لا يختلف اثنان في يومنا هذا بأن الحديث عن قطاع التربية بالجزائر يقودنا مباشرة إلى ظاهرة الإضراب، والانتقادات الموجهة إلى الأساتذة بسبب تبنيهم كل مرة خيار مقاطعة التدريس، مما أثر بشكل سلبي على صورة التعليم في الجزائر، حيث بات الأخير يدور في حلقة مفرغة تتخللها المشاكل البيداغوجية والاجتماعية، وللحديث أكثر على واقع قطاع التربية بادرنا بهذا "الحوار" مع الأمين العام للنقابة الوطنية لعمال التربية والتكوين، بوعلام عمورة. نسرين مومن نبدأ بأهم مسابقة على الأبواب "البكالوريا"، في رأيكم ما الذي سيميز دورة 2015؟ حقا البكالوريا امتحان له طعم خاص ومكانة كبيرة في مجتمعنا، غير أن 5 أيام لامتحان التلميذ كثيرة وأقصى حد هو 3 أيام لما فيه من ضغط نفسي على التلميذ "المراهق"، وحبذا لو نذهب إلى الاختصاص لتكون البكالوريا في المواد الأساسية لكل شعبة، وهو ما يتيح عمليا ربح ساعات إضافية لاستكمال المقرر الدراسي في المواد الأساسية. وبالحديث عن الجديد فلا شيء سيتغير في شهادة البكالوريا دورة 2015، فالعتبة موجودة وبقي النظام المعمول به سابقا وفي ظني ما تغير قليلا هو إجراءات الحراسة. ما رأيكم في إجراءات الحراسة التي أقرتها الوصاية هذه السنة؟ إجراءات بكالوريا عسكرية، والمشكل ليس في الإجراءات وإنما في ضمير المعلمين، فالأهم من عدد الحراس هو نوعيتهم المرتبطة بمدى "الوعي" بأهمية البكالوريا، إذ يمكن وضع ثكنة من الحراس لكن دون جدوى. من جهة أخرى، نرفض نظرية إذا غش التلميذ يعاقب الأستاذ لأن المشكل أكبر من ذلك عندما أصبح الأستاذ اليوم لا يشعر بالأمان عند قيامه بالحراسة لأنه مهدد بالخارج، لذلك نطالب الوصاية والدولة بتأمين الأساتذة وحمايتهم حتى لا يتعرض للعنف والاعتداء. ما هي قيمة منحة الحراسة؟ وهل كانت السبب في استبعاد أساتذة التعليم الابتدائي في السنوات الأخيرة؟ لا يمكنني أن أقول بالضبط، لكنها تتجاوز منحة الحضور اليومي المقدرة ب 5000دج في اليوم، علما أن المسؤولين عن مراكز الحراسة هم من يتقاضون أعلى منحة، لكن أضيف بأن الوصاية لا تلتزم بدفع المنحة كاملة مضاف عليها قيمة التصحيح، وبالنسبة لأساتذة التعليم الابتدائي فقد تعرضوا فعلا "للحقرة" من قبل الوزارة في السنوات الأخيرة، لأن أصل الحراسة الاختلاط بين أساتذة جميع الأطوار، غير أنه تم استبعادهم بحجة تقصيرهم في الحراسة لعدم خبرتهم في التعامل مع التلاميذ. تحدثت وزيرة التربية عن تقليص الدروس دون اللجوء إلى العتبة، فهل هذا أمر منطقي؟ طبعا غير منطقي لأن تقليص الدروس يعني العتبة، وإذا كانت تقصد تلخيص الدروس، فنحن نرفض تقديم دروس منقوصة للتلميذ، لذا ستبقى العتبة التي أصبح التلاميذ يوظفونها على أنها حق لهم، بينما ينقضي دورهم في القدوم إلى المدرسة للدراسة والامتحان في الدروس المقدمة وليس من حقهم الخروج للشارع للمطالبة بالعتبة. نتأسف أيضا لغياب دور أولياء التلاميذ التام في توعية الأبناء، مما يحتم على الوزارة استرجاع "الهيبة المفقودة" من خلال تطبيق إجراءات تأديبية في حقهم وعدم التراجع عنها، لأننا على يقين بأن التلميذ لن يمتحن على ما لم يدرسه، وإن دلت مطالبته بالعتبة منذ شهر مارس على شيء فهو يدل على أنه جيل ضعيف من الجانب النفسي، لذا فنحن نطلب منهم تقديم مجهودات وليس الهروب نحو السهل لنستطيع بناء جيل مستقبل يرفع البلاد. وبالحديث عن مشكل عدم استكمال الدروس خلال السنة الدراسية، فإن نقابة "الساتاف" طلبت من الوصاية منذ عهد بن بوزيد تقسيم الجزائر تربويا إلى مناطق، وتحديد المناطق التربوية وفقا للتنوع المناخي، ومن هنا أقول لقد آن الأوان لتغيير عقلية "الحزب الواحد والوحدانية" في قطاع التربية، والأهم في هذا التقسيم هو الحفاظ على الحجم الساعي المفروض على الأستاذ والمخصص للتلميذ، وبالتالي يمكن تغيير تواريخ الدخول المدرسي والعطل حسب احتياجات كل منطقة. – مع كل نهاية موسم دراسي نشاهد أقساما خالية على عروشها، بحجة أن التلاميذ يراجعون للبكالوريا، فما تعليقكم على الظاهرة؟ تلاميذ اليوم لا يحبون القيام بمجهودات على رغم كل الإمكانيات المتاحة لهم، وأصبحوا يتهافتون على الدروس الخصوصية، حيث أصبحت موضة تخدم الأساتذة وحتى وزارة التربية لأنها ترفع مستوى التلميذ وتخفي رداءة المدرسة العمومية. إذن أنت تعترف أن ما يقدمه الأستاذ ليس في المستوى؟ نعم، بعض الأساتذة يتاجرون بالتلاميذ دون أي ضمير، وبتصرفات لا مسؤولة أضاعوا هيبة الأستاذ عموما، غير أن هناك أساتذة مهنيين يؤدون واجبهم التربوي بجدية. -ماذا ينقص الأستاذ الجزائري ليكون كفؤا في عمله بعيدا عن الأمور المادية؟ في زمان معين كان الأستاذ كفؤا لأنه كان يخضع لتكوين في المدارس العليا والمعاهد وحتى الجامعات التي كانت تمتلك مستوى، أما أستاذ اليوم فينقصه التكوين الذي يؤذي إلى الكفاءة المهنية، خاصة بسبب الإضرابات الموجودة في المؤسسات والجامعات. والحل الذي يطرح نفسه اليوم هو استرجاع المعاهد التكنولوجية لأنها باتت ضرورة لا مفر منها، لكن على العموم يجب على الأساتذة أن يقوموا بمجهودات يقابلها بطبيعة الحال توفر شروط وظروف العمل الجيدة، لكن للأسف الدولة تخلت عن توفير ظروف العمل بينما النقابات انصبت على المطالبة بالأجور حتى أصبح المجتمع المدني يكره صورة الأستاذ. -بعض نقابات التربية اتهمت بممارسة التجارة باسم حقوق الأستاذ لتحقيق مكاسب شخصية، فأين موقع "الساتاف" من ذلك؟ "الساتاف" أول نقابة مستقلة في عهد الجزائر الحرة ونحن نمشي بوسائلنا الخاصة و ونتحدى أي شخص أن يقدم أدلة أننا نناضل من أجل مصالح شخصية، أضيف إلى ذلك النقابة لم تستفد من الوزارة بأي شيء والدليل مقرها، على رغم أننا طلبنا منها "تجهيزات قديمة" لكن لا شيء، بينما تمتلك نقابة أخرى مقرين وتجهيزات بمليار دينار في عهد بن بوزيد، فمن أين لهم ذلك؟ -ما هي الآفاق المستقبلية التي تنتظرونها من انضمامكم إلى التكتل النقابي؟ انضمامنا إلى التكتل النقابي كان بكل قناعة وليس من أجل الإضرابات، لأننا كنقابة لا نلجأ إليه إلا إن كان ضروريا، إضافة إلى ذلك لقد طالبنا منذ زمن بإنشاء فدرالية للنقابات المستقلة لتقليص الضرر عبر إضراب موحد، حرصا على استقرار القطاع ورفع اقتراحات موحدة للوزارة، أما عن الآفاق المستقبلية فهي العمل من أجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع، بعيدا عن كل امتيازات شخصية. – ما هي التحفظات المسجلة في مشروع ميثاق أخلاقيات المهنة؟ صراحة المشروع عبارة عن شرح للقانون التوجيهي للتربية، ولم نقابل في أي كلمة تشير لمسؤولية وزارة التربية في حل مشاكل العمال، علما أن سبب الاختلاف كان على كلمة "منهجية" حل مشاكل القطاع من خلال رزنامة أولويات التي لم يتضمنها المشروع، أو أي إشارة للتحرش النفسي أو الجنسي الممارس على التلميذ والأستاذ حسب الحالة، وخلفية هذا الميثاق معروفة حيث تتمثل في عرقلة النشاط النقابي. أما عن مقترحاتنا فهي تخص بالدرجة الأولى واجبات الوصاية للتكفل بمشاكل المعلمين وحق الشركاء الاجتماعيين في الدفاع المشروع عن حقوق العمال، وأشدد بالمناسبة على أن نقابتنا ضد كثرة الإضرابات في القطاع، لأن ذلك سيقتل مصداقية الإضراب في حد ذاته، كما أننا نرحب ب "هدنة لفترة معينة" لكن شريطة أن يكون الحرص على ذلك متبادلا من الوصاية. -ملف الخدمات الاجتماعية مازال يراوح مكانه، علما أن المئات من عمال التربية لا يصلهم حتى فتات هذه الأموال، فمن المسؤول عن هذه التجاوزات؟ المسؤولة هي وزارة التربية لأنها الوصاية المباشرة على هذه الأموال، وعندما كنا نسألها عن اللجنة كانت تقول إنها لجنة منتخبة، لكن السؤال الذي يطرح هو من الذي قام بالانتخاب في 2011؟ والجواب هو وزارة التربية التي أقامت استفتاء في الصندوق دون أن تعلن النتائج، واعتبرته"اختراع جزائري بحث". نطلب من الوصاية عدم التهرب من مسؤولياتها لأن عهدة اللجنة الحالية انتهت في 7 ديسمبر 2014 كونها انتخبت في 7 ديسمبر 2011، وآنذاك الساتاف نددت بمهزلة الانتخابات التي لم نشارك فيها، ورفعنا دعوة قضائية لدى مجلس الحكومة ضد الوصاية لكن العدالة لم تتابعها. "الكنابست" تقول إن اللجنة مستقلة وعملها ليس مرتبطا بالنقابة؟ استقلالية اللجنة أمر عار من الصحة، لأن الكنابست قامت بحملة شرسة آنذاك واختارت صفة التسيير المركزي وصرحت علنا بأنهم المسؤولون عن تسيير أموال الخدمات الاجتماعية، لذا لا نقبل اليوم أن تقول إنها لجنة مستقلة، ونحن ضد أن يضاف يوم واحد على عمل اللجنة الحالية، خاصة وأن الوصاية طلبت منا في ديسمبر الفارط تمديد عمل اللجنة إلى غاية مارس 2015؟ وافقنا على ذلك شريطة أن لا يتقاضوا المنح لأنهم تقاضوها بأثر رجعي على رغم أنهم تأخروا لمدة سنة عن العمل عند انتخابهم، لكن لماذا قبلوا بالعمل متأخرين ولماذا قبلوا استلام العهدة دون "تسليم المهام" وهي غلطة كبيرة كانت كفيلة بتغطية كوارث 17 سنة من تسيير الفدرالية الوطنية لعمال التربية. اللجنة الحالية قامت بغلطة كبيرة أو أنها تعمدت تنظيف فضائح الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وتسييرها الآن كارثي أيضا بدليل أن أعضاء اللجنة يستهلكون وحدهم 20 بالمئة من مجموع أموال 700 ألف موظف. ما هو مقدار الأموال التي تلاعبت بها اللجنة الحالية؟ في 2012 كان من المفروض أن تكون هناك 4 آلاف مليار أي 400 مليون أورو وهي أموال تعادل ميزانية 8 بلدان إفريقية أين ذهبت هذه الأموال، وعندما استلمت اللجنة الحالية "الكنابست" عهدتها كان هناك تراكم للأموال راجعا إلى تجميدها من طرف الوصاية منذ أوت 2010 إلى غاية 2012، حيث أكدت اللجنة استلامها ل 1700 مليار دينار، لما أنه يدخل أكثر من ألف مليار سنويا، والسؤال الذي يطرح أين ذهبت 2300 مليار. أغلبية عمال التربية لم يستفيدوا من أموال الخدمات الاجتماعية وتقاعدوا وهناك من استفاد أكثر من مرة، كم أن الأسلاك المشتركة لا يستفيدون من أموال الخدمات وحتى إن استفادوا فبطريقة قاسية، واللجنة الحالية لا تستشير باقي النقابات حول حاجياتهم. ما هو الحل الآن؟ الآن نطالب باستفتاء لأن القاعدة بعد اكتشاف مهزلة التسيير أرادوا إعادة الصيغة، لكن هذه المرة لن نقبل بتكرار سيناريو انتخابات 2011، وإذا كانت لجنة "الكنابست" ترفض الاستفتاء فهذا لأنها خائفة من "الديمقراطية"، ونحن نرفض أن تكون النقابة وصية على المال. يصف البعض قرارات وزيرة التربية بالإرتجالية، في رأيك ما الضرر الناتج عن قرارات غير مدروسة في قطاع بهذا الحجم؟ من خلال هذه الانتقادات يظهر غياب "هيبة وزارة التربية" الذي يعد قطاعا استراتيجيا لبناء الأجيال، والقرارات الارتجالية من شأنها فتح باب الفوضى لأنها قرارات فاشلة لأنها غير مبنية على دراسة جدية، وأؤكد بأنه توجد بعض الإجراءات التي لا تخدم التلميذ مازالت مطبقة ولم يتم التراجع عنها. هذا لا ينفي أن الوزيرة تمتلك كفاءات، وقد حاولت منذ توليها المنصب اتخاذ قرارات جريئة في القطاع لتصحيح كل الاختلالات التي تراكمت خلال السنوات الماضية في ظرف وجيز، وهو ما يتطلب جهدا كبيرا من كل الفاعلين لإخراجه مما هو فيه، ونحن كنقابة ساتاف نقولها لها إذا جاءت لتحسين وضعية المدرسة الجزائرية فنحن هنا لتقديم المساعدة. حاورته نسرين مومن