتقد أني في موقف جيّد لأحكم عليه، لقد عرفته منذ أن كان طالبا في creps من يومها كان يبدو متفوّقا على البقية، هو يعمل بإخلاص وتفان والنقطة الإيجابية التي تحسب له أنه لا ينفرد بالرأي ويستمع دائما لأراء مساعديه، وأذكر أكثر من مرة كيف راجع قراراته بعد أن تدخلت أمامه وبالخصوص في أمر المدافع صادمي الذي كان بصدد القيام بكارثة في حقه بإبعاده عن مباراة تونس وأقنعته بالعدول عن رأيه... كثيرون يقولون إن هدوءه يجعله غير قادر على التحكّم في المجموعة واللاعبين، وهو ما يزعجني، لأننا لسنا في الغابة وليس مفروضا على مدرب أن يكون قويا وقاسيا حتى يكون مدربا جيّدا. لا أقول إنه لا يُخطئ، لكن الأخطاء التي ارتكبت في حقه وحق أسرته أكبر... سعدان ظُلم كثيرا قبل مونديال 1986 وبعده والكل يذكر ما عانى منه وأسرته بعد عودتنا من المونديال، وآخرهم محمود ڤندوز الذي قرأت له تصريحات كثيرة في حق سعدان والذي أطلب منه الإلتزام بالصمت لأنه كان دائما عنصرا مشاغبا والحقائق الذي يقول إنه كشفها، كان عليه أن يكشفها في وقتها وليس الآن. هل تعتقد أن سعدان يعمل بأكثر راحة مما كان عليه سنة 1986؟ أتمنّى ذلك، المسؤولية التي يحملها ثقيلة وكان اللّه في عونه. ما هي النصيحة التي يمكن أن تقدمها له الآن؟ أن يختار اللاعبين الأفضل، وأركّز هنا على اللاعبين المغتربين، وأن ينسحب مباشرة بعد المونديال لأنه حان الوقت من أجل التوقف. كيف ترى حظوظ منتخبنا في المونديال؟ حظوظنا قائمة وبإمكاننا إحداث المفاجأة وهذا ما نتمنّاه. ماذا تقول في الأخير؟ أقول إنه لابد من الإهتمام بالقاعدة وهي الكرة المحلية وهنا أفتح قوسا وأتحدث على أندية إختفت، رغم كل الإمكانات التي توفّرها، وفي مقدمتها إتحاد عين البيضاء الذي دربته وأوصلته في منتصف التسعينيات إلى كأس إفريقيا مع زغدود، خرخاش والبقية، فهو فريق يملك كل الإمكانات البشرية وهياكل رائعة مع ملعب ممتاز، لكنه يفتقد حاليا إلى مسيّرين أكفاء مثل الراحل بن بودريو، وهذا هو المشكل العويص الذي نعاني منه، أنديتنا تتحكم فيها “مافيا المصالح”، وفي الأخير أجدد ما قلته: إذا لم نقدر على تكوين لاعبين يشكّلون منتخبا يُشرّف الجزائر، فمن الأفضل أن نتوقف تماما.