بعد الجماعة الإسلامية المسلحة والجماعة السلفية للدعوة والقتال والقاعدة ببلاد المغرب ها هي ذي "داعش" أصبحت منذ أكثر من سنة الهاجس الأمني الأول في الجزائر. إن جهاز الاستخبارات ركز على هذا التنظيم تركيزا غير مسبوق بل وقد استحدث ملفات شخصية لكل فرد مشتبه به يحتمل أن يكون من أنصار "داعش" النشطين أو الداعمين بالجزائر أو في دول الجوار. الأمن يتحرى في مخاطر قيام "الخلافة الإسلامية" على الجزائر أخذت مصالح الأمن الجزائري التهديدات الناجمة عن إعلان قيام الخلافة الإسلامية، وتنصيب خليفة دولة المسلمين، ومبايعة الشيخ المجاهد أبوبكر البغدادي على محمل الجد وباشرت تحريات واسعة لمعرفة مدى جاهزية عناصر التنظيم الجديد لاختراق بلدان مثل تونس وليبيا ومالي حيث الفوضى الأمنية تثير كل التوجسات. في حين يصدر المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي بالأردن، تقريرا يؤكد فيه أن نحو 500 جزائري يقاتلون في صفوف تنظيم ما يسمى "داعش" الارهابي بالعراق، إلى جانب 300 جزائري آخر يقاتلون في صفوف ما يسمى "جبهة النصرة" في سوريا أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف بالاسم المختصر "داعش" عن قيام "الخلافة الإسلامية"، وبايع التنظيم زعيمه أبو بكر البغدادي "خليفة للمسلمين". إن هذين الخبرين يشكلان جنبا إلى جنب حدثا تتلقفه أجهزة المخابرات بالحذر والاهتمام الزائد إن لم نقل بالتوجس لأن الجهاد تحول لأول مرة من معاقل طالبان وقبائل وزيرستان إلى آبار النفط في قلب الشرق الأوسط مع نية التمدد غربا نحو الصحراء والساحل الافريقي إذ أن البغدادي حل التنظيمات الجهادية في دولة الخلافة وطالب الفروع الموجودة في العالم أن تنضم إليه وأن تنصره. وكان الناطق باسم "داعش" أبو محمد العدناني، قال في تسجيل له، إن "الدولة الإسلامية ممثّلة بأهل الحل والعقد من الأعيان والقادة والأمراء ومجلس الشورى، قررت إعلان قيام الخلافة الإسلامية، وتنصيب خليفة دولة المسلمين، ومبايعة الشيخ المجاهد أبو بكر البغدادي، فقبل البيعة، وصار بذلك إماماً وخليفة للمسلمين". وكان البغدادي تحول الى ظاهرة مع إعلان قيام التنظيم في العراق، بعد انشقاقه عن تنظيم "القاعدة" وزعيمه ايمن الظواهري وهنا تطرح تساؤلات أكبرها: هل سينظم عبد المالك دروكدال إلى البغدادي؟ وهل سينصر مختار بلمختار الدولة الاسلامية ويضع يده على يد المبايعين؟. إن الاجابة عن السؤالين من الأهمية بمكان إذ أن انضمامهما إلى البغدادي سيشعل النفط في الصحراء والساحل ويمد البغدادي بما لم يكن في الحسبان ولا حلم به يوما. غير أن هذا محل نظر إذ المعروف عن أمير تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي وأمير "الملثمين" و"الموقعون بالدماء" والمرابطون" في رقبتهما بيعة لأيمن الظواهري مع قرب المشرب منه والوفاء له. ويبقى السؤال الآخر المحير كم عدد الجزائريين الذين يقاتلون في صفوف تنظيم ما يسمى "داعش" إلى جانب الذين يقاتلون في صفوف ما يسمى جبهة النصرة" وعددهم قد يقارب الألف في سورياوالعراق وحدهما. المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي بالأردن أوضح أن الأغلبية تتخذ من الأراضي التركية أو الليبية وحتى القطرية نقطة عبور لدخول العراق. واستند التقرير المهتم برصد حركة ما يسمى "الجهاديين" في سوريا، إلى أرقام مؤسسة الأسوار للدراسات الأمنية والعسكرية التونسية، وفقا لعدد من الخبراء في مجالات الأمن والجماعات المسلحة. حقيقة البغدادي وحقيقة الدولة الإسلامية لم يمر وقت طويل بين إعلان نشأة الدولة الاسلامية في العراق والشام وقيام دولة الخلافة حتى ارتفع اسم أبي بكر البغدادي في سماء الحركات المسلحة وأنسى المسلحين أمير تنظيم القاعدة الأم أيمن الظواهري الذي كان إلى وقت قريب الأمير الشرعي والمفكر والمرجع الفكري والزعيم التاريخي والروحي للتنظيم بعد مصرع أسامة بن لادن. ولم تمر ثلاثة أشهر على إعلان ميلاد الدولة الاسلامية حتى اكتسحت جحافل أبي بكر البغدادي مناطق شاسعة من العراقوسوريا وتوجهت نحو ليبيا وأخذت البيعة من جماعات جهادية في مالي ونيجيريا والصومال وشمال إفريقيا وأعطت بهذا كله الانطباع القوي للجميع أنها قادرة على نسف بغداد ودمشق بين اللحظة والأخرى وأخذ العاصمتين العريقتين والضاربتين في تاريخ البشرية مقرا لدولة الخلافة والتصدر في العالم العربي بقوة وسرعة خارقتين. إن التهويل الإشهاري للتنظيم مضافا إلى التضليل الإعلامي المقصود أديا إلى نشأة فكرة أن دولة الخلافة لها القدرات العسكرية لاكتساح الساحة العربية والإطاحة بالملوك والحكومات وتنصيب أمراء جدد بدلا عنها. إن بروز الدولة الإسلامية بهذا الشكل وبهذه السرعة طرح أكثر من تساؤل على الصعيد التنظيمي والعقائدي والسياسي والعسكري وعادت نظرية المؤامرة مجددا إلى الواجهة. فالصراع بين الحق والباطل سنة كونية أزلية، وإن العداوة بينهما مستمرة فالمكيدة بالإسلام والمسلمين على مر العصور ثابتة بالوثائق والدلائل، غير أن المؤامرة أكبر وأوضح لذوي التمييز الصحيح منذ المائة سنة الأخيرة على العموم ومنذ أحداث الحادي عشر سبتمبر أحد عشر وألفين على وجه الخصوص. إن نظرية المؤامرة على الإسلام لم تأت من فراغ. صحيح أن المؤامرة حجة يستخدمها المنهزمون غير أن ما سيأتي يكشف عن أمور تفوق كل تصور. كانت أوضح صور المؤامرة أن أعلنت "داعش" الحرب على تنظيم "حماس" الفلسطينية هذه الشوكة في حلق الإسرائيليين. فثمة أظهرت "داعش" حقيقتها المخفية وأن تمويلها إسرائيلي محض فكل جرائمها ضد المسلمين والمسيحيين وليست ضد الصهاينة والآن تهدد حماس فهذا يعني أن من عادى إسرائيل عادى "داعش". نشأت "داعش" في مخبر جهادي كبير اسمه العراق. قبل الاجتياح الأمريكي للعراق كانت السنة تحكم البلاد وكانت للشيعة منزلة ومقام كما للأكراد والكل منصهر في نظام وطني متين طابعة القومية والبعث. بعد سقوط صدام نادى بعض العلماء إلى الجهاد وهذا يحصل في كل مرة تجتاح فيها القوى الغربية بلدا مسلما. حصل هذا في أفغانستانوالعراق والصومال ومالي وليبيا وغيرها. أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" قيام "الخلافة الإسلامية"، وبايع زعيمه عبدالله إبراهيم الملقب بأبي بكر البغدادي "خليفة للمسلمين". وكان البغدادي تحول الى ظاهرة إعلامية مع اعلان قيام التنظيم في العراق، وبعد انشقاقه المفاجئ عن تنظيم "القاعدة" وعن زعيم القاعدة أيمن الظواهري. لم يحملِ أبو بكر البغدادي السلاح قبل الاجتياح الأمريكي للعراق العامَ 2003. انضمّ إلى "القاعدة" في الفترة التي ساد فيها التدخّل الأمريكي في الداخل العراقي بعد ازاحة الرئيس العراقي السابق صدّام حسين. عرف عنه في سجله العسكريّ، أنه مقاتل شرِس لا يرحم. وكان تتلمذ على يدَي الأردني "أبو مصعب الزرقاويّ". وكان معه إبان حادثة إغتيال فردين من البعثة الدبلوماسية الجزائريةببغداد وقد تم القبض عليه وسجنه بالعراق ثم بمعتقل غوانتنامو قبل إطلاق سراحه ورجوعه إلى العراق. ويبقى هذا الفصل غامضا في مساره ويحتاج إلى فضل نظر وزيادة تدقيق. وفي العام عشرة وألفين، نظّم البغداديّ ستين انفجاراً في يوم واحد، ذهب ضحيّتَها أزيد من مائة شخص. وكان ذلك بعد تولّيه قيادة "الدولة الإسلامية في العراق"، التنظيم "الجهاديّ" قام على أنقاض "القاعدة في بلاد ما بين النهرين" التي كان يرأسها "الزرقاويّ". ثم كان لانسحاب القوات الأمريكية من العراق في العام 2011، وللأداء السياسي لرئيس الوزراء العراقي