لن أرسل إلى شخص معين، فهي موجهة إلى الجميع، لكل حسب مستواه، وكل حسب شجاعته.. مصطلح "الأخير" صار موضة فكرية وأدبية منذ سنوات بعيدة..وكأن الإنسان بدأ يشعر أن الحياة قد بلغت مداها وأن النهاية باتت وشيكة وأن اللقطة الأخيرة في مسيرة البشرية باتت وشيكة، والنهاية قاب قوسين أو أدنى … أما حميد قرين – يوم كان روائيا- فقد كتب ّالصلاة الأخيرة"، وقبل سنوات قليلة بهرنا توم كروز برائعة "الساموراي الأخير" وأحسب أن أغلب أبناء جيلي والأجيال التي قبلنا تمتعوا صغارا وكبارا بالمغامرة الرائعة لجيمس كووبر آخر الموهيكيين ( Le Dernier des Mohicans) ككتاب وكفيلم في اقتباسات متعددة.. ومن منا لا يذكر آخر الرجال المحترمين فيلم وبطولة بوسي ونور الشريف فيلم آخر وليس أخير، بعنوان القلعة الأخيرة (le dernier château ) بطولة العملاق روبرت ريدفورد.. ويبدو اليوم أننا نجونا من الكارثة… فقد مرّ يوم 21 ديسمبر من عام 2012 دون أن ينتهي العالم أو تقوم القيامة، وخاب أمل المؤمنين بتقويم "المايا"، مثلما خاب الأمل المشؤوم لأتباع "نوستراداموس" عام 2000، فربما مازال أمام هذا الكوكب المستنزف بضع حقب من الزمن ليعيشها، وربما مازال على البشر أن يفزعوا أمام تواريخ ومواعيد كثيرة قبل أن تأتيهم الساعة بغتة ويحلّ موعد النهاية الحقيقية. وقبل عقدين كاملين من الآن وفي "نهاية" ثمانينات القرن الماضي، وفيما العالم يخرج من حرب باردة انتهت بانتصار المعسكر الغربي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، خرج علينا باحث رصين، لا مجال لمقارنته بأتباع نوسترادموس أو مجانين تقويم المايا !!، هو الأمريكي من أصل ياباني "فرانسيس فوكوياما" بكتابه الشهير عن" نهاية التاريخ والإنسان الأخير. !." وكان الرجل يتكلم عن أن التاريخ الإنساني وصل إلى صورته المثلى ممثلة في النظام الليبرالي القائم على الديمقراطية السياسية والرأسمالية الاقتصادية، ولم يعد هنالك مجال لنظم أو أفكار جديدة تطور حياة البشر، أي أنه "ليس بالإمكان أبدع مما كان" كما كان يقول أسلافنا من علماء الكلام رحمة الله عليهم -. ولابد من الإقرار أن المواضيع المرتبطة ب" النهاية" تثير اهتمام الناس بشكل كبير، فمن الواضح أن ثقافة "نهايات" كاملة قد ترسّخت في هذا العصر، من نهاية العالم والتاريخ إلى نهاية ثقافات وأفكار وموت أيديولوجيات وانهيار قوى وحضارات وسقوط إمبراطوريات…الخ فلكل شيء "نهايته" وقيامته الخاصة.. ويذكرني كل هذا بحديث شريف معناه "إذا مات ابن آدم قامت قيامته.. " فلحظة تنتهي حياة إنسان تبدأ رحلته في العالم الآخر، بغض النظر عن استمرار ملايير البشر الآخرين في حياتهم الدنيا، فكم من عوالم انتهت وانهارت في عيون أصحابها وعلى رؤوسهم وكم من نهاية حلت بشعوب وأمم وقيامة قامت على حضارات ودول، دون أن يحس بها باقي العالم وأحيانا دون أن يعلم أو ينتبه. بالنسبة للرومان الذين شهدوا سقوط روما بيد البرابرة كانت تلك نهاية عالمهم ويوم قيامتهم الخاصة، وكذلك حال المسلمين الذين شهدوا سقوط بغداد بيد المغول أو استيلاء الصليبيين على القدس أو الذين خرجوا من غرناطة آخر دويلات الأندلس، أما السكان الأصليين للأمريكتين من هنود المايا والأزتيك والأنكا وغيرهم، فقد قامت قيامتهم يوم وطئت أقدام كولومبوس شواطئ قارتهم، مؤذنة باجتياحهم من قبل موجات الغزو الأوروبي التي دمرت حضارتهم وأبادت الملايين منهم وأنهت عالمهم الذي عاش لآلاف السنين قبل "اكتشافه" من قبل أوروبا التي دعته "العالم الجديد".! "النهايات" من حولنا لا تنتهي، والقيامة قائمة في كل حين، ليست القيامة كما ننتظرها أو نتصورها بأهوالها وعظائمها، لكنها قيامة لأصحابها والمعنيين بها..فماذا عن قيامتنا نحن؟ بعد نهاية الجزائر التي نعرفها، وهي النهاية المتوقعة في حدود 2020، عندما تنضب خزائن الريع (في توقيت متزامن تقريبا مع نهاية العهدة الرابعة لفخامة رئيس الجمهورية..) ماذا سيحل بالدولة ؟ وأهم من ذلك ما مصير الشعب الذي يعيش في ربوعها ؟ ومن سيفوز بالدولار الأخير ؟ حداد ؟ طحكوت؟ ربما مومن خليفة ؟ من يدري أو لعله الغول ؟ احتمالات واردة وممكنة، وغدا لناظره قريب ..