السلسلة الثانية ولقد جرت الكثير من المحاولات لفهم فكر قطب ورؤاه، ومحاولة تفسيرها؛ إلا أنَّ الجاد والرصين، وكذلك الأمين والمُحايد من هذه الرؤى ظل متناثرًا في بعض الأدراج أو في زوايا بعض الصحف والمواقع الخاصة بأصحابها. وفي المقابل، ثارت الكثير من المعارك الفكريَّة بين المؤيدين والمعارضين لفكر سيد قطب، وتصدت أقلام من هذا الطرف وذاك لمعالجة أفكاره بالصورة التي تخدم طبيعة الاتجاهات العامة التي يقررون وضع كتب وأفكار قطب فيها. فقد تحدث خلق كثير من علماء ومفكري الجماعة، منهم من عمل على تفسير ماذهب إليه سيد قطب في كتبه (الضلال والمعالم ) وحرص على ربطه بفكر الإمام حسن البنا، وراح البعض الآخر يخرج سيد قطب من فكر الجماعة الذي مرجعيته حسن البنا، ومنهم من نظر إلى تجديدات سيد قطب تطويرا لفكر الإمام حسن البنا، وراح البعض الآخر يكتب عن ضوابط في فهم مواقف سيد قطب رحمه الله. ولما كان النقاش والحوار بين قمم وقامات من مفكري جماعة الإخوان المسلمين كالشيخ القرضاوي والأستاذ ابراهيم الهضيبي وعبد الرحمان محمد والأستاذ صلاح شادي ويوسف العظم وشقيق الشهيد محمد قطب، والمفكر طارق البشري وفريد عبد الخالق، كان علينا ونحن نبحث الموضوع بين الاتفاق والاختلاف وإثبات أو نفي وجود مدرستين فكريتين أن نعرض لكل وجهات النظر المطروحة في الساحة، لأن تراث الإخوان المسلمون هو تراث الأمة ودراسته وفحصه ضرورة حتمية للتمييز بين الفكرة والخطة والموقف والظروف المحيطة ثم الخروج بتوليفة متوازنة تحرر الجيل الجديد من رواقات الاختلاف والأخطاء والإخفاقات التي حدثت ليسير من سار على بينة على اعتبار أن الذين نتحدث عنهم مجموعة من المجتهدين يخطؤون ويصيبون ولايملكون الحقيقة المطلقة.
سيد قطب وجماعة الإخوان المسلمون الانتماء والاجتهاد يقول الأستاذ صلاح شادي، في كتابه "الشهيدان" : قد يعجب القارئ من الشهيد حسن البنا، الذي أسس جماعة الإخوان المسلمين، ومن الشهيد سيد قطب رائد الفكر الإسلامى في هذه الجماعة، الذي أغنى تراثها وتراث الأجيال من بعده بذخائر مؤلفاته، حين يعلم أن كليهما ولد في سنة 1906م، ونهلا من معين واحد، حين تخرجا من دار العلوم، ثم افترقا .. كل إلى طريق!!. أما الأول، فذهب يبني جماعة الإخوان المسلمين، وأما الثانى فذهب يضرب في دنيا الآداب، ويحلق في سماء الشعر، ويخوض في لجة الصحافة، ويبرز في ندوات الأدب والحب والجمال!!!. ومن العجب ألا يجتمع أحدهما بصاحبه في دنيا الناس، ولكنهما التقيا في ركب الشهداء والصديقين، تحت راية واحدة هي راية جماعة الإخوان المسلمين، نحو هدف واحد هو إعلاء كلمة الله في الأرض. وتعجب أكثر، أن الشهيد سيد قطب قد كتب مؤلفه في "العدالة الاجتماعية في الإسلام" سنة 1948، وسافر إلى أمريكا قبل أن يعرف شيئا عن جماعة الإخوان المسلمين! وإنما كان يراها من ضمير الغيب ويأمل أن يشهد رجالها في دنيا الواقع، ولهذا صدر كتابه هذا بقوله: "إلى الفتية الذين ألمحهم في خيالي قادمين يردون هذا الدين جديدا كما بدأ، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، مؤمنين في قرارة أنفسهم أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .. إلى أولئك الفتية الذين لا أشك لحظة أن روح الإسلام القوية ستبعثهم من ماضي الأجيال إلى مستقبل الأجيال في يوم قريب .. جد قريب"، ولقد ظن الذين اطلعوا على هذا الكتاب أن المؤلف يقصد بهذه المقدمة شباب الإخوان المسلمين، في الوقت الذي لم يكن قد عرف شيئا عن هذه الجماعة وشبابها، فبادرت الحكومة المصرية يومئذ بمصادرة الكتاب وسحبه من السوق..!! وكان الإخوان المسلمون وقتئذ في السجون والمعتقلات يصطلون بنير النقراشى الذي قتل في 1948، وامتد بعده حكم إبراهيم عبد الهادى حتى 25 جويلية 1949. وكان تعليق الشهيد حسن البنا على هذا الكتاب حين قرأه: "هذه أفكارنا وكان ينبغي أن يكون صاحبها واحدا منا"، وتحققت آمال الشهيد حسن البنا بعد أن لقي ربه في 12 فيفري 1949 حين كان صاحب هذا الكتاب مريضا في إحدى المستشفيات الأمريكية، فلاحظ بهجة وسرورا يغمران من حوله من الممرضات والمرضى فظن أن القوم في عيد، غير أنه ذهل حين سألهم عن سبب بهجتهم تلك، فكانت إجابتهم "لقد تخلصنا من عدو الغرب الأول في ديار الشرق .. لقد قتل حسن البنا !!. يتبع…