إعداد: خيرة بوعمرة /حنان حملاوي يجمع عديد المثقفين الجزائريين على موت الجمعية الجاحظية بعد موت مؤسسها الطاهر وطار، ويحمّل هؤلاء مسؤولية ما آلت إليه من خراب إلى رئيسها الحالي الدكتور محمد تين، الذي يجدونه غير جدير بالحفاظ على الأمانة التي تركها الطاهر وطار لكل الجزائريين. الشاعر محمد صالح حرز الله: تين لا علاقة له بالإبداع و لا يمكنه خدمة الجاحظية
اعتبر الشاعر والبرلماني السابق محمد صالح حرز الله أن ما يحدث اليوم في بيت الجاحظية أمر عادي ومنتظر ممن أسماهم الدخلاء على الجمعية، مؤكدا بأن "محمد تين" رئيس الجاحظية الحالي لا علاقة لهم بالإبداع و عليه فلا يمكنه خدمة هذا الصرح الثقافي الذي بني على سواعد مثقفين حقيقيين. و ذهب حرز الله إلى أبعد من ذلك حين قال إن أهل الجاحظية قد تركوها لظروف ما، وهم من كبار الكتاب على غرار واسيني الأعرج، أحمد منور، زينب لعوج، عثمان بيدي، الآن ينبغي أن يعود الأعضاء الحقيقيون إلى بيتهم وأن يؤسسوا لمؤتمر ديمقراطي وينتخبوا رئيس ديمقراطي يعيد للجاحظية الحياة بعد موتها. أما الحديث عن الطاهر وطار المبدع فهذا أمر آخر، هو مبدع من كبار الروائيين العرب وهو من أسّس الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية ورائد من راود القصة الحديثة، وكان من أشد المدافعين عن اللغة العربية والثقافة العربية بصفة عامة، كان مدافعا شرسا العربية وأسهم في إنعاش الحياة الثقافية في الجزائر.
الروائي الخير شوار: الجاحظية ماتت برحيل وطار
قال الكاتب الخير شوار إنّ الجمعية الثقافية الجاحظية التي ارتبطت بمؤسسها الأول الروائي الراحل الطاهر وطار، والذي وهب لها سنين عمره الأخيرة، ماتت بموته وعلق عن المر قائلا "الجاحظية ما بعد وطار، مؤكدا أن المؤسسة التي يشرف عليها رئيسها الحالي الدكتور محمد التين، مرتبطة بمؤسسها الأول الذي وهب لها سنين عمره الأخير، في ظل ما يعانيه المشهد الثقافي في الجزائر من حالة من تهلهل و تراجع كبيرين. واعتبر شوار صاحب رواية "الشمعة والدهاليز" الطاهر وطار من الآباء المؤسسين للرواية الجزائرية، خاصة وأنه يعد أكثر الأدباء الجزائريين شهرة في المشرق العربي، وهو الذي ظلّ إلى غاية أيام حياته الأخيرة يملأ الساحة الإعلامية جدلا وصخبا بآرائه السياسية ومعاركه التي لم تكن تنتهي لذلك كان غيابه لافتا من الصعب استيعابه لمدة طويلة ربما. وأضاف المتحدث ذاته أن الراحل الطاهر وطار كان يعد أكثر الأدباء تواصلا مع الأجيال الجديدة سواء عن طريق وسائل التواصل الحديثة التي كان دائم التواصل معها، وكان من أكثر الناس إتقانا للمعلوماتية على رغم تقدمه النسبي في السن. الكاتب محمد صغير داسة: أداء الأدباء تراجع بعد رحيل الطاهر وطار
يرى الكاتب محمد الصغير داسة أن الحديث عن الطاهر وطار رحمه الله يحتاج إلى بحث ودراسة معمقة وليس مجرد كتابة أسطر، مشيرا خلال حديثه إلى تراجع أداء الأدباء بعد رحيل شيخ الرواية الجزائرية والعربية. وأشار داسة إلى تراجع دور جمعية الجاحظية التي كان ينشطها الروائي الطاهر وطار ومجموعة من الأدباء الناشطين في الساحة الثقافية، وهو ما أدى حسبه إلى تراجع أداء الأدباء خاصة في ظل عدم الاهتمام بالجمعية كمنتدى أدبي وفكري يجمع الطبقة المثقفة".
الكاتب والإعلامي المهدي ضربان: عاش متسلحا برأيه ولم يهرب كالكثيرين
استحضر الكاتب المهدي ضربان في حديثه مع الحوار ذكرياته مع الطاهر وطار قائلا"عرفت وطار في التسعينيات وهو واحد من كبار الروائيين العالميين…عايشت معه المعنى الثقافي كوني كنت أمين تحرير الشروق الثقافي …كنا نعيش الحراك الثقافي في مقر الجاحظية الذي أنتج عروضا مسرحية لفرقة"بغماليون" …وتفاصيلا من نشاطات ثقافية من خلال أمسيات ومحاضرات ولقاءات في النادي بين المثقفين من كل الأجيال …وفي رواق الجاحظية كنا نعيش معارضين لفنانين تشكيليين معروفين من شاكلة الفنان التشكيلي العالمي محمد بوكرش وآخرين وفي الجاحظية"، ويضيف محادثنا بأنه بتقدم الزمن بدأ الطاهر وطار في تأسيس مؤسسته الثقافية بهندسته الخاصة، حيث كان وراء تأسيس الجائزة المغاريبة للشعر، وأسس أيضا مجلة "البيان والتبيين" لصاحبها المرحوم بختي بن عودة ومجلة "القصة" و أسهمت منشورات الجاحظية في طبع الكثير من الروايات والدواوين الشعرية للروائيين والشعراء الجزائريين. ويضيف محدثنا بأن وطار كان يرفع شعار "لا إكراه في الراي" والذي رفعته الجاحظية التي كانت بمثابة الوكر بالنسبة لوطار الذي كان إنسانا متواضعا متسلحا بإرادة إنسانية فولاذية، وما يشهد للطاهر وطار حسب مهدي ضربان الذي عايشه لسنوات طويلة، أنه عاش متسلحا برأيه ولم يهرب مثلما هرب مثقفون معروفون إلى باريس خوفا من الإرهاب، بل بقي في العاصمة يصنع المجد الثقافي وأعطى لجمعيته بعدا وطنيا وعربيا وعالميا وأصبحت الجاحظية هي الطاهر وطار، والطاهر وطار هو الجاحظية، وكان للثقافة أن تزدهر في زمنه الجميل الذي شهد الكثير من الصراعات الثقافية التي كانت ترتسم هنا وهناك …كي تجلينا على الجميل من الفكر والمواقف.
*ناشد ميهوبي بإنصاف اسم الطاهر وطار رياض وطار ينتقد سياسة النكران و يطالب بحق قريبه من الدولة
وجّه الكاتب ورئيس جمعة نوافذ الثقافية رياض وطار قريب الروائي الراحل الطاهر وطار رسالة ساخنة إلى وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، مجددا طلبه بتأسيس جائزة باسم شيخ الرواية الجزائرية وإطلاق اسمه على إحدى المرافق الثقافية الكبرى وهي المطالب التي لم تتجاوب معها الوزيرتان السابقتان للقطاع خليدة تومي وبعدها نادية لعبيدي. و ثمّن رياض وطار في رسالته التي نشرها في صفحته الخاصة على الفايسبوك لتكون بمثابة إشراك للرأي العام فيما يتصل بفقيد الرواية والثقافة في الجزائر الطاهر وطار تكريم الروائي الراحل الطاهر وطار الذي أقيم له منذ أسابيع في عنابة وتسمية الإقامات الإبداعية الأدبية باسمه والتي اعتبرها صاحب الرسالة بمثابة الاستداراك والتصحيح لسياسة النكران والتجاهل التي مارسها الوزراء المتعاقبون على القطاع في حق الطاهر وطار، وهو التكريم الذي يراه رياض وطار ناقصا بسبب عدم دعوة ممثلين عن عائلة الطاهر وطار سيما أخته الصغرى التي تقطن بالمدينة نفسها التي أقيمت فيها الإقامة الأدبية. وشدّد ابن أخ الراحل الطاهر وطار المطالبة بترسيم جائزة أدبية باسم شيخ الرواية الجزائرية والتي كانت جمعيته نوافذ الثقافية قد طالبت بترسيمها منذ سنوات حرصا على تشجيع الروائيين الشباب مثلما كان يقوم به الطاهر وطار من خلال جمعية "الجاحظية". وهو ما اعتبره رياض وطار أقل ما يمكن للدولة الجزائرية من خلال وزارة الثقافة أن تقدمه لروائي أفنى عمره وصحته وماله في خدمة الأدب الجزائري خاصة والثقافة عامة باعتباره سفيرا لها عبر مختلف بقاع العالم. واغتنم رياض وطار المناسبة لتوجيه نداء لمن أسماهم بالغيورين على الجاحظية من أصدقاء الطاهر وطار القدماء والأعضاء المؤسسين للجاحظية على غرار الروائي واسيني الأعرج، الروائي أمين الزاوي، وكذا الروائي مرزاق بقطاش وكل الذين أسهموا في تأسيس الجاحظية إلى الالتفاف حول هذا الركح الثقافي الهام الذي يقول إنه أضحي اليوم خرابا مأسويا شبيه بالخراب الذي تشهده الحروب القائمة أوالتي وقعت في الماضي بعدما تولى تسيير أمورها من يقول وطار أنه كان توسّم فيهم خيرا ولكن بعد 5 سنوات خيبوا الآمال.
الطاهر وطار ..المدافع الشرس عن العربية
تعود اليوم ذكرى رحيل شيخ الرواية الجزائرية الطاهر وطار، لتعيد إلى الأذهان مواقف ذاك المدافع الشرس عن اللغة العربية في ظل تلك العاصفة التي أثارها قرار التدريس بالعامية، والذي اعتبره البعض مؤامرة وتهديدا للهوية الوطنية التي لطالما كانت قضية الطاهر وطار الأولى والأخيرة، والتي عمل على حمايتها من خلال كتاباته ونضاله المستميت في فضاء الجمعية الجاحظية التي حالت إلى هيكل ميت بعد رحيل وطار الذي ترك العربية والجاحظية أمانة في أعناق الجزائريين بعدما أفنى حياته مناضلا مدافعا عنها، لتحول مؤسسته ركاما ميتا بسبب ثقافة النكران وسياسة التجاهل التي مورست ضد اسم وذكرى تلك القامة الإبداعية الكبير وباستنتاج بسيط يمكن أن نحدد العلاقة بين ما يمارس اليوم من انتهاكات في حق اللغة العربية التي أصبحت عبأ على أهلها، و ما آلت إليه الجاحظية من خراب. و يعتبر الطاهر وطار من القامات الجزائرية الثائرة، هو ابن بيئته بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولد وطار في 15 أوت سنة 1936 بدائرة سدراتة ولاية سوق أهراس، عاش في بيئة استعمارية لم يسمح فيها للأهالي سوى بقسط من التعليم الديني، وهو ما جعله يلتحق بمدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 1950 وكان ضمن تلاميذها النجباء، شارك في تأسيس العديد من الصحف التونسية والجزائرية ما يعد واحدا من الأقلام المتمردة، وقد تجسد ذلك في رواياته "اللاز" ، "الزلزال" كما ألف عدة قصص طويلة أهمها: الطعنات، والشهداء يعودون هذا الأسبوع، ودخان من قلبي، بالإضافة إلى أعمال مسرحية من قبيل: على الضفة الأخرى، والهارب.
*المخرج محمد الزاوي ل"الحوار": الصحافة تعاملت مع وطار على أنه مادة إعلامية
يقول المخرج الجزائري المغترب محمد الزاوي الذي عايش اللحظات الأخيرة من حياة الراحل الطاهر وطار أنه يرى الموت تجربة فنية، مؤكدا بأن فيلمه عن الطاهر وطار كان ردا على الإعلام الجزائري الذي لطالما استغل اسم هذا المفكر الكبير للإثارة دون اهتمام بالجانبي الإنساني والفكري لشيخ الرواية الجزائرية . *اخترت التوثيق لآخر لحظات المفكر والروائي الراحل الطاهر وطار هذه الشخصية التي أثارت الكثير من الجدل في حياتها؟
-كان صديقا مقربا على رغم أننا لسنا من جيل واحد، أعرفه منذ نهاية السبعينات حين كان يدعم الطبلة المتطوعين و الحركات الشبانية، كنت حينها رئيس فرقة المستقبل المسرحية وطلبت منه يوما أن أقتبس إحدى رواياته للمسرح، و حين التحقت بالجامعة كان ينظم أحيانا بعض السهرات في بيته مع عدد من المثقفين والفنانين على غرار أحمد إمام و فؤاد نجم، كنا نحلم حينها بمجتمع جزائري تكتنفه العدالة الاجتماعية ومجتمع حداثي، ثم عرفته في إطار عملي كصحفي، عرفته بقبعة شيغيفارا وأفكاره التحررية، ثم انقطعت عنه لسنوات في فترة التسعينات، لم ألتق به إلا بعد مرضه وانتقاله إلى مستشفى سنتوتوان في باريس، وكنت حينها مراسلا لمحطة أبوظبي وعملت تقريرا حول مرضه و حينها قالي لي "الموت حالة فنية أريد أن أجربها "، وواضبت على زيارته رفقة واسيني الأعرج و عمار مرياش، وكنا نحاول تلبية حاجياته بعدما تماثل إلى الشفاء وترك المستشفى وبدأنا نلتقي يوميا تقريبا، وفي آخر أيامه قبل شهرين بالضبط من وفاته دعوته إلى الإقامة في بيتي، وحينها كنت أتابع عن قرب يومياته بدقة كان يواظب على سماع الأغاني الشاوي ويعشق عيسى الجرموني فقد كان هاتفه النقال يحمل الكثير من أغاني الجرموني ثم طلبت منه أن أسجّله، حتى إنني بدأت أتعرّف عليه من جديد في تلك اللّحظات الاسثنائية التي قضيتها معه والتي أعادتني إلى هضبتي في القرية.
*كيف تعاملت مع الكاميرا التي وجّهت ضوءها إلى وجه الطاهر وطار و هو يعيش أيامه الأخيرة؟
لم أختر أن أوجّه الكاميرا إلى الطاهر وطار، بل إن الموضوع جاء وليد اللّحظة التي أعيشها إلى جانب شخصيتي التي عادة ما تفرض علي استعمال الكاميرا، لكن يبقى أن لصناعة الأفلام أدواتها و مراحلها الاحترافية الدقيقة التي لا أعتمد عليها كثيرا بقدر تركيزي على الجانب الإنساني في أعمالي لم يكن هدفي صناعة فيلم بقدر ما كنت مصرا على توثيق لحظات عمي الطاهر و هو في بيتي، حيث كان شاعريا جدا في كلامه و هو متلقٍ على الأريكة، وهو ما جعلني أغلّب الجانب الإنساني في الفيلم حتى إنني يمكن أن أقول إنّ وطار هو الذي صنع فليمه بنفسه و حدد خطه.
*ألا تظن أنه كان بإمكانك صنع فيلم أكثر عمقا مما قدمته عن واحد من أكبر المفكرين الجزائريين والعرب؟ -فعلا، أعتقد أنه لو كان الأمر بيد مخرج آخر لاختار التصوير من زوايا أخرى، لكنني اخترت أن أبقي الأمور على حالها، خاصة أن وطار شخصية كبيرة و كان يملك رؤيا إديولوجية عميقة وواضحة جدا، حتى يمكن أن نقول إنّ كتاباته كانت أعمق من كتابات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم باعتراف أكبر المفكرين المصريين على غرار جمال الغيطاني و صنع الله إبراهيم. لكن شخصيا ما كان يهمني أكثر من وراء هذا الفيلم الوثائقي التوثيقي هو تقديم فيلم يقدم الطاهر وطار الإنسان، لا يمكننا أن ننكر أن وطار كان دائما شخصية تثير الجدل و لطالما استغلت الصحف الجزائرية اسمه للإثارة، حيث كانت تصنع من تصريحاته مادتها الإعلامية من خلال التركيز على المثير من كلامه وهو الدور السلبي وغير المسؤول للإعلام. وأنا أردت التركيز على الإنسان والرؤيا الفكرية والإيديوليوجية ومنابع أفكاره وأرائه المختلفة عن المفكرين الذين درسوا في المدارس الرسمية و هو خريج المدارس القرآنية و مدارس جمعية العلماء المسلمين.