خيرة بوعمرة/ حنان حملاوي ليس غريبا أن يشتد التنافس بين القنوات الفضائية ويصل إلى أوجه في شهر رمضان الكريم، فهو شهر "التلفزيون" بلا منازع، لكن الغريب أن يقتصر الإنتاج التلفزيوني على هذا الشهر ويغيب تماما في بقية أيام السنة، وهذه الظاهرة لا تكاد توجد إلا في الجزائر.. فما هي أسبابها ومن يقف وراء هذا الوضع غير الطبيعي؟ * بسبب موسمية الإنتاج التلفزيوني وقلته فنانون بطالون وآخرون مجبرون على الرداءة تعود الشبكة البرامجية الرمضانية لتطرح من جديد أزمة الإنتاج التلفزيوني الموسمي، التي أحالت الكثير من الفنانين والممثلين على البطالة الإجبارية في ظل انحصار نشاط المنتجين على شهر رمضان، وعزوفهم عن العمل بقية السنة، ليجد الفنان الجزائري نفسه مضطرا للخضوع لمنطق سوق الإنتاج، التي أصبحت تفرض عليه أعمالا لا تخرج عن نمط الفكاهة والكوميديا المبتذلة، والمكررة والتي وإن كانت قد حصدت نسبة مشاهدة عالية في أعوام سابقة قدمت كبار نجوم التلفزيون الجزائري، إلا أنها عادت لتنحصر مع انحصار الإنتاج التلفزيوني في السنوات الأخيرة. يشتكي الكثير من الممثلين الجزائريين واقع الإنتاج التلفزيوني الذي أصبح محصورا في شهر واحد من السنة، حيث يرتفع سوق الإنتاج بارتفاع نسبة الإشهار في القنوات الوطنية والخاصة، و هو ما يرفع سقف أسعار الأعمال الرمضانية التي تغني المنتجين عن العمل أو تقديم الجديد خارج سياق الإنتاجات الرمضانية، ليبقى ممثل الحلقة الأضعف في عملية الإنتاج والتوزيع. ليجد عدد كبير من الفنانين أنفسهم مضطرين لتجديد تعاقدهم مع البطالة، في ظل غياب العروض أو عدم تماشيها مع مستواهم كمحترفين، على غرار الممثل الكوميدي عنتر هلال ونوال زعتر وجميلة عراس وعتيقة وبيونة ..ممن غابوا عن الشاشة الصغيرة بعدما تعود المشاهد الجزائري متابعة أعمالهم خلال الشهر الكريم على رغم احتدام المنافسة بين الإنتاجات المحلية والعربية، التي وعلى ضخامتها لم تنجح سابقا في استقطاب المشاهد الجزائري الحريص على خصوصيته الرمضانية عكس السنوات الأخيرة، التي وإن كانت قد شهدت تضاعف نسبة الإنتاج المحلي بسبب انفتاح قطاع السمعي البصري في الجزائر، إلا أنها سجلت بالمقابل توجه أجهزة تحكم التلفزيونات إلى القنوات العربية التي تضمن الفرجة والمتعة في آن واحد. و إن كانت القنوات الخاصة قد أسهمت إلى حد ما في دعم حركة الإنتاج السمعي البصري في الجزائر إلا أنها لم تخرج عن سياق نكهة رمضان خاصة فيما يتعلق بالمسلسلات الكوميدية وبرامج الكاميرا الخفية والمسلسلات الدرامية بنسبة أقل. وبالنظر إلى ما سبق يمكن القول إن القنوات الخاصة أسهمت إلى حد ما في إعادة الممثل الجزائري إلى جمهوره، وإن كانت فكرة تجاوز أزمة قلة الإنتاج تحتاج إلى مجهودات أكبر، تستوجب تدخل كامل الفاعلين في المجال في سبيل الرفع من مستوى الدراما الجزائرية وإقحامها في مجال المنافسة، وبالتالي تجاوز مجرد الوجود الرمضاني الفارغ من الشكل والمعنى والمنصب أساسا على منطق العرض والطلب الذي تصل وتيرته حد الذروة في شهر رمضان ليبقى الفنان الوحيد المعني بدفع فاتورة سياسة الإنتاج العرجاء في الجزائر. * فتيحة سلطان: الممثل الجزائري لا يختار أدواره
قالت الممثلة فتيحة سلطان إنه لم يتم استدعاؤها للعمل طوال السنوات الأخيرة ماعدا بعض المشاركات الصغيرة في عدد من الأعمال الرمضانية، على غرار سلسلة "ستوديو 25" الذي سيتم عرضه خلال الموسم الرمضاني الجاري على القناة الثالثة، وهو ما يحتم عليها حسب تصريحها حالة البطالة التي فرضتها عليها وعلى زملائها الممثلين السياسة العرجاء التي أصبح المنتجون الجزائريون يفرضونها على الممثل البسيط قصرا، ليصبح الممثل يتسوّل فرصة الظهور في أي عمل تلفزيوني حتى و إن كان رديئا، حيث لم يعد من حقه الاختيار أوالانتقاء بعدما أصبحت هناك ندرة كبير في الإنتاج طول السنة، ليرتكز كل الإنتاج على شهر رمضان بأعمال أغلبها كوميدية فارغة من المضمون والمعنى، الهدف منها استقطاب المشاهدين دون مراعاة لأدنى شروط العمل التلفزيوني المحترم، لتؤكد الممثلة فتيحة سلطان في حديثها إلينا أنه وإن كانت هذه الظاهرة موجودة في كل الدول إلا أنها أصبحت طاغية بشكل كبير في الجزائر لدرجة مست بكرامة الفنان الجزائري وحولته إلى ممثل المناسبات.
* عنتر هلال: رمضان هو فرصتنا الوحيدة للعمل
شخصيا أصبحت أرفض الظهور في الأعمال الرمضانية الموسمية، و أنا مركز حاليا في المسرح لأنني أجده يقدم إنتاجا أحسن خارج إطار المناسبات التي أصبحت تفرضها التلفزيونات بما فيها التلفزيون الجزائري، الذي أصبح لا يستدعي الفنان إلا في المناسبات، و هو ما أجده ظاهرة غير صحية تهدد مستوى الإنتاج التلفزيوني الجزائري الذي بالغ كثيرا في هذا الاتجاه على خلاف باقي الدول التي توزع إنتاجها على مدار السنة وبشكل أكبر في شهر رمضان. وذهب نجم سلسلة "عيسى السطوري" إلى أبعد من هذا حين أفاد بأن الفنان الجزائري الذي لا يعمل في شهر رمضان يصبح بطالا طول السنة على اعتبار أن رمضان أصبح الفرصة الوحيدة للعمل، حتى مع تعدد القنوات الخاصة بقي الوضع على حاله، حيث لم يخدم انتعاش الإنتاج في رمضان الحركة الإنتاجية التلفزيونية، على اعتبار أن القنوات الخاصة أكدت منطق التلفزيون الجزائري في تركيز الإنتاج على شهر رمضان.
* ياسين بن جملين: الممثل بريء من الظاهرة
حمل الممثل والمخرج ياسين بن جملين وزارة الثقافة والتلفزيون الجزائري المسؤولية المباشرة في اقتصار الإنتاج على شهر رمضان، مبديا استياءه اتجاه الوضع الذي أدى بالمشاهد الجزائري إلى التوجه نحو الفضائيات العربية. قال ياسين بن جملين إن سياسة وزارة الثقافة القائمة على تمويل مشاريع المناسبات ودعمها هي التي جعلت الأعمال الفنية في الجزائر لصيقة بمناسبات معينة في مقدمتها شهر رمضان الفضيل والأعياد الوطنية، معربا في السياق ذاته عن أسفه اتجاه هذا الوضع الذي أدى إلى عزوف المشاهد الجزائري عن متابعة الأعمال الوطنية التي تعرض فقط خلال رمضان والتوجه إلى القنوات العربية للبحث عن ضالته"، مضيفا أن التلفزيون الجزائري يتحمل جزء من المسؤولية أيضا بشرائه أعمال خاصة في شهر رمضان بدل فرض سياسة خاصة على المنتجين من أجل تغيير الذهنيات . وقال بن جملين إنه ضد المبدإ القائم على إنتاج الأعمال في رمضان فقط ،الأعمال الدرامية والكوميدية أصبحت مثل "الزلابية والبوراك " تستهلك فقط خلال الشهر الفضيل، حتى المشاهد الجزائري ترسخت في ذهنه الفكرة و أول ما يسألنا عنه عندما نلتقي به في الشارع ما هو جديدكم في رمضان، مضيفا "أنا شخصيا لدى أربعة أعمال هذا العام ولا يهمني إن عرضت في رمضان أو غيره".
* المخرج يحى مزاحم: الفضائيات الجزائرية تسببت في هذا الوضع
أرجع المخرج يحى مزاحم سبب اقتران الإنتاج في الجزائر بشهر رمضان إلى السياسة التي تنتهجها القنوات التلفزيونية الجزائرية، التي لا تشجع على الإنتاج. قال المخرج يحى مزاحم إن الإنتاج موجود في الجزائر على مدار العام خاصة ما تعلق بالأعمال الدرامية، موضحا أن السياسة التي تنتهجها القنوات الجزائرية الخاصة بما في ذلك مؤسسة التلفزيون الوطني هي التي انعكست سلبا على الساحة الفنية وجعلت الإنتاج مقترنا فقط بشهر رمضان، لأن الطلب يزداد مع اقتراب الشهر . وأكد محدثنا أنه حاول في مرات عديدة كسر القاعدة وعرض أعمال على الفضائيات الجزائرية بعيدا عن المناسبات، لكن دائما كان يقابل طلبه بالرفض "أحب أن أعمل على مدار السنة وأنتج أعمالا في المستوى، لكن سياسة الطلب تتحكم في الإنتاج، وحاولت في مرات عديدة عرض أعمال خارج الشبكة البرامجية الخاصة بشهر رمضان ولم أجد الاستجابة، وهذا ما يدفعنا لإنتاج أعمال خاصة فقط بشهر رمضان". * المخرجة باية الهاشمي: غياب دعم الدولة أثر على الإنتاج
أكدت المخرجة والمنتجة باية الهاشمي أن غياب الدعم تسبب في ضعف الإنتاج في الجزائر والذي أصبح لصيقا بالمناسبات خاصة خلال شهر رمضان الكريم، على رغم البحبوحة المالية التي يعرفها القطاع الثقافي خلال السنوات الأخيرة. ودعت الهاشمي المخرجين والمنتجين إلى تبني سياسة خاصة بهم وفرض وجودهم وسيطرتهم على مستوى الساحة الفنية الجزائرية، من أجل دفع الحكومة الجزائرية بما في ذلك القائمين على القطاع الثقافي إلى تسطير سياسة واضحة لإنعاش السمعي البصري والذي من شأنه أن ينعكس إيجابا على الإنتاج الفني في الجزائر الذي ارتبط بشهر رمضان فقط ، مضيفة "نحن مقبلون على مرحلة جديدة، ما بعد البترول ويجب على الجزائر أن تستثمر في الإنتاج الفني على غرار الدول العربية الأخرى مثل مصر والمغرب، وسوريا الذين سيطروا على الساحة خلال السنوات الأخيرة.