تفسير المؤمنين الجزء الثامن عشر اليوم أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا وهو بهذه الصفات مختلف اختلافًا جذريًا عن صراط المغضوب عليهم وعن صراط الضالين الذين سوف يحشرون يوم الفصل وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله إلى خلاف هذا الصراط وهو صراط الجحيم: "مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ" الصافات: 23، فالهداية إلى الصراط المستقيم هي قمة أنعم الله التي إن أتمها على عبد من عباده فقد بلغ مراده إلى الجنة، فمن هداه الله في دنياه إلى الثبات على صراطه المستقيم، كان جزاؤه يوم القيامة الجنة مع الذين أنعم الله عليهم، لذلك بشر ربنا (جل جلاله) رسوله محمد يوم الفتح الأكبر بأربع بشريات لم يسبقه إليهن أحد ولن يلحق به من بعده أحد بعد أن أسعده والمؤمنين معه بالفتح (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا)الفتح: 01، وله بعد هذا الفتح المبين أربع أنعم كاملات. – ليغفر لك الله ذنوبك كلها سابقها ولاحقها ما تقدم منها وما تأخر – ويتم عليك نعمة الإسلام بكامل الدين وتمام النعمة – ويهديك صراطه المستقيم، وهو المنهج الذي رسم القرآن معالمه لأمة الإسلام، لتمتاز عن سائر الأمم إلى يوم القيامة بالاهتداء إلى صراط الله المستقيم. (وهو القرآن والسنّة). – ويظهر على يديك الدين كله بتوالي الانتصارات على خصوم المنهج كلهم. وسوف نفصل كل هذه المعاني في مظانها إن شاء الله، ولكن يهمنا أن نتحرك مع المؤمنين على مهْيع الصراط المستقيم المختلف عن صراط المغضوب عليهم وعن صراط الضالين، لندرك أن المعركة كلها قد بدأت بين آدم وإبليس (عليه اللعنة) حول أحقية النار أو الطين بسلوك صراط الله المستقيم الذي امتدّ من أول يوم أراده الله –من بداية خلق الإنسان- وشاء أن يبدأ فيه التكليف بين مطلق العبادة تحكيمًا وتسليمًا وخضوعا..وبين ظاهرالعبادة على حرف نفاقا وشركا ومراءات، وبين "عبادة" الشياطين من الإنس والجن سمعًا وعصيانًا وتملّصًا واستثقالا للتكاليف..ثم استمر هذا الخط في امتداداته مستقيما إلى أن أوصله الله بالجنة، وانحرفت عنه خطوط كثيرة فتفرقت بأصحابها إلى عصاة ومغضوب عليهم وضالين ومنافقين.. وكلها تؤدي إلى سواء الجحيم. لأجل هذه الحيرة التي تنتاب البشرية في بحثها عن الهداية جاءت سورة الفاتحة بهذا الفتح الرباني لتكون بحق "سورة الهداية" كون الآية المحورية فيها هي: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" الفاتحة: 06، فكل ما سبق من حديث في هذه السورة إنما هو تمهيد لفقه الهداية، فالحمد، والثناء، والإقرار بالربوبية، والألوهية، والرحمانية، والرحيمية، والملوكية، والإذعان لله (جلجلالهم) بالعبودية له وحده وسؤاله المعونة على الطاعة..كلها منازع إيمانية وسلوكات عبادية لا تتحقق مقاصدها إلاّ بشرط الهداية إلى صراط واحد هو "الصراط المستقيم" الذي يسره الله لعباده ليكونوا مهديين مخالفين لسبل الذين غضب الله عليهم، لأنهم عرفوا الحق وخالفوا عنه، وسبل الذين أضلوا أنفسهم باعتقاد الشرك منهجا للعبادة. فالألفاظ التي تتشكل منها هذه السورة خمس وعشرون كلمة جاءت لفظة الهداية بصيغة فعل طلب "اهدنا" في منتصفها سبقتها ثلاث عشرة كلمة ولحقتها اثنتا عشرة كلمة كلها خادمة لمعنى الهداية، وكل ما جاء فيه من مبادئ عامة لأقضية الحياة وأوليات لشتى أنواع العلوم والفنون والمعارف، وإشارات للمخترعات والاكتشافات، إنما وضعها الله بلطفه ورحمته مؤيدات مساعدة على الوصول إلى الهداية و"آيات" دالة على وجود الهادي إلى صراط مستقيم وحججا على المخالفين والجاحدين والضالين والظالمين والمغضوب عليهم أجمعين. يتبع…