الجميع يعرف بوڤرة لاعب كرة قدم، لكن القليلين من يعرفون الجانب الآخر لصخرة دفاع الفريق الوطني ونادي “ڤلاسڤو رينجرز” الأسكتلندي... “الماجيك” أفرغ كلّ ما في جعبته بكل صراحة حول حياته وطفولته في حي “ديجون”، بدايته مع كرة القدم وأشياء كثيرة طريفة لا تعرفونها عنه... ودون إطالة، لكم أن تتعرّفوا على بوڤرة هذا الرجل... “زياني هو الذي تحدث عني مع والده والمناجير بولا وساعداني كثيرا لأحترف في بريطانيا“ “كانت جدتي ووالدتي تقولان لي دائما : هناك نجمة تسطع فوق رأسك، أفعل ما شئت في حياتك وستنجح أينما تذهب“ “كنت متفوّقا في الرياضيات وضعيفا في الفرنسية والعرب هم الذين أبدعوا في الهندسة والجبر“ “والدي كان يمتهن طلاء العمارات،لكن مشكلة صحية أرغمته على التوقف عن العمل... أما والدتي فقد كانت ربة بيت“ “لم أكن أتسامح مع من يظلمني وفي حجوط أحدهم أصابني بحجر في الرأس وتخيّلوا كيف كانت النهاية“ “لديّ مستوى بكالوريا زائد عامين دراسة ودرست الإعلام الآلي“ “أصدقائي كلهم فخورون بي وهم من جلبتهم معي في حفل الكرة الذهبية ل الهدّاف“ هل لك أن تحدّثنا قليلا عن مرحلة صغرك، وهل كانت صعبة كباقي المغاربة في فرنسا؟ (يضحك)... لن أقول هنا إلا حماقات، وأكيد سيضربني والدي، لا أنا أمزح فقط، لقد كانت مرحلة الصبا في حي به سكنات ذات كراء معتدل (HLM)، يعني به كثافة سكانية، وأعتقد أن الجميع يعرف الحياة كيف هي في مثل هذه الأحياء. ولكن الحمد لله لم يكن ينقصنا شيء، لأن والدتي وأبي كانا إلى جانبنا، وحاولا تسيير الأمور وفق ما يملكانه من إمكانات، والأمر المهم هو أنهما ضمنا لنا أهم شيء وهي التربية السليمة. كيف كانت يومياتك؟ كانت مختلفة بعض الشيء عن الآخرين. فالحي الذي أسكن فيه لم يكن يساعد، ولهذا كان عليّ مضاعفة العمل مرتين مقارنة بالفرنسيين للخروج من الحالة التي أنا عليها، وهكذا تسير الأمور بطبيعة الحال في فرنسا. ماذا كان يشتغل والدك؟ كان يمتهن طلاء العمارات في القاعدة، ولكن مشكلة صحية وقعت له أرغمته على التوقف عن العمل ليجد نفسه في البطالة. أما والدتي فقد كانت ربة بيت، وكانت لها أمور كثيرة تشدّها طالما أنها كانت تهتم بتربية خمسة أطفال. كيف تصرّفتم مع البطالة وخمسة أطفال؟ الفضل طبعا يعود إلى والدي. فقد قام بواجبه وأكثر حتى لا يشعرنا أننا في حالة مادية سيئة، فقد كان يتصرّف ويتدبّر أحواله ليعيل العائلة، كان يشتغل مرّة يمينا ومرّة شمالا ليضمن نهاية الشهر. أنا أتصوّر الأشغال الشاقة والتعب الشديد الذي كان يعانيه والدي من أجلنا، ولهذا أنا اليوم أكنّ له احتراما وتقديرا كبيرين، لأنه ليس من السهل أن تربّي وتعيل خمسة أطفال حينما تكون بطالا. ماذا يفعل إخوتك وأخواتك؟ نحن ثلاثة إخوة وأختان. سهيل ورابح متزوجان ولديهما أطفال، الحمد لله سهيل يعمل في بلدية “بوردو” وهو أيضا رياضي في كرة السلة، أما رابح فهو مسؤول في مؤسسة نزع “الأميونت”. أما الأخت الصغرى فهي تشتغل بالبنك، وأختي الكبرى متزوجة وربّة بيت. كان باستطاعتك أن تلعب كرة السلة نظرا لطول قامتك مثل شقيقك سهيل، أليس كذلك؟ بلى، ولكن ليست لي أي علاقة مع كرة السلة. فقد اتبعت طريق والدي، لأنه كان رياضيا يمارس كرة القدم، لم يلعب أكيد في المستوى العالي، ولكنه شغوف بكرة القدم، ولدينا أيضا صور له. هل كان مدافعا مثلك؟ لا لقد كان مهاجما، وللتحديد أكثر كان يشغل منصب وسط ميدان هجومي، فهو من زرع فيّ حب كرة القدم. نفهم من هذا أنه بذل كل ما في وسعه لتنجح في مسيرتك كلاعب كرة قدم، أليس كذلك؟ بالطبع، كان يتابعني باهتمام بالغ، فقد كان يتبعني صباحا ومساء. ألم يحاول أن يصنع منكم ثلاثة لاعبين لكرة القدم؟ لا، هذا كان معي فقط، ولا أعرف السبب لماذا لم يفعل ذلك مع إخوتي الآخرين، وهو سؤال يمكنكم توجيهه لوالدي. ربما كان يشعر أنك ستنجح في مسيرتك؟ لا أعتقد ذلك، ولكن مادمت أعشق كرة القدم، فقد رمى بكل ثقله مع ابنه الصغير. كان يصحبني كل يوم إلى التدريبات ويوم الأحد صباحا كان يحضر لمشاهدتي كيف ألعب وفي المساء يعيدني إلى البيت. لقد كان يقوم بمجهود شخصي كبير معي.. وإذا كنت جادا كثيرا في كرة القدم فهذا بفضل والدي، لأنه هو من كان يحفّزني على الذهاب لأتمرّن وألعب. وكان أصدقائي لا يحبّون كثيرا الذهاب للتدريبات، ولهذا ترى نفسك دون أن تشعر تقوم بالفعل نفسه مثل أصدقائك، ولكن والدي كان دائما حاضرا ليرافقني إلى التدريبات، بل كان متشدّدا جدا معي، فقد كان يريد بأي ثمن أن أصل إلى مبتغاي وأحقق نجاحا كبيرا. ففي بعض المرّات كنت أرى نفسي مرغما وكان حرصه عليّ شديدا، ولكن وعلى اعتبار أنه شغوف بكرة القدم فكان حريصا على عدم تركي وواصل الصبر معي.. وبكل صراحة فأنا اليوم مدين له بالكثير ولا يوجد أي شك في ذلك. كنت دائما تلعب في الدفاع؟ في البداية كنت مهاجما في صنف الكتاكيت، وبعدها عدت لأشغل مهمة صناعة اللعب، فقد كنت أحمل القميص رقم 10 وبقيت على ذلك إلى غاية السنة الأولى مع الأكابر. وبعدها عدت إلى الدفاع لأشغل منصب وسط ميدان دفاعي في نادي “ڤانڤون”. ولم أكن ألعب في حياتي من قبل في الدفاع، إلى غاية أن انتقلت إلى البطولة الإنجليزية. هنا نفهم الهدف الذي سجلته على طريقة مارادونا في البطولة الإسكتلندية، بمراوغتك العديد من المدافعين؟ (يضحك)... أنا ككل الجزائريين، نراوغ حتى في المهد حينما نكون صغارا. كما لا تنس أننا كلنا لعبنا في الشارع بالطريقة نفسها وهي المراوغات وتعلّم الفنيات في تجاوز المنافس، وهنا نتعلم كل التقنيات.. وأنا كبرت وأنا أحمل الرقم 10 في ظهري. الناس إذن لن تتفاجأ من هنا فصاعدا إذا شاهدت بوڤرة يهاجم ويسجّل؟ نعم، أنا أفضّل كثيرا الهجوم، وهي ثقافتي، ومن عادتي أحبّ المراوغات، أهاجم وأسجّل. فقد كبرت بهذه الذهنية الهجومية، وبشكل اعتيادي وجدت نفسي أقوم بذلك، بل حينما لا أفعل شيئا أصاب بخيبة أمل. وفي المقابل فأنا لاعب محترف وأعرف كيف أركز مع منصبي الدفاعي حينما يلزم الأمر. يجب أن تكون ملتزما وجديا كثيرا لتنجح في المستوى العالي.. بكل تأكيد.. فقد كان لي عدد كبير من أصدقائي كانوا يتمتعون بمهارات فنية وبدنية كبيرة، وقد كنت أتوقّع لهم مستقبلا كبيرا، ولكنهم لم يتجاوزوا الأقسام السفلى، وكنت أعتقد من قبل أنهم هم من سينجحون وليس أنا. هل لديك اسم لاعب كنت تعرفه ولم ينجح؟ أكيد، هناك الأخوان غاوير نصر الدين وعبد العالي على سبيل المثال، وهما جزائريان. لقد كانا لاعبين ماهرين بأتم معنى الكلمة، ولكن المكتوب لم يقف إلى جانبهما لمواصلة مشوارهما في المستوى العالي رغم الإمكانات والمهارات الفنية الكبيرة التي كانا يتمتّعان بها، فقد تركا كرة القدم وها هي النتيجة.. في كلّ العالم، لا يجب التراخي أو فقدان الأمل، ففي كلّ الأحياء تجد لاعبا جوهرة أو ظاهرة في كرة القدم، ولكن فيما بعد هناك الذهنية والأوضاع هي التي تحدث الإختلاف. ولهذا يجب دائما أن نبقى متمسّكين بحلمنا ونتحدّى الظروف والحواجز التي قد تواجهنا. ما الذي ساعدك على النجاح في مشوارك باللعب في المستوى العالي، الحظ أم ماذا؟ الفضل كله في نجاحي وتألقي يعود إلى والدي الذي بقي إلى جانبي ولم يتركني، وأيضا والدتي. أعترف دائما بالتربية وبركة الوالدة وهذا أهم شيء في نظري، وأقسم لكم أنني أقول الحقيقة.. أنا شخصيا أعرف أنه في الدين الإسلامي حينما يكون الشخص لديه بركة الوالدين وطاعته لهما فإن كلّ شيء يسير بشكل جيد، ولكن حينما لا تملك البركة والتربية السليمة لا تنتظر شيئا، كما أعرف أيضا أن دعاء والدتي لله أثناء صلاتها هو ما كان وراء نجاحي في كرة القدم. كيف تجسّد ذلك وهل كنت تشعر بما تقوله لك الوالدة؟ وما هو الشيء الذي جعلك توقن بكل هذا؟ قبل أن أكون لاعبا في كرة القدم، كانت جدتي ووالدتي تقولان لي دائما : “هناك نجمة تسطع فوق رأسك، أفعل ما شئت في حياتك وستنجح، فلديك نجمة ستنير لك طريقك أينما تذهب”. حينما نكون صغارا لا نفهم جيدا ما الذي يقال لنا أو ما هو المقصود بهذا الكلام، بل حتى درجة تقبلنا للأمر لا تكون بشكل واضح. كما كانت والدتي أيضا تقول لي: “لا تقلق يا مجيد، جدتك وأنا نصلي وندعوان لك بأن تكون حياتك مليئة بالنجاحات”. ولأننا مسلمون وكبرنا كذلك، نطرح أسئلة في الأمر.. الحمد لله، اليوم أقول إن دعاء والدتي وصلاتها ودعاء جدتي كان هاما في حياتي، لا أعرف كيف سيكون ردّ فعل الناس على كلامي هذا، ولكن بالنسبة لي يبقى الدعاء شيئا مهمّا في حياتي. حينما تتحدّث عن صغرك في “ديجون”، ماذا يقول لك الناس؟ الحمد لله.. كلهم فخورون بي، فهم أصدقائي الحقيقيون، ناصر، ماكان، مامادو وڤاري، وهم من جلبتهم معي في حفل الكرة الذهبية ل “الهدّاف” بالجزائر، فهم لا يستحون من القول لي عن الأمور التي لا تسرّهم، وأنا أثق بهم كثيرا وسعيد بذلك. حينما أكون معهم لا أشعر أنني لاعب كرة قدم، وأقسم لك بذلك، فحينما أعود إلى المنزل لا يتحدّثون معي أبدا عن كرة القدم، فنحن نتحدّث عن أمور خارجة تماما عن الكرة، ولم يسبق لهم أن طلبوا مساعدة مني، فهم ليسوا من النوع الذي يطلب أي شيء بسبب أو بغير سبب، وقد بقوا كلهم صرحاء وأوفياء مثلما كنت قبل أن أدخل عالم كرة القدم للمحترفين. فهم ما يزالون يقولون لي الأمور في وجهي كما هي ودون مخادعة أو شيء من هذا. إذن مع هؤلاء وعائلتك تشعر بالراحة؟ هذا أمر واضح، هنا أكون مجيد الحقيقي، أكون مجيد الذي لا يدرس حركاته أو تصرّفاته، بل أعيش حياتي بشكل عاد جدا. فمعهم أعيش الأمور عاديا كما كنت عليه في السابق. حياة عادية لا توجد فيها عدسات كاميرات، أو أضواء ولا أي شيء من هذا القبيل، وفيها أشعر بشبابي وحيويتي وقيمتي الحقيقية، لأني أعرف جيدا أنهم يحبّونني مثلما أنا، وليس كلاعب في كرة القدم. ولكن هذا لا يعني أنني لا أشعر بالراحة مع الأشخاص الذين ألتقيهم في الشارع ولا أعرفهم حق المعرفة، بل أنا أتحدّث فقط عن أصدقائي في الصغر، وهذا ما يعني أنني أتوق إلى الماضي، وهو كل ما في الأمر. ما هو المستوى الدراسي الذي بلغته؟ لديّ مستوى بكالوريا زائد عامين دراسة، فقد درست الإعلام الآلي، وكنت على وشك نيل شهادة “البرمجة” حينما وصلني عرض نادي “ڤانڤون”، ولكنني قمت بالإمتحان وفشلت فيه للأسف الشديد، لأن تركيزي كان كله مع العرض الذي قدّمه لي نادي “ڤانڤون“. هل أنت نادم اليوم بعد تضييعك الإمتحان؟ نعم، ولكن قليلا نوعا ما، لأنني قلت إنه كان هناك شك بألا أنجح في مشواري كلاعب محترف، والشهادة لو نلتها لكانت أنقذتني. كان بوسعي أن أنال الشهادة لنفسي طبعا، على الأقل لأعوّض بها التعب والدراسة لعام كامل خاصة وأني بقيت فيها مركزا على الشهادة، قبل أن يصلني عرض “ڤانڤون”.. وعلى كل حال فقد سارت الأمور في ما بعد بشكل جيّد والحمد لله. هل عرضوا عليك مباشرة عقدا احترافيا؟ لا، لقد وقعت في البداية على عرض بصفة لاعب هاو، ولكن في ناد محترف وهذا ما كان يهمّني لأضع قدمي فيه. وفيما بعد أثبت قدراتي بداخله أمام اللاعبين المحترفين. لماذا لم تسر الأمور معك بشكل جيّد في نادي “ديجون”؟ كانت الأمور صعبة في نادي “ديجون”. فقد كان هناك لاعبون كبار ينحدرون من أصول مهاجرة، عرب وأفارقة.. كما أن نادي “ديجون” لا يثق كثيرا في قدرات الأجانب. أضف إلى ذلك أن سكان “ديجون” لديهم ذلك الإحساس بالكبرياء. أما بالنسبة لي، فأرى أنه كان لي قدر محتوم في عدم اللعب في “ديجون”، وعلى اعتبار أنني ابن الحي فيمكن أن أجلب المشاكل، وهذا ما جعلني أغيّر الفريق. مغادرة “ديجون” كان منقذا لمشوارك الإحترافي، أليس كذلك؟ نعم، ولكن الشيء الذي أنقذني أكثر هو الرحيل نهائيا من فرنسا.. وعلى كل حال كان عليكم أن تكونوا مكاني لتفهموا الأمر أكثر. إذن يمكن أن نتصور شعورك حينها بالكآبة، أليس كذلك؟ لا ليس لهذا الحد. فقد قلت لك إن الأمر كان في منتهى الصعوبة وكان من الصعب عليّ أن أتقبّل مغادرة فريقي وتأكدت حينها أنه لما يكون اسمك مجيد، محمد أو مامادو فعليك أن تعمل وتجتهد أكثر من غيرك حتى تفرض نفسك ويحترمك الآخرون. لو بقيت مثلا في فرنسا هل كانوا سيلقبونك ب “بوڤي”؟ أنت تحلم لأنه إذا بقيت في “ڤونيون” مثلا لكنت الآن من بين لاعبي الدرجة الثالثة أو الرابعة، وبكل صراحة عانيت من مشاكل عديدة قبل وصولي إلى ما أنا عليه في الوقت الراهن، وبالنسبة للأجيال القادمة فأعتقد أنا أمورا كثيرا في صالحهم لأن العقليات في فرنسا بدأت تتغير، لكن الحمد للّه على ما أنا عليه في الوقت الراهن لأنه في نهاية المطاف المكتوب هو الذي قادني إلى إنجلترا حتى أكتشف أن هناك عالما آخر أحسن بكثير من فرنسا في مجال كرة القدم وعقليات أخرى متفتحة أكثر مما هو عليه الحال في ڤونيون. ما هو السبب الرئيسي وراء انتقالك إلى إنجلترا أو بالأحرى من المتسبب في ذلك؟ إنه “بولا” مناجيري والسيد رابح والد كريم. فقد كانا وراء انتقالي إلى إنجلترا وتكفّلا بكل الإجراءات. لا يمكنني أن أنكر أنهما ساعداني كثيرا وأنا ممتن لهما مدى الحياة، فقد أخرجاني من ڤونيون لما كنت في المنتخب الوطني للآمال، وحتى أوضّح أكثر فإن كريم زياني هو الذي تحدث مع “بولا” ووالده عني كثيرا. أين عرفت كريم زياني؟ في المنتخب الوطني لما كنا نلعب في صنف الآمال. من هناك انطلقت المغامرة مع “الخضر” إلى يومنا هذا، وهو الذي قدّمني إلى “بولا” ووالده اللذين تكفّلا بي وأحسنا توجيهي بفضل نصائحهما القيمة التي لا أزال أستفيد منها إلى اليوم. كنت حينها مثل الطفل الصغير، أليس كذلك؟ نعم، لكن كنت هادئا وطيبا بعض الشيء وكنت طفلا مولعا بحب لعبة كرة القدم. ومن حسن حظي أن والدي كان دائما خلفي ودعّمني في كل شيء يخص كرة القدم. وفي الدراسة، كيف كنت؟ كنت تلميذا منضبطا وجادا في كل شيء وكنت أحب أكثر مادة الرياضيات. كنت جادا في الدراسة؟ (ينفجر ضاحكا) نعم، العرب هم الذين أبدعوا في الهندسة والجبر هل نسيت ذلك؟ لا أكذب عليك أني كنت متفوقا على زملائي في مادة الرياضيات. وفي المواد الأخرى كيف كنت؟ في الفرنسية كنت ضعيفا أما في التاريخ والجغرافيا بالإضافة إلى الفيزياء فقد كنت أحسن بعض الشيء. هناك بعض الأسئلة الخاصة نرجو أن تجيبنا عليها بكل تلقائية ... تفضّل. هل كنت كثير التشاجر مع رفاقك؟ لم أكن أتسامح مع من يظلمني ولا أعود أدراجي فأنا مثل كل الجزائريين الذين يرفعون التحدي حتى وإن كان منهزما من البداية، وبما أنني كبرت في حي شعبي فكان عليّ أن أفرض نفسي حتى لا يتسلّط عليّ الجميع. ما هي أسوأ لقطة قمت بها في صغرك؟ جوكير (ينفجر ضحكا). سنلح عليك في مكان قرائنا الكرام الذين يريدون معرفة إجابتك فمن فضلك لا تخذلنا لأنهم يحبونك كثيرا. (ينزعج بعض الشيء) سأقول لك أمرا، في إحدى المرات وأنا صغير كنت في أرض الوطن وبالضبط في حجوط حيث كنا نجري لقاء في كرة القدم، وفي الأخير كما تعلمون تشاجرنا في الميدان وتفارقنا بعدها وعندما كنت ذاهبا في طريقي إلى المنزل فإذا بواحد من الأطفال يرشقني بحجارة ويصيبني في مؤخرة رأسي والبقية أتركك تتخيّلها (ينفجر ضحكا). وبعد ذلك بعد أن أخذوني إلى المستشفى ثارت أمي في وجه الطبيب لأنه أخاط جرحي مرتين وترك علامة خصوصية في رأسي. في ذلك الوقت هل كنت تحلم بأن تكون لاعبا محترفا في كرة القدم؟ لا، إطلاقا. فقد كانت لدي الرغبة فقط في لعب كرة القدم مثل كل الأطفال ولم أتصور أبدا أنني في يوم من الأيام سأصبح لاعبا محترفا في كرة القدم وفي هذا المستوى بالضبط. فقد كنت ألعب من أجل الترفيه كل يوم أحد لأنه يوم عطلة في فرنسا، وفي الجزائر أتذكر جيدا أننا كنا نلعب بكرة نصنعها من كيس للحليب وفيه مجموعة من الأوراق وكنا حينها نظن أنفسنا الأحسن في العالم وهو الأهم بالنسبة لنا حينها، ولم أضع في ذهني حينها أن كرة القدم ستكون المهنة التي أقتات منها. كيف أصبحت إذن لاعبا محترفا في كرة القدم وأنت الذي لم تضع هذا الأمر في ذهنك من قبل ولم تمر بمركز للتحضير؟ حتى لو لم أتكوّن في مركز للتحضير وبدأت ممارسة الكرة في سن العشرين، عندما اكتشفني الطبيب الرياضي ل “ديجون” السيد “ماريون”، وهو من كان وراء خطواتي الأولى في هذه الرياضة إلا أنني أصبحت أتدرّب بكل جدية في فريقي. وبما أن طبيب ديجون قرأ في الجريدة أنني أسجل أهدافا كثيرا فقد تحدث مع والده الذي كان مناجيرا في ڤونيون وقال له: “فلتذهب لمتابعة لاعب سيكون له شأن كبير في المستقبل”. وفي أحد الأيام جاء لمشاهدتي وتابع لقاءنا في المدرجات وأتذكر أنه كان هناك أخي وأبي كذلك وقدمت مباراة كبيرة حينها، ثم عاد بعدها مرة أخرى لمشاهدتي وكنت متوسطا وبكل صراحة لم يكن متحمّسا بما فيه الكفاية ورحل. دون شك أصابتك خيبة أمل، أليس كذلك؟ بعد ذلك حدث أمر غريب فمدرب “شالون ساون” الذي طلب مني عدة مرات اللعب في فريقه لكنني رفضت ذلك مرارا، لم ييأس وعاد ليطلب مني إجراء اختبار صغير حتى أقف على الحماس والأجواء الكبيرة الموجودة في فريقه، وبعدها طلب مني والدي قبول عرضه، وذهبت حينها وتفاجأت كثيرا لأنه حدثت لي معجزة لأن ذلك الفريق كانت لديه مباراة. لا تقل لي إنها كانت أمام فريق ڤونيون ... كلامك في محله فقد كان اللقاء أمام ڤونيون وأتذكّر جيدا أنني قدمت مباراة في منتهى الروعة من كل النواحي. وبعدها اتصل بي مسيرو ذلك الفريق وتحدّثوا مع والدي. وبعدها كل شيء سار في الطريق الصحيح، وهذه هي قصتي الكاملة مع مشواري الاحترافي مع ڤونيون. من بين كل اللاعبين الذين لعبت معهم في ديجون، هل هناك من نجح في الوصول إلى المستوى العالي؟ في ديجون لا أحد غيري، على الرغم من أن اللاعبين الماهرين كانوا موجودين بكثرة في ذلك الحي. وكما سبق أن قلت لك فإن مشوار لاعب كرة القدم فيه الكثير من الحظ. فيمكن أن تأتيك فرصة واحدة طوال حياتك وإذا أحسنت استغلالها فقد نجحت. بالتأكيد أن مسيري ديجون ندموا على عدم احترافك في فريقهم؟ في فرنسا الأمور مختلفة كثيرا عن بلدان أخرى، وبالخصوص في هذه النقطة بالذات. فهم لا يعترفون تماما بارتكابهم للأخطاء وهو أكبر خطأ يمكن للفرد أن يرتكبه. فقد كان هناك عدة لاعبين بارزين ينشطون معي في الفريق نفسه، وهم بكثرة من الجالية المغاربية، لكن لم يمنحوهم فرصا كثيرة للبروز. وفي بعض الأحيان بعض العرب يتصلون بي لأقدم لهم يد المساعدة وأنا أقوم بذلك دون تردد وكثيرا ما قمت بتوجيههم نحو أناس أعرفهم. في رأيك لماذا يفكرون بهذه الطريقة؟ هناك بعض الأندية لا تفضل الاعتماد على أبناء حيّها حتى لا يكون هناك أي ضغط عليها وتفضل كثيرا لاعبين قدموا من ضواح أخرى، وهي سياسة لا أظن أنها ستتغير لكن عليهم تغييرها في أسرع وقت. وأنا في أحسن وضعية لأقول لك ذلك، لأنني ألعب رابطة الأبطال الأوروبية في ڤلاسڤو وسألعب كأس العالم المقبلة لكن لم تكن لي حتى الفرصة من أجل اللعب كثيرا في “ديجون” فهذا مؤسف للغاية. لكن رئيس بلدية ديجون منحك ميدالية شرفية بعدها، فهل تعتبره أحسن ثأر لمن همّشوك؟ لا ليس بهذه الطريقة لأن رئيس البلدية ليس له أي دخل في كرة القدم. وعلى كل حال فذلك الرئيس لم يقم إلا بتكريم واحد من أبناء تلك المدينة الذي سطع بريقه في أماكن أخرى وتشرّفت كثيرا بذلك التكريم. وما رأيك في مسيري ديجون الذين همّشوك من قبل؟ أولئك لا دخل لهم في هذه القصة. لكن في السابق كان من الصعب عليّ أن أتقبّل الأمر حتى أنه من الصعب عليّ مسامحتهم خاصة أنني كنت ابن الحي وكان بودي التألق مع الفريق الذي أنتمي إليه وأحببته منذ الصغر. أتمنى فقط ألا يحدث للأجيال القادمة ما حدث معي لأنه من الصعب تجرّعه.