ح/سامية يبحث شباب اليوم على التميز بالمظهر أكثر من أي شيء آخر، حتى الذكور منهم صاروا يحرصون على التأنق بقصات النجوم والرياضيين الأكثر شهرة عبر العالم، وكلما كانت القصة أو التقليعة خارجة عن المألوف أو حتى مثيرة للاشمئزاز، كلما كان الإقبال عليها أكبر، ومن "الإيمو" إلى "التكنو" و"الزيقا" تضيع حياة شباب يخالف من أجل أن يعرف. صار من المألوف اليوم رؤية شباب رؤوسهم أشبه بخريطة أو لوحة ل"بيكاسو"، فالضرورات تبيح المحظورات والموضة التي هي أهم ما يشغلون به أنفسهم، تبيح حسبهم كل شيء في سبيل التميز أو تقليد فلان أو علان سواء أكان نجما في كرة القدم أو في الفن، الأمر سيان لأنه في النهاية نجم ومطلوب جماهيريا، وأكثر ما يهم هو قصة شعره وغرابتها سواء أكانت "حلقة الزيقا" التي يتميز بها الرياضيون أو "التكنو" أو حتى "السردوك"، وحتى الفتيات يلجأن إلى قصة "الإيمو" الشهيرة التي تتميز بحلق جزء من الرأس شبه أصلع مع ترك الجزء الثاني طويلا أو في بعض الحالات حلق الجوانب بشكل مقزز، لكنهن للأسف يرون أنه متميز و"ستيل"، كما تردد نهاد (17 سنة)، التي أكدت أن موضة "الإيمو" انتشرت بين طالبات الثانوية منذ سنوات وأنها ترمز إلى أنها إنسانة عاطفية وحساسة، كما تعرف أن جماعة "الإيمو" هي جماعة غريبة ولها تصرفات غريبة معادية للمجتمع، في حين تؤكد نهاد أن التقليد عبر قصات الشعر لا يعني أبدا التقليد في المضمون بعدما واجهناها بما تتميز به جماعة "الإيمو" بأنهم لا ملة لهم ولا دين ولا يؤمنون بالمجتمع ولا بأي شيء، وأن أغلبهم من عبدة الشيطان الذين يدعون إلى الانتحار بطرق مروعة، ساعتها فقط اعتراها الرعب مما سمعت وساعتها فقط أيقنت أن شبابنا المسكين يتبع كل ما يرى دون دراية حتى بمن يقلدهم.
إكسسوارات عبدة الشيطان تتصدر الموضة الشبابية
بالموازاة مع انتشار القصات الغريبة بين الشباب، تترافق هذه الأخيرة مع إكسسوارات عجيبة هي الأخرى تبناها الشباب الجزائري المراهق، بعضها خيوط تتدلى منها بعض الرموز تربط على الأيدي وتقدم مجانا في بعض المحال إذا ما أقبل الزبون الشاب على شراء قطعة ملابس، وللأسف أن شبابنا يقبل عليها وهو يجهل معانيها وهي في واقع الحال رموز لجماعة عبدة الشيطان المعروفة في الغرب، و في بعض الدول العربية على غرار لبنان ومصر ودول أخرى، وحتى الأزياء التي تحمل رموز جماعات الماسونية تنتشر في محلاتنا وتباع على أنها آخر صيحات الموضة، والغريب في الأمر أن لا أحد يتفطن لها بل يقبلون عليها متجاهلين رسم الجمجمة والعين التي ترمز إلى المسيح الدجال وغيرها من الرموز الدخيلة والغريبة.
شباب يؤمن بمبدأ "خالف تعرف"
يرى منير أن هذه القصات التي يعتبرها البعض غريبة هي في الواقع عادية جدا، ويؤكد "نحن كجيل جديد مقتنعين بها وفي الأخير هذه حرية شخصية، وكلنا حر فيما يفعل"، وأضاف" مثل هذه الظواهر مجرد موضة سطحية لا تمس المضمون، وهذه التقليعات لا تدل على فراغ الشاب أوالشابة ثقافيا وفكريا، بل هي مجرد وسيلة من وسائل الترويح، ومسايرة للموضة العالمية، وهي ظاهرة موجودة في كل بلدان العالم". ويؤكد آدم بدوره 18 سنة، طالب بثانوية توفيق بوعتورة بالأبيار، أنه يحب تجريب آخر تقليعة وموضة شبابية، فهو لا يجد حرجا في تجريب حلقة "الزيقا" التي لاحظناها على رأسه، وهي تقليعة غريبة وبشعة بحيث يقوم الشاب بحلق "زيقة" أو خط طولي على رأسه تيمنا بالرياضيين، في حين أن بعض العارفين في المجال يرجحون أن تكون أحد رموز الماسونية لأن شباب اليهود أكثر من يقبل عليها، في حين يؤكد مروان أنه لا يتبع أي موضة في تقليعات الشعر، لأنها تختلف من شخص لآخر مهما تشابهت، ويضيف"أهم شيء في اختياري لتسريحات شعري هو التغيير، لأني لا أطيق أن تكون لي تسريحة واحدة"، ويضيف "معظم تسريحاتي أختارها بنفسي من مظاهر اللاعبين ونجوم السينما والغناء، والدافع إلى ذلك هو الظهور بشكل مختلف، ولأنه يخص أشخاصا أنا معجب بهم من المشاهير المتميزين". أما فؤاد وهو شاب اشتهر بين شباب حيه بصاحب القصات الغريبة، فيروي تاريخه مع هذه التقليعات العجيبة قائلا" لقد جربت كل القصات وحتى الصبغات على رأسي من " التكنو" إلى "السردوك"إلى "الزيقا"، وهي القصة التي تميز بها "جاستن بير"، وكذا قصة "رونالدو"، وأكد أنه لا يجد حرجا في ذلك لأن هذا الشكل المتجدد هو ما يميزه في الحي، مضيفا أن يقوم بإجراء مثل هذه القصات لدى حلاق خاص، وهو لا يفصح عن اسمه لأحد حتى لا يقلده كل الحي".
التنافس على أكثر القصات غرابة
وأفاد طالب بإكمالية "لاكونكورد"، بأن الكثير من التلاميذ يتنافسون في عمل قصات شعر لافتة وغريبة، وأن الأمر أصبح ظاهرة، مشيراً إلى أن العديد من التلاميذ أصبحوا يقبلون على هذه القصات ويعتبرون الأمر حرية وإثباتاً لدخولهم مرحلة الشباب، وحتى الأهل لا يستطيعون منعهم من ذلك. وذكر أيوب، أن معظم طلاب الإعدادي والثانوي يفضلون عمل قصات شعر غريبة أو ارتداء ملابس لافتة، تحت مبدأ خالف تعرف، وأن كثيراً منهم يقلدون صاحب التقليعة، خصوصاً إذا كان الأقوى بينهم، أو المسيطر على المجموعة الشبابية. فيما أكد بعض الطلاب الذين يقومون بارتداء ملابس ضيقة وعمل قصات، لها أسماء غريبة أنهم يسايرون الموضة، ولا يجدون أي عيب أو حرج في ذلك، لافتين إلى أن رفض البعض لهم والتعليق على ملابسهم ومظهرهم، هو انتقاد في غير موضعه، هدفه الانتقاد من أجل لا شيء. كما رفض هؤلاء الشباب اتهام البعض لهم بالتقليد الأعمى للغرب، مشيرين إلى أن الموضة ليست لها جنسية محددة، وليس هناك ما يسمى قصات غربية وأخرى عربية، خصوصاً في مجتمع متفتح على مختلف الثقافات.
…الأولياء مغلوبون على أمرهم
يقول عباس أب لشابين مراهقين "أنا أرفض بشكل عام هذه التقليعات الغريبة التي لا تمت إلى تراثنا وحضارتنا بصلة، فأنا أعتبرها وباء يجتاح الجزائر والعالم الإسلامي، بداية من الملابس الشاذة وقصات الشعر الغريبة، وانتهاء باللغة المبتذلة التي تشبه الشفرة غير المفهومة، وهو ما انتشر أخيرا في داخل أوساط الشباب. بينما تقول خيرة" لا أجد حرجا في أن يرتدي ابني أو ابنتي هذه التقليعات الشبابية، بل على العكس، أنا أشجعهم على اقتناء كل ما هو مميز وجديد في الأسواق، فأنا أمنح أولادي كامل الحرية – التي لم أحصل عليها – في اختيار ملابسهم وقصات شعرهم". وتضيف خيرة قائلة "يجب على الأسرة ألا تحجر على أبنائها في اختيار ملابسهم بل يجب أن تتركهم لذوقهم الشخصي، طالما أن هذا السلوك لم يأخذ شكل الظاهرة الشاذة". ويرى إبراهيم وهو أب لمراهقين، أنه لا عيب في اتباع الشباب التقاليد الغربية سواء في الملابس أو الإكسسوار، ويقول"أنا ضد أية قيود تفرضها الأسرة أو المدرسة أو المجتمع على هؤلاء الشباب، لأنني أؤيد الحرية الشخصية لكل شاب وفتاة في اختيار ما يناسبه حتى يؤكد ذاته وتنمو شخصيته طالما لم يخالف الشرع والدين".
الأخصائيون يؤكدون: المقلد يشكو من عقدة النقص
أما الأخصائية بديعة بن محمد، فقد حذرت بشدة من خطورة الانسياق وراء تلك الظواهر الغربية التي انبثق عنها بعض الجماعات وعلى رأسها جماعة "الايمو" و"التكنو"، وذلك لأنها تمثل مصدرا خطرا على شبابنا بفعل الأضرار النفسية والجسدية والاجتماعية الكبيرة التي تخلفها هذه الموضة الغريبة. والمقلد عموماً شخصية تشكو من النقص وعدم الثقة بذاتها، ولايمكنها أن تحقق ذاتها وأن ترضى عنها من خلال أعمالها العادية وسلوكها واستقلاليتها وإنتاجيتها.. وهي شخصية قلقة وغير مستقرة وتبحث عن ذاتها من خلال الآخرين فقط، ولا يمكنها أن تنظر في أعماقها لتكتشف مواقع القوة والضعف، بل تهرب إلى التفكير السطحي والكسب السريع والإطراء من الآخرين، كما أنها أقل نضجاً وتماسكاً وفعالية، وهي تتأثر بسرعة وتتقلب وتفتقد إلى القوة الحقيقة والعمق والنجاح ..