فجرت أطوار محاكمة المتهمين المتورطين في فضيحة تبديد المال العمومي وإبرام صفقات مشبوهة وتضخيم الفواتير بالشركة الوطنية للملاحة البحرية "كنان" فضائح من العيار الثقيل، بعدما اعترف المسؤولون الثلاثة الذين تعاقبوا على مجلس إدارة المجمع وهم على التوالي "ك/ علي" و"ب/ علي" و"ب/ كمال" بتورط وزراء في حكومة أحمد أويحيى آنذاك في إبرام صفقات مع الشركات الأجنبية كانت ضد الصالح العام للبلاد، بما فيهم وزير النقل آنذاك عبد المالك سلال، وزير الصناعة وترقية الاستثمارات عبد الحميد تمار، حتى أن قرارات الخوصصة التي قام بها المجمع تمت بقرار سياسي صادر عن أحمد أويحيى شخصيا. ليلى أعراب انطلقت، أمس، بمحكمة القطب الجزائي المتخصص في قضايا الفساد بسيدي أمحمد محاكمة 21 متهما في قضايا تبديد المال العمومي وتضخيم الفواتير بمجمع "كنان"، من ضمنهم مسؤولون بأعلى هرم سلطة القرار في المجمع، على غرار "ك. علي" و"ب. علي" و"ب. كمال" الذين تعاقبوا على إدارتها في الآونة الأخيرة، إلى جانب محافظي حسابات بالمجمع الذين تداولوا على هذا المنصب، وأعضاء من مجلس إدارة المجمع، ومديري المالية والمحاسبة والمدراء التقنيين، والمدراء السامين للبواخر التابعة للأسطول، وكذا رؤساء لجان الصفقات، فضلا عن مجمعات أجنبية أملت شروطها على مسؤولي المجمع لعقد شراكات على أساس مبدأ "رابح- خاسر". ويحاكم المتهمون في القضية انطلاقا من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، وتوبعوا بتهم الإهمال الواضح المتسبب في ضياع المال العام، اختلاس وتبديد أموال عمومية، سوء استغلال الوظيفة، مخالفة التشريع الخاص بالصرف، وحركة رؤوس الأموال بالتصريح الكاذب، وهي الفضائح التي تفجّرت على يد المفتشية العامة للمالية، وسُمع على إثرها حوالي 78 شخصا من إطارات وموظفين ومهندسين من المجمع وخارجه، في التحقيقات القضائية حول مدى تورطهم في إبرام صفقات مشبوهة وتبديد المال العام.
أويحيى أمر بفتح تحقيق حول "فرعون" ولم يعارض على الشراكة وأجمع المتهمون الثلاثة الذين تعاقبوا على مجلس إدارة مجمع "كنان" على تحميل الحكومة مسؤولية الصفقات التي تم إبرامها خلال تلك الفترة، حيث ذكر المتهم "ب/ كمال" الذي شغل رئاسة المجمع في الفترة ما بين 25 جانفي 2005، إلى غاية 28 ديسمبر 2008، أن صفقة التنازل عن أسهم فرع "جيسترامار" إلى مجمع "فرعون" تمت بقرار سياسي صادر عن حكومة أويحيى آنذاك، حيث قرر هذا الأخير إبرام عقد الشراكة الاستراتيجية، بالرغم من أنها لم تجر مزايا اقتصادية كبيرة للجزائر، في حين أكد "ب/ علي" الذي ترأس المجمع من فيفري 2002 إلى غاية 25 جانفي 2005، أن مسؤولي المجمع أخبروا أحمد أويحيى ووزيره عبد الحميد تمار بهوية رجل الأعمال السعودي "فرعون/ غ/ ر" وأنه مطلوب لدى القضاء الأمريكي، ليأمر بفتح تحقيق بخصوص المجمع السعودي الذي يملكه هذا المستثمر، وبالرغم من ذلك لم يعارض على اتفاقية الشراكة المبرمة آنذاك، وسمح بالتنازل عن أسهم المجمع إلى المستثمر السعودي. وحاول المتهم "ك/ علي" الذي شغل منصب رئاسة المجمع في الفترة الممتدة ما بين 26 جانفي 2005، و27 ديسمبر 2008، التوضيح أن الصفقة التي تمت مع مستثمر لبناني آخر كان وزير الصناعة عبد الحميد تمار ووزير النقل عبد المالك سلال على علم مسبق بها، وأن الصفقة مع مجمع فرعون كانت بأمر من الحكومة، حيث أصدر قرارات بإتمامها، بالرغم من أنها لم تحمل مزايا اقتصادية كبيرة بالنسبة للجزائر.
بيع الأسطول المهترئ تم بقرار من الحكومة وكشف الرئيس المدير العام لمجمع كنان "ك/ علي" أن عمليات بيع البواخر ال 23 التي كانت في حالة توقف تقني في أرصفة الموانئ الجزائرية تم بناء على قرار من حكومة أحمد أويحيى آنذاك، حيث قررت السلطات العمومية حينها بيع هذه البواخر القديمة، فضلا عن البواخر المحجوزة في الخارج، وأنه لم يقم سوى بتطبيق التعليمات الصادرة آنذاك عن وزير الصناعة وترقية الاستثمارات عبد الحميد تمار. وكلفت عملية البيع خسائرا ضخمة بالنسبة لخزينة المجمع، في الوقت الذي كان يكفي إصدار قرار بإصلاحها في الورشات الأجنبية لإعادة استعمالها مجددا، بدل إصدار قرار بيعها، خصوصا وأن عملية البيع كلفت ضعف أشغال المصاريف المتوقعة لإصلاح البواخر في الورشات الأجنبية. من جهته، أكد الرئيس المدير العام للاكنان "ب/ علي" أن عملية بيع البواخر تم بقرار من رئيس الحكومة آنذاك أحمد أويحيى، والذي تضمن بيع كامل أسطول المجمع، وأن هذا القرار تم بموجبه إعلان مناقصة، لتقرر لجنة الصفقات بكل سيادة بيع الباخرة لصاحب أحسن عرض، وهو ما حاول الرئيس المدير العام "ب/ كمال" ، تأكيده بخصوص التنازل عن 8 بواخر لصالح فرع "إي. بي. سي" أنه تمت المصادقة عليه من طرف وزارة الصناعة وترقية الاستثمارات. وأثبتت التحقيقات القضائية التي قامت بها فرقة الدرك الوطني أن الرئيس المدير العام المتهم "ك/ علي" رفقة المدير المركزي للشؤون التقنية "ع/ م/ أورمضان" أعطى انطباعا للسلطات العمومية بقدم البواخر وتدني حالتها التقنية وعدم مردوديتها الاقتصادية قصد عرضها للبيع رغبة في خدمة مصالحهم الشخصية، وأن هذا الانطباع هو الذي تم بناء عليه إصدار قرار بيع البواخر من طرف السلطات العمومية، بما فيها وزارة الصناعة أو مجلس مساهمات الدولة، بالرغم من أن هذه العملية كلفت خزينة المجمع ضعف أشغال المصاريف المتوقعة.
تمّار صادق على صفقة "فرعون" و"آغل أزور" وكشف "س/ محمد" الذي شغل منصب رئيس مديري شركة مساهمات الدولة "أس. جي. بي/ جيسترامار" خلال الفترة الممتدة من 12 ديسمبر 2002 إلى غاية 27 ديسمبر 2008، أن وزير الصناعة وترقية الاستثمارات عبد الحميد تمار أعطى الضوء الأخضر لإبرام صفقتي التنازل عن أسهم مجمع كنان لكل من مجمع "فرعون/ سيتي/ لاراجي" السعودي ومجمع "آغل أزور"، بالرغم من أن نتائج الشراكتين كانت سلبية على الطرف الجزائري. ووافقت وزارة الصناعة على مشروع فتح رأس مال فرع "إي. بي. سي" التابع لمجمع "كنان" بتاريخ 23 سبتمبر 2007، ليتم التوقيع في اليوم الموالي على عقد التنازل لصالح مجمع "فرعون/سيتي/لاراجي" الذي يملكه رجل أعمال سعودي، بالرغم من أن تقرير المفتشية العامة للمالية قد أكد أن عقد الشراكة لم يكن في صالح الطرف الجزائري، وأن الجزائر كان بإمكانها في أي لحظة إلغاء مشروع الشراكة قبل تجسيده. كما وافقت وزارة الصناعة خلال اجتماع تحضيري لتوقيع عقد الشراكة مع مجمع "ايغل آزور" لصاحبه أرزقي إييجرودان على عقد الشراكة بكل تفاصيله، مما يخلي المتهم من مسؤولية إبرام صفقات مشبوهة.
3 ملايين دولار نواتج عمليات البيع .. "الله يسمح" واتهم "ك/ علي" باعتباره الرئيس المدير العام للمجمع خلال تلك الفترة بالتماطل في تحصيل أرباح عمليات بيع الأسطول البحري المهترئ، حيث كان يفترض عليه اتخاذ إجراءات لاسترجاع 3 ملايين دولار أمريكي قيمة نواتج البيع، لكنه تركها في يد الأجانب. وكشفت تقارير المفتشية العامة للمالية في محضر مخالفة الصرف وحركة رؤوس الأموال المؤرخ بتاريخ 7 ديسمبر 2004 المتعلق بعمليات بيع 21 باخرة تابعة للمجمع بأمر من المدير العام ومن تلاه على رأسه، تحصيل مداخيل مالية تفوق قيمة 10 ملايين دولار أمريكي، لم يسترد منها سوى 7 ملايين دولار أمريكي إلى الجزائر، فيما ظلت الأرباح المتبقية وهمية بالنسبة للمجمع الذي لم يقم باسترجاعها وتوظيفها للصالح العام. وأنجزت تقارير المفتشية العامة للمالية بناء على مراسلة من طرف مصالح الدرك الوطني لتمكينهم من كل الخبرات المنجزة من قبل هذه الهيئة المتعلقة بمجمع "كنان" وفروعه، وكذا محاضر مخالفات الصرف المحررة فيما يخص المجمع وفروعه، والتي أثبتت التهاون في تسيير مؤسسات الدولة، ووضع المصالح الشخصية فوق كافة الاعتبارات الأخرى.
أرشيف ممثلية فرنسا يباع برخس التراب وبخصوص مكاتب ممثلية فرنسا وتجهيزات الإعلام الآلي والنظام المعلوماتي الذي تم التنازل عليه بمبلغ زهيد، أكد "ب/ علي" الرئيس المدير العام للمجمع، بأن الأثاث قديم وأن تجهيزات الإعلام الآلي قديمة وقد تم اهتلاكها كليا، في حين أن النظام المعلوماتي غير صالح إلا للعمل به داخل مجمع كنان، وأن الشركة لم تقم باستعمال هذه الأنظمة بل قامت برميها، بالرغم من أن النظام المعلوماتي كان سيحصل مداخيلا بقيمة مليون أورو. وفند المتهم أن يكون قد تنازل عن هذا الأثاث برخس التراب، حيث أكد أنه اقترح بيعه بقيمة 98 مليون أورو، في حين أن تقرير مفتشية المالية أكد أن قيمته الحقيقية تقارب 8 آلاف أور بالنسبة للأثاث، و10 آلاف أورو بالنسبة للمكاتب. وحول أرشيف ممثلية فرنسا الموضوع داخل حاوية متروكة بميناء مرسيليا، فإنه ليس المسؤول عن هذه الوضعية، على اعتبار أن قرار غلق الممثلية صدر في ديسمبر 2008، وأن إنهاء مهامه تم في نفس الشهر، من نفس السنة، فيما حمل المسؤولية إلى رئيس مجلس مديري شركة مساهمات الدولة الذي قرر إغلاق ممثلية المجمع بفرنسا، بعد إعلام كل من وزير النقل عمار تو آنذالك، ووزير الصناعة وترقية الاستثمارات عبد الحميد تمار.
دفوعات شكلية لإبطال إجراءات المتابعة ضد المتهمين وكانت هيئة دفاع المتهمين قد تقدمت بدفوعات شكلية لإبطال إجراءات المتابعة القضائية ضد المتهمين، قبل أن تقرر المحكمة ضمها إلى الملف الرئيسي ليتم الفصل فيها دفعة واحدة مع القرار النهائي الذي يرتقب أن تصدره المحكمة في وقت لاحق. وتتعلق الدفوعات الشكلية التي تقدمت بها هيئة الدفاع أساسا بانقضاء الدعوى العمومية ضد المتهمين بالتقادم، بدليل أن تاريخ صدور الإرسالية التي صدر بموجبها تفجير ملف الحال كان بتاريخ 28 ديسمبر 2008، وأن الوقائع تعود إلى 9 فيفري 2005، مما يعني أن شرط مضي فترة 3 سنوات المحددة قانونا لتقادم الدعوى العمومية متوفر في القضية، كما تقدموا بدفع آخر حول بطلان إجراءات المتابعة القضائية ضد المتهمين، بدليل أن قانون مكافحة الفساد الذي توبع به المتهمون، لم يكن ساري المفعول حينها، مما يعني خرق قوانين الدستور في حال متابعة متهمين بقرارات سارية بأثر رجعي، وطالبوا بمحاكمتهم طبقا لقانون العقوبات بدل هذا القانون الجديد. ليلى أعراب