تشهد الساحة الفكرية والسياسية في الخليج والعالم العربي والعالم أجمع جدلاً مستحقاً حول تنظيم «داعش» الإرهابي المتوحش، ويتساءل كثيرون من أين جاءنا «داعش»؟ ما مرجعيته الدينية؟ وما مصادره فكرياً وسياسياً وحركياً؟ ومع بناء التحالف الدولي ضد «داعش» والذي تقوده الولاياتالمتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومعهما أربعون دولةً، تصبح هذه الأسئلة مستحقة وجديرة بالإجابة المتأنية التي تعتمد على العلم لا العاطفة، لأن كثيراً مما يطرح اليوم يراد به إدانة جماعة الإخوان المسلمين بتهمة العلاقة مع «داعش» من منطلقات متعددة، وتثير إما الراي العام عدة تساؤلات منها ماهو حقيقي وموضوعي ومنها ماهو وهمي وتأمري توجيهي للرأي العام، وطبعا هذه الأسئلة اشتركت فيها الأقلام الإعلامية و بعض المخابر البحثية والسياسية، ولاسيما مع حدوث أي عملية إرهابية ومع نشوء أي جماعة مسلحة بخلفية إسلامية، وهو سؤال ترك شبهات كبيرة وقراءات متعددة منها من يجيب بنعم ويستدل ببعض الحوادث والتصريحات، ومنها من يجيب بلا ويستدل كذلك ببعض المواقف والبيانات. ومع تنامي العمل الجهادي الإرهابي في الفترة الأخيرة في غير مكان من المنطقة العربية، من سوريا إلى تونس مرورا بالعراق ومصر وليبيا وغيرها، طرح إشكال دواعي تمدد التعبيرات العنيفة، وعلاقة جماعة الإخوان بالعنف المسلّح وهل عرفت الجماعة تغييرا في رؤيتها لمسألة الجهاد؟ وماذا "وفرت" للجماعات الجهادية الإسلامية الأخرى؟ وماذا يعني حرص الإخوان على عدم التورط في التغيير المسلّح أو الجهادي، أقصد في البلدان التي تعاني من الاستعمار ؟ وهل مايحدث في دول الربيع العربي التي تعرف فيها تسليحا للثورة مثل ليبيا وسورية والعراق واليمن اليوم من موقف جديد للإخوان في هذه المناطق، وماهي طبيعة الصلة بينها وبين تنظيمات مسلحة تختلف عن الإخوان في الفكرة والمشروع ؟ وقد زاد النقاش حول هذا الموضوع القضية انطلاقا من بعض التصريحات التي خرجت من بعض الشخصيات في الفترة الأخيرة حول علاقة جماعة الإخوان المسلمين بداعش، أحدها من أحد قيادات الإخوان الشيخ يوسف القرضاوي، الذي نشر توضيحا لكلامه الذي قال عنه إنه اقتطع وأول تأويلا غير سليم، أما الشيخ القرضاوي فقال إن (أبو بكر البغدادي) كان عضوا سابقا في جماعة الإخوان، وكان هذا التصريح الذي نقضه توضيح الشيخ يوما بعد انتشاره دليلا قويا عند الفريق الذي يقول بوجود العلاقة، وتواصل النقاش في هذه القضية ولكن بمنطق لا يخضع إلى الدليل المادي على إثبات أو نفي هاتين الفرضيتين. والعودة إلى طرح هذا السؤال في هذه الدراسة ليس المقصود منه تبرير مواقف الإخوان أو تضليل الرأي العام بدلائل ومؤشرات وبيانات وتصريحات القيادات الإخوانية أو من يتعاطف مع الجمعة، ولكن المقصود من هذه الدراسة هو بحث بعض مفاصل العلاقة بين مفهوم الإرهاب والعنف والجهاد من منظور مختلف، وفحص الأدلة التي يستند إليها القائلون بنعم والقائلون بنعم لمقاربة الإشكالية ليس من منظور الوقائع فقط، ولكن من منظور الخلفيات التي تقف وراء الفريقين، وكيف يمكن أن نصل في النهاية إلى تنقيح مناط القضية في اتجاه البحث عن الحقيقة ومعرفة ثوابتها ومتغيراتها في سياق كلي شامل لايقف عند الجزئيات، بل يراكمها ليصنع الصورة الكاملة تصويبا لأخطاء الإخوان التي تجعل فريقا من الخبراء يتهمهم بأنهم مصدر قلق سياسي استراتيجي في المنطقة، وتصحيحا للكثير من الأوهام والسخافات التي يحملها هذا الفريق أيضا، وكشفا لمنطق الاستخدام والاستثمار والتوريط الذي تسلكه بعض القوى الإقليمية لفرض هيمنتها على المنطقة العربية وجعل العالم الإسلامي ميدانا للصراع والنزاع ومعارك التلهية بين أبنائه باستمرار. وعند بحث الإجابة على هذا السؤال الاستفزازي للبعض، قد يعتقد القارئ أنني حسمت الإجابة في السؤال المركب والذي جمع بين مفردتين مركزيتين في الدراسة وهي داعش ورحم الإخوان، من منطق أن مجرد طرح السؤال بهذا الشكل ستتفرع عنه أسئلة ثانوية مضمونها : من هي داعش ؟ كيف نشأت ؟ماهي إيديولوجيتها الفكرية؟ من يمولها ويسهل لها الانتشار السريع في المنطقة؟ هل علاقاتها بالإخوان علاقة فكرية أم علاقة سياسية أو هي علاقة صفرية لاتكاد تجتمع على عامل من عوامل التشابه؟ هل داعش هي استمرار للقاعدة أم أنها منافس لها؟ وهل داعش التي تنتشر في العالم العربي ولاسيما في الدول التي تعرف اضطرابات سياسية مسلحة هي كم منسجم يخضع لأسباب تأسيس واحدة وقيادة واحدة تأمر فتطاع أم أن داعش العراق مثلا تختلف عن داعش سوريا وعن الفلول الداعشية التي تبايع البغدادي في العالم؟ ثم ماهو السر في أن أغلب منخرطي داعش خارج العراق من جنسيات متنوعة ومن أوروبا على وجه الخصوص؟ ثم لماذا المقارنة مع الإخوان؟ هل صرحت داعش و الإخوان عن طبيعة العلاقة بينهما حتى نطرح سؤال العلاقة؟ أم أن السؤال يستغرق إرادات سياسية فوقية تستخدمها القٌوى الإقليمية وتستثمرها القوى الدولية لفرض خيارات استراتيجية في المنطقة تكون فواعلها الأساسية داعش والإخوان، لاسيما بعد بروز القوة السياسية لهذه الأخيره في المنطقة وفي كل الاستحقاقات السياسية الشعبية ؟ثم هل يعني هذا أننا نقصد الإخوان المسلمين في كل المنطقة العربية والإسلامية، أم أن المقصود هو مقارنة داعش بإخوان مصر الذين اتهمهم قضاء الانقلاب بالحركة الإرهابية؟ وهل هنالك فعلا مدرستان داخل الإخوان المسلمين واحدة تنهل من فكر الإمام البنا والأخرى تنحت من فكر سيد قطب رحمهما الله جميعا؟ وماهو الفرق بين المدرستين إن وجدتا ؟ ثم مامدى صدقية الدعاية الإعلامية المصرية العملاقة التي تستهدف جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتحرش عليهم في كل العالم بغرض صياغة تحالف دولي ضد الإخوان أو بالأحرى ضد فكر الإخوان المسلمين؟. يتبع…..