"الجزائر نيوز" شكّلت بدايتي الحقيقية في الإعلام حاوره: محمد. ح في هذا الحوار يتحدّث الصحفي أمين علاّم عن تجربته الصحفية التي بدأها في القسم الرياضي ليومية "الشباك"، وتواصلت عبر عدة صحف انتقل فيها بين كل الأقسام، قبل أن يستقر بيومية "وقت الجزائر" التي تولّى رئاسة تحريرها ثمّ عُيّن مشرفاً عاماً عليها، ويعتقد علاّم أن الصحافة المكتوبة في الجزائر أمام منعرج حاسم يستدعي تجديد أساليب تقديم محتواها والاستثمار في الصحافة الرقمية، مضيفاً أن الساحة الإعلامية بحاجة إلى إعادة تنظيم، لتخليصها من "الفوضى والمنافسة غير الشريفة".
*بدايتك في العمل الإعلامي كانت عبر جريدة "الشباك" كيف كان ذلك؟ -فعلاً، أول مقال صدر لي كان في جريدة "الشباك" سنة 2013، وكنت لم أزل طالباً في السنة الثالثة جامعي.. ذهبت إلى الصحافة الرياضية لأنني كنت أمارس الرياضة وأحبّها، وطالما اعتقدت أنني لن أكتب في مجال آخر غير الرياضي، التحقت بالجريدة عن طريق عثمان طايبي الذي كان يعمل فيها حينها، كان زميلاً لي في المرحلة الجامعية، اقترح عليّ الكتابة في "الشباك" وهو ما تمّ فعلاً بعد أن اتّفقت مع مديرها آنذاك ياسين معلومي، أذكر أن أوّل مقال كتبته كان حول مباراة في كرة القدم بين فريقي عين بسام وسور الغزلان، لكن المقال لم يُنشر إلا بعد يومين بسبب طريف، وهو أنني أرسلته عن طريق الفاكس بالجهة المقلوبة (يضحك) وهكذا، واصلت الكتابة عن الفرق المحلية، أبرز ما ميّز تلك التجربة، هو أنها كشفت لي مدى صعوبة العمل الإعلامي الذي استسهلته في البداية: كنت أعتقد بأن المعلومة تأتي إلى الصحفي، لكن عملي الميداني في الملاعب جعلني أكتشف أن الأمور لم تكن بتلك السهولة والبساطة.
*كم استمرّت التجربة وأين كانت محطّتك القادمة؟ -تجربة "الشباك" استمرت ثلاثة أشهر ثمّ التحقت بعدها بجريدة "اليوم"، لأنها كانت في تلك الفترة واحدة من الجرائد المؤثّرة والتي تعد مستقبلا مشرقا، ولأنها كانت تضم فريقا إعلاميا محترفاً يشرف عليه الإعلاميان احميدة عياشي وخضير بوقايلة، ويجمع عدداً من الصحفيين المميزين، أذكر منهم رشيد بوذراعي ومحمد إسماعيل ونايلة برحايل ويوسف تازير وداود وعلالي والياس بومالطة وفيصل صاولي وعبد النور بوخمخم وغنية قبي ونبيل حاجي والخير شوار، وأيضاً لأن المشهد الإعلامي لم يكن يحوي الكثير من الصحف كما هو اليوم، الحقيقة أنني حاولت قبل ذلك الالتحاق ب"الخير"، لكن باب التوظيف كان مغلقاً، استمرت المغامرة إلى غاية مغادرة احميدة عياشي الذي أسّس جريدة "الجزائر نيوز" وخضير بوقايلة الذي التحق بيومية "الصباح الجديد" كمدير لها، حدث نزيف في الجريدة، وتفرق الزملاء بين المشروعين الجديدين، بينما فضّل البعض البقاء في "اليوم".
*وأنت هل بقيت في "اليوم" أم اخترت إحدى الوجهتين؟ -فضّلت الالتحاق بجريدة "الجزائر نيوز"، لأنها كانت تضمّ طاقماً شاباً، وكل عناصره تقريباً من جيلي، ومنهم سليمان حاج إبراهيم وسميرة ساخي وإبراهيم فخار وعاطف قداردرة وزينب بن زيطة ومصطفى دالع وزهية منصر وسفيان داسة، إضافة إلى مؤطّرين مخضرمين على غرار مهدي براشد سكرترير التحرير وفيصل ساولي رئيس التحرير، من هنا يمكن القول إن "الجزائر نيوز" شكّلت بداية حقيقية لتجربتي الإعلامية، حاولت أن أعمل في الوطني أو الرياضي، لكن احميدة فضّل أن أكون في القسم الثقافي الذي لم أتحمّس له، واعتقدت أن نهايتي ستكون فيه، وذلك لعدم إلمامي الجيّد بالواقع الثقافي الذي كنت أجده معقدا، لكنني استطعت التأقلم بفضل زملائي في القسم مثل سهيلة ماغا وزهية منصر وسعيد حمودي، أذكر أنه في تلك المرحلة كانت هناك حركية ثقافية كبيرة، وأحيي بالمناسبة شخصيتين لولاهما لما استطعت المواصلة في هذا المجال: أمين الزاوي مدير المكتبة الوطنية السابق، الذي كان يقيم نشاطات يومية ويستضيف الكثير من الشخصيات الثقافية، والراحل الطاهر وطار الذي جعل من "الجاحظية" محجّة ثقافية لا تتوقّف فيها الندوات والمحاضرات والنشاطات الثقافية.. ساعدني ذلك الاحتكاك بهذا المجال، وسهّل عليّ إنشاء أجندة ثقافية، كان هناك نقاش حي في المجتمع، على عكس اليوم، حيث يكاد النشاط الثقافي يقتصر على الحفلات الغنائية، أذكر هنا أيضاً أن "الجزائر نيوز" كانت الصحيفة الجزائرية الوحيدة التي تفتح صفحتها الأولى بالحدث الثقافي، وهذه تُحسب للكاتب والإعلامي احميدة عياشي الذي كان يولي القسم الثقافي أهميّة خاصة.. أذكر أننا في معرِض الكتاب كنا نخصّص نصف صفحات الجريدة للحدث، لم نكن نذهب إلى قاعة التحرير أصلا، بل نقضي يوماً كاملاً في المعرض.. كلّ هذه الأمور أسهمت في صقل التجرِبة الإعلامية، بعد مغادرة ماغا وسعيد جاب الخير، اقترح احميدة رئاسة دورية على القسم، وكانت تلك المرّة الأولى أتولّى فيها مسؤولية ما، ثمّ عُيّنت رئيسا للقسم الرياضي. استمرّت التجربة إلى غاية 2006، بعدها غادرت "الجزائر نيوز" والتحقت ب"الهدّاف".
*لكن تجربة "الهدّاف" لم تدم طويلاً؟ -نعم، قضيتُ فيها ستّة أشهر فقط، لم يناسبني مناخ الجريدة ولم أكن مرتاحًا لطبيعة ريتم العمل، التحقت بأسبوعية "إيتي ماغ"، باللغة الفرنسية صحفيا، وبعد تأسيس ملحق يُعنى بتكنولوجيات الإعلام والاتصال باللغة العربية باسم "إعلام تك"، انضممت إليه صحفيا فرئيس تحرير، وقد استمرت التجرِبة سنة كاملة.
*بعد ذلك؟ -اتّصل بي مدير "مجمّع السفير"، بركان بودربالة، واقترح عليّ الالتحاق بالمجمع الذي يضم عدداَ من الأسبوعيات متخصصة، كان ذلك في 2007، تولّيت منصب رئيس تحرير متخصّصا في تكنولوجيات الإعلام والاتصال إلى غاية 2009، حيث بدأت منعرجاً جديداً مع يومية "وقت الجزائر" التي التحقت بها صحفيا في القسم الوطني، ما حفّزني على القيام بهذه الخطوة هي جدية المشروع بالمقارنة مع غيره من المشاريع التي كانت موجودة في تلك الفترة، فبحكم أنني قضيت سنوات في دار الصحافة أخذت نظرة جيّدة على المجال بأشخاصه ومؤسساته، اتصل بي مراد آيت أوفلة وعرض عليّ الالتحاق، فلم أرفض العرض على رغم أنني كنت مرتاحا ماديا ومعنويا في "السفير".. كنت أبحث عن تحد وأفق جديد في الإعلام، تدفعني فيه الرغبة في العودة إلى العمل الميداني، بعد أن استغرقتني الصحافة المكتبية لمرحلة، انطلقت المغامرة بإشراف آيت أوفلة، وكان رئيس التحرير هو يوسف تازير ورئيس القسم الوطني هو المرحوم شوقي مدني، وبالفعل عدت إلى العمل الميداني والتقيت بصحفيين اشتغلت معهم وآخرين أعمل معهم لأوّل مرّة، وبعضهم أعرفه كاسم لكن لم يسبق أن التقيت بهم، مثل الرسام ساعد بن خليف والصحفية نورة جميلة، الحق أن مالك الجريدة وفّر كل الإمكانيات لإنجاحها، هنا يجب أن أذكر أننا فُجعنا بعد أشهر قليلة من انطلاق الجريدة بوفاة الزميل شوقي مدني الذي اشتغلت معه في "الجزائر نيوز"، كان صحفياً محترفا بأتم معنى الكلمة، يضع العاطفة جانباً في عمله، ولا يبخل على الصحفيين الجدد بالنصائح والتوجيهات، وفاته كانت خسارة كبيرة للمشهد الإعلامي في الجزائر وللجريدة التي فقدت أحد أقلامها المؤسِّسة.
*على رغم هذا المناخ المريح غادرت "وقت الجزائر" وخضت تجربتك الأولى في السمعي البصري؟ -في 2011 غادرت الجريدة بعد أن عاود "مجمّع السفير" الاتصال بي للإشراف على يومية "اللقاء"، لكن عملي هناك لم يدم طويلاً، إذ انتقلت في 2012 إلى قناة "الجزائرية" لرئاسة تحرير النشرة الإخبارية، كانت تجربة مفيدة لي، لأنها المرة الأولى التي أشتغل فيها بالسمعي البصري، حيث أخذت نظرة عن قرب على هذا المجال الذي يختلف عن الصحافة المكتوبة في كثير من التفاصيل.. بعدها عدت إلى "وقت الجزائر" صحفيا ثم رئيس تحرير، ثم مشرفاً عاماً عليها.
*معروف أن مالك الجريدة هو رجل الأعمال علي حدّاد فماذا عن خطها التحريري؟ -لا تختلف "وقت الجزائر" عن بقية الجرائد في شيء، هي تضمّ طاقما صحفيا وتقنيا وإداريا محترفا، ولديها ميزة تختلف فيها عن الكثير من المؤسسات الإعلامية وهو وضعها المهني المريح، نعمل وفق خط تحرير متوازن، حيث لا نشتم ولا نقذف أحدا، نغطّي كل الأحداث والنشاطات على اختلاف تياراتها وحساسياتها السياسية، ولا نقسي أحداً.. لا نملك "قائمة سوداء"، بل الجريدة مفتوحة للجميع في إطار الاحترام والثوابت الوطنية.
*ألم تفكّر في الالتحاق ب"دزاير تيفي" التابعة للمجمّع الإعلامي نفسه؟ -بعد إطلاق "دزاير تي في"، أصبح الاهتمام الأكبر منصبّاً على الصحيفة الورقية، لأن نواة الجريدة التحقت بالقناة، كانت هناك رغبة في ألاّ تتأثّر بمغادرتهم، ولذلك جعلنا من المحافظة على استقرارها أولوية، من خلال تدعيمها بصحفيين من الجيل الجديد وهو ما تمّ، هنا دعني أسجّل أن هناك وفرة في سوق العمل، لكن ليس سهلا إيجاد صحفيين أكْفاء وجيّدين.
*كيف تنظر إلى واقع الصحافة المكتوبة وتحدياتها في الجزائر؟ -الصحافة المكتوبة مهدّدة، إن لم نقل إنها في عين الإعصار، أولا بسبب الأنترنت والصحافة الإلكترونية التي جعلت عدد قراء الصحف يتقلّص يوما بعد يوم، وهذه ظاهرة عالمية ولا تقتصر على الجزائر، والمنعرج الثاني هو فتح المجال السمعي البصري الذي أثّر بشكل كبير على الصحافة المكتوبة، فقد أصبحت الأخبار في متناول الجميع وفي ظرف قصير، لم يعد بالإمكان الإمساك بمعلومة لمدة 24 ساعة ثم تقديمها للجمهور، بينما لديه إمكانية الحصول عليها بالصوت والصورة وفي أي لحظة، من خلال الشبكات الاجتماعية والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية، الصحافة المكتوبة إذن أمام رهان كبير، فإما أن تتجدّد أو تتبدّد، لقد بات ضروريا تغيير طرائق تقديم المحتوى والاستثمار في الصحافة الرقمية، هذا ليس أمرا سهلاً بالتأكيد، لكن جرائد دولية عديدة استوعبت هذا الأمر، مثل "نيويورك تايمز" و"فاينانشل تايمز" و"واشطن بوست" و"ليبيراسيون" و"لوموند" و"لوغيغار"، وغيرها من الصحف التي أولت الإعلام الإلكتروني اهتمامًا بالغاً.
*ماذا عن المشهد الإعلامي الجزائري بشكل عام؟ -أعتقد أن المشهد الإعلامي في الجزائر لم يعد يتحمّل هذا الكم الهائل من العناوين الصحفية والقنوات التلفزيونية من الناحية التجارية، سوق الإشهار التي هي الشريان الحقيقي للإعلام غير قادر على تغطية هذا الكم، فضلاً عن مشاكل التوزيع التي تزداد مع هذا التضخم، نحن نخوض معركة يومية من أجل ضمان وصول الجريدة إلى أبعد نقطة، وبات بإمكان المواطن أن يقرأها في تمنراست وفي جهات الوطن الأربع، على الرغم من المصاريف الكثيرة التي يتطلّبها ذلك، لكن الإيمان بالخدمة العمومية وحق المواطن في المعلومة يجعلنا متمسّكين بإيصالها إلى أبعد نقطة.. عندما يتصل مواطن من أقصى الجنوب لأننا كتبنا عن حيه فهذا يكفي ويزيد، لا بد من تأطير جديد وجدي من سلطة ضبط للساحة الإعلامية التي تتّسم حاليا بالفوضى والمنافسة غير الشريفة، فعلى رغم المحاولات بالعمل بشكل احترافي، إلا أن هذه الفوضى تشكّل عائقا يحول دون ذلك.
*وما رأيك في الفضائيات الخاصة؟ – على رغم الانتقادات الموجهة إليها إلا أنني من أنصار مقولة "من الكمية نجد النوعية".. هناك سلبيات حقا، لكن هناك ايجابيات أيضا، منها أننا اكتشفنا أسماء ووجوها تلفزيونية ما كان لها أن تظهر لولا تحرير القطاع، هناك برامج تلفزيونية نفتخر بها ونشرات إخبارية على مدار اليوم، سقف الحريات ارتفع وبتنا نشاهد مواضيع وقضايا لم تكن تُطرح على التلفزيون الجزائري، من الإيجابيات المهمة هو تراجع نسبة مشاهدة الجزائريين للقنوات الأجنبية، فبعد أن كانوا مشتّتين بين الفضائيات الفرنسية والمشرقية استوعبت الفضائيات الخاصة هذا الجمهور، وهذا هام جدا، وسيجعل الجزائر بمنأى عن تأثيرات السلبية للإعلام الأجنبي المغرض.