شرطة للصيد تكبح جماح الصيادين غير الشرعيين، ونظافة الشواطئ، هي مطالب كررها على مسامعنا مجموعة من الصيادين بميناء فرانكو بالرايس حميدو موجهين تهمهم إلى السلطات المحلية بالتقصير في حماية الشاطئ من الدخلاء وتنظيم عملية الصيد فيه التي أصبحت عشوائية مع غياب النظافة خلال فصل الشتاء، ما نفاه زعيوة بوجمعة رئيس البلدية في لقائه مع ''الحوار''، مؤكدا أن المشكل لم يطرح على مستواهم وإلا لكانت البلدية قد اتخذت الإجراءات المناسبة، وهو ما حاولنا بدورنا التأكد منه بتواجدنا في الميناء واستطلاع الأوضاع. تنقلت ''الحوار'' إلى شاطئ ''فارنكو'' الواقع ببلدية الرايس حميدو، هذا الشاطئ الذي يعج بحركة الصيادين طيلة أيام السنة سواء أكان الجو مناسبا للصيد أم لا، من هواة يجتذبهم عشقهم للبحر وصفاء الروح الذي ينشدونه هناك ومحترفين أحبوه وعايشوه وجعلوا منه مصدر رزقهم الوحيد. مناظر جميلة بهذا الشاطئ لعشرات الشباب والكهول ممن انخرطوا في هواية الصيد، وهم يصطفون هنا وهناك فوق صخور البحر العالية جماعات أو فرادى، بعضهم يجلب معه المذياع أو راديو كاسيت والآخر الشاي والنعناع أو ''ترموس'' القهوة ومنهم من يجلب واحداً من صغاره يؤنسه خلال الساعات الطويلة التي يقضيها مغازلا أعماق البحر علها تقذف له ببعض ما تكتنزه من خيرات تنسيه رتابة الحياة وضجيج المدينة، وكم من صياد يعود إلى بيته نهاية اليوم وهو محمل بما يسميه الصيادون الهواة ''بياسات شابة'' أي حبات من السمك جميلة من حيث الوزن والنوعية لعل أبرزها سمك ''البوري''،''البونيط''،''الميرو''، ''ماكرو''، أسماء عدة ذكرها لنا كل من محمد هدان والحاج بشير، والإخوة سليماني. ''اللي حب يأكل الحوت يشريه والحوت أحنا نوكلوه'' كلام عمي محمد المنحدر من عائلة رياضية عريقة كان كله حكمة ومعان، لمسنا من خلاله تعلقه الشديد بالبحر وبشاطئ فرانكو تحديدا، حيث قال ''أنا أبذل كل ما بوسعي لقضاء أكبر وقت ممكن على الشاطئ سواء في الصيد بصنارتي هذه أو بالتنزه على القارب رفقة أصدقائي، ف 45 سنة من حياتي قضيتها بين شواطئ العاصمة حفرت في نفسي غورا أحمل فيه عشقا للبحر والصيد وممارسة رياضة التجذيف التي اعتزلتها الآن''. محمد هدان بطل الجزائر في رياضة التجذيف منذ 15 سنة جمعتنا به الصدف فكان أول من وقعت عليه أعيننا ونحن نتقدم في سيرنا بهذا الميناء، فكما قال لنا رب صدفة خير من ألف ميعاد، فتح لنا صفحات ماضيه متذكرا الحادثة الطريفة التي كادت أن تودي بحياته على شاطئ الرميلة وهو طفل صغير عندما حاول الإمساك بسمكة كان أحد الصيادين قد أعادها إلى البحر ليسقط في الماء الهائج لولا إلقاء الصياد بصنارته إليه ومساعدته على الخروج منه، وبدل أن ينفر من البحر زادته الحادثة تعلقا به أكثر لينخرط في النادي العاصمي للرياضات المائية. عمي محمد كان ملق بصنارته في الماء ومنسجما مع حركتها وهي تطفو ذهابا وإيابا وفقا لحركة الرياح، كسرنا عليه هدوءه وعزلته فاعتذرنا عن الوقت الذي سنضيعه منه والذي كان ربما قد جلب فيه أكبر قدر ممكن من السمك ليرد علينا مبتسما ''لست هنا للحصول على السمك وإنما لتمضية الوقت والتمتع بالبحر فأنا لا أصطاد حتى آكل السمك ف الحوت حنا نوكلوه واللي يحب يأكل الحوت يشريه''، عبارة اختتم بها كلامه معنا وهو يوجهنا إلى الصيادين المحترفين لنحصل على المعلومات التي نبحث عنها والتي قادتنا إلى هذا الشاطئ، فكان أبناء ال ''لوبو'' عميد الصيد بالقوارب بهذا الشاطئ وجهتنا التالية . ''التلوث والصيد غير الشرعي وراء ارتفاع سعر السردين'' نزلنا عبر مدخل به درج من صخور قيل لنا إننا سنجد خلفه ضالتنا من الصيادين المستاءين مما آل إليه شاطئ وميناء فرانكو بالرايس حميدو ، وبمجرد أن تقدمنا منهم وهم منهمكين في ترميم شباكهم وتنظيف قواربهم لاحظنا وضعية الشاطئ الذي كان يشبه إلى حد كبير مفرغة عمومية ورحنا نستفسر عن الوضع، حتى التفوا حولنا جميعا وهم يعرضون انشغالاتهم علينا وكأنهم يعولون علينا في تغييره، فكل واحد منهم يريد التحدث عما بات يقلقه ويشكل عائقا أمامه وأمام لقمة عيشه. الشاب طاهر سليماني صاحب ال 28 سنة ابن واحد من أكبر الصيادين بالمنطقة والمعروف باسم ''لوبو'' بدا وكأنه أكثرهم قدرة على إيفائنا بالمعلومات اللازمة، فقال ''أعمل بهذا الشاطئ منذ 18 سنة فتحت عيناي هنا على الشاطئ الذي كان مصدر رزق أبي ومازال مصدر رزقي أنا وإخوتي فنصطاد هنا أنا وشقيقاي مستخدمين معداتنا الخاصة من زوارق وشباك، معتمدين في ذلك على الحظ فكما تعلمون، قال الطاهر، ''الرزق في البحر على ربي'' فلا نخرج للصيد خلال الاضطرابات الجوية والعواصف ما يؤثر على مدخولنا اليومي، فنحن نعتمد في عيشنا على ما يجود به البحر وتحمله شباكنا من أنواع مختلفة من الأسماك مثل ''الروجي'' و''اليبونيط ''و''المرنوس'' نقوم ببيعها إلى بائع الجملة حيث يفرض علينا السعر الذي يجده مناسبا له فلسنا مسؤولين عن الأسعار التي تباع بها الأسماك في السوق، فسبب ارتفاع سعر السمك في هذه الفترة إلى 400 دج يرجع إلى التقلبات الجوية التي تحول دون خروجنا إلى البحر ما يجعل العرض أقل من الطلب في السوق فيقوم المضاربون بإحكام قبضتهم على الأسعار. فهناك أيام نصطاد فيها من 50 على 60 صندوقا من السمك على اختلاف أنواعه يوميا وأحيانا لا نوفق في الحصول على صندوق واحد حتى''. ''شباك من النفايات بدل الأسماك '' وخلال حديثنا مع الطاهر كان باقي الصيادين وعلى رأسهم أحد أشقائه يطلبون منه أن يتحدث عن المشكل الرئيسي الذي يواجههم خلال عملهم وأدى إل انقراض العديد من أصناف السمك بهذا الشاطئ. ففسح المجال لشقيقه الذي كشف لنا أن أهم المشاكل التي تواجه الصيادين المحترفين بهذا الشاطئ هي التلوث، بحيث يؤثر على المردود كمّا ونوعا، فقنوات الصرف الصحي لمصنع الإسمنت تصب بالمنطقة إضافة إلى ما يلقيه السكان المطلة سكناتهم على الشاطئ من نفايات منزلية إلى درجة بات فيها من الصعب التخلص من كل هذه الأكياس البلاستيكية، فأصبحنا نخرج شباكنا بعد إلقائها في البحر مليئة بالقاذورات والنفايات المنزلية بكميات تفوق كميات الأسماك التي نحصل عليها ما يتسبب في تعطيلنا عن مهمتنا حيث إننا نمضي عادة 3 ساعات في فرز أنواع الأسماك وفصلها عن بعضها البعض وفقا للنوع والحجم، ولو اقتصر الأمر على تضييع الوقت لكان أهون فنحن نمضي بعده أوقاتا أطول في إصلاح شباكنا والاعتناء بمحركات قواربنا التي تتلفها الأكياس البلاستيكية السابحة في البحر ، فلقد تحول شاطئ فرانكو على شبه مفرغة عمومية فهناك من المؤسسات والمصانع الصغيرة التي تأتي في آخر الأسبوع لتفرغ فيه نفاياتها. هذه التصرفات جعلت العديد من الأنواع السمكية بهذا الشاطئ مهددة بالانقراض فيما هجرته أنواع أخرى كان والدي يصطادها بكثرة لم نعد نحن اليوم قادرين على الحصول عليها بعدما تلوث الشاطئ، ليزيدنا المتحدث علما أن الأخطر هو الممارسات غير الشرعية لنشاط الصيد على هذا الشاطئ من قبل الدخلاء، حيث قال ''أصبح يقصد ميناء فرانكو صيادون من مناطق أخرى كصيادي بوهارون الذين الذي يأتون بقواربهم الكبيرة ويصطادون على عمق 200 متر مستخدمين المتفجرات وهو ما يمنعه ويعاقب عليه القانون في حال اكتشافهم من قبل حراس الشواطئ''. وأضاف ''نلاحظ غياب الرقابة بصفة كلية في هذا المكان في وقتنا الحالي حيث أصبحت تدخلات حراس الشواطئ مقتصرة على أوقات معينة تاركين المجال الواسع أمام الممارسات غير الشرعية للدخلاء، فنحن لسنا ضد قيامهم بالصيد في شاطئنا حتى وإن لم يكن هذا من حقهم لكننا ضد عمليات الصيد غير المنظم''. اعتبرنا كلام هؤلاء الصيادين اتهاما خطيرا قد يمس ببعض الأطراف وبالسلطات المحلية على وجه التحديد فارتأينا التأكد من الأمر والحصول على شهادات وتصريحات أطراف أخرى، وكان الحاج بشير مصدر معلومات آخر لنا، الحاج بشير الذي اعتاد على الصيد بصنارته بهذا الشاطئ منذ الاستقلال أكد لنا ما سمعناه من الصيادين الآخرين حيث ترك صنارته وعدة صيده في مكانها وحمله حماسه وغيرته على هذا الشاطئ الذي أصبح جزءا من حياته إلى اقتيادنا في جولة عبر الشاطئ لنتأكد بأنفسنا من صحة أقواله، فتوجهنا إلى نهاية أنبوب ضخم ولاحظنا أنه يصب مياها قذرة بهذا الشاطئ وتحديدا في مكان تجمع فيه مجموعة كبيرة من الصيادين القوا بصناراتهم فيه غير مبالين لنوعية المياه التي يصطادون فيها ولا لتأثيرها على صحتهم خاصة وأن قففهم البلاستيكية كانت مملوءة بالأسماك، فأوضح لنا الحاج بشير أنها قناة صرف مصنع الإسمنت الموجود بالمنطقة قائلا ''أتدركون حجم الكارثة الإيكولوجية؟''. وغير بعيد عن القناة لاحظنا تراكم الفضلات المنزلية لبعض المنازل المطلة على الشاطئ تنتشر روائحها الكريهة على بعد مترين تزيدها حرارة الشمس تعفنا أكثر، فهي موجودة بمنطقة لا يتمكن أعوان النظافة التابعون للبلدية من بلوغها، ومن المفرغة على ما بين الصخور أين تجمعت الأكياس البلاستيكية أكواما أكواما هنا وهناك رست فوقها بعدما تقاذفتها الأمواج خلال الاضطرابات الجوية التي سبقت مجيئنا إلى الشاطئ بيومين، ولعل ما أثار دهشتنا أكثر وأكد لنا أقوال الصيادين وجود حفاظات الأطفال في كل مكان جاءت هي الأخرى بنفس الطريقة التي وصلت بها الأكياس البلاستيكية إلى المكان، حيث قال لنا الحاج بشير إن سكان البلدية المطلة سكناتهم على البحر لا يدخرون جهدا في تلويثه بكل أنواع الفضلات المنزلية وحتى حفاظات أبنائهم. ''نطالب بشرطة الصيد وأعوان لتنظيف الشاطئ'' بعد جولتانا التفقدية -إن صح التعبير- رفقة الحاج بشير عبر الشاطئ التي دامت قرابة الساعة، عدنا إلى الصيادين الذين قالوا إن البلدية تخصص أعوانا لتنظيف الشاطئ في فصل الصيف فقط استقبالا للمصطافين، وتتركه دون عناية طيلة أيام السنة، فنجد أنفسنا مضطرين إلى تخصيص البعض من وقتنا لتنظيفه باعتباره مصدر رزقنا وإن لم نكترث نحن للأمر فلن نجد من يكترث له، فنحن ولحماية مصدر رزقنا نقوم بكل ما بوسعنا إلا ما هو خارج عن سيطرتنا فلا طاقة لنا به، وعادوا إلى طرح مشكل الصيد غير المنظم والاستعمال غير القانوني لطريقة النزول إلى أعمق نقطة ممكنة من الميناء للحصول على أكبر قدر ممكن من السمك و استخدام المتفجرات أيضا. وطالبوا من السلطات المعنية بالمسارعة في وضع ما وعدت به من شرطة الصيد البحري، حسبما جاء في تصريحات المدير العام للغرفة الوطنية للصيد البحري الذي أعلن عن إنشاء شرطة للصيد البحري خلال هذا العام ستسند إليها مهمة السهر على فرض احترام تطبيق قوانين الصيد التي تعرف خرقا فاضحا لمضامينها من قبل الصيادين سيما غير الشرعيين، منددين باهتمام أولا بالصيد ذاته قبل الاهتمام بمطاردة الأشخاص الذين يتحكمون في سوق السمك ولا يملكون سجلات تجارية ويسيطرون تماما على عملية التسويق التي تخالف القوانين سواء من ناحية تحديد الأسعار أو من ناحية الحفظ والتخزين. زعيوة يؤكد أن المشكل لم يطرح على البلدية وللتأكد من الاتهامات الخطيرة التي وجهها الصيادون إلى السلطات، كان لنا لقاء مع زعيوة بوجمعة رئيس بلدية الرايس حميدو، نفى من خلاله معظم ما نقله لنا الصيادون من انشغالات مؤكدا أن المشكل لم يطرح سابقا من قبلهم على مستوى البلدية وأن هذه الأخيرة كانت قد تحركت لاتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الوضع، ففيما يتعلق بنظافة الشاطئ أوضح زعيوة أن للبلدية أعوانا خاصين يسهرون على نظافته فيقومون بطريقة دورية وموسمية في شهري جانفي ومارس بتنظيفه من مخلفات البحر التي تحدثها العواصف، فلا يعقل أن يقوموا بتنظيفها يوميا خاصة خلال التقلبات الجوية والصيادون على علم بهذا، وفيما يخص الأعوان الدائمين فهم 5 أعوان في كل شاطئ موزعين عبر الشواطئ ال12 التابعة لإقليم البلدية. أما عن تنظيم الصيد، فأضاف زعيوة أنه قد طالب شخصيا من هؤلاء الصيادين بتنظيم أنفسهم في شكل جمعية نتمكن من خلالها بالتدخل على مستوى الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب حتى يحصلوا على قروض مصغرة دون فائدة يدعمون بها نشاطهم ويطورونه تماشيا مع الإصلاحات التي سيعرفها الميناء، إلا أنهم رفضوا ذلك لأنهم لا يتمتعون بتكوين في مجال الصيد البحري ولا بشهادات تثبت ذلك، أمام هذه الوكالة التي تشترط أن يكون الحاصلون على القروض من ذوي التكوين المهني في هذا المجال فلا تكفي الخبرة لوحدها، ما يفسر تهربهم من تنظيم أنفسهم، خاصة وأننا أطلعناهم على اقتراب موعد انطلاق أشغال إعادة ترميم ميناء فرانكو للصيد والتسلية. وكشف زعيوة في هذا الإطار عن تخصيص ميزانية تتراوح من 100 على 150 مليون سنتيم لأعمال الترميم في كل مرة تحدث فيها تصدعات بالشاطئ ما يؤكد عدم إهمال البلدية له كما يدعي الصيادون، إضافة إلى التعاون مع معمل الإسمنت بالمنطقة للقضاء على مفرغاته التي تصب حاليا بالبحر وهذا مع اقتراب نهاية العمال لمجمع عين البنيان-باب الواد للمياه القذرة والذي سيخلص هذا الشاطئ من قناة صرف المعمل التي تصب فيه. وعن مدى الخطورة التي تشكلها المياه القذرة على صحة المواطنين الذين يأكلون ما يجود به الشاطئ من اسماك ويسبحون في مياهه صيفا، أكد زعيوة أن الشاطئ مسموح السباحة وغير ملوث حيث تشرف البلدية نهاية كل أسبوع على عملية تحليل مياه البحر وهي خالية من أي مواد مضرة بالصحة عبر ال 3200 متر التي تطل عليها البلدية بشواطئها ال .12 ومن جهة أخرى كشف زعيوة عن مشروع إنجاز 10 محلات لتربية المائيات والصناعة البحرية سيستفيد منها الشباب المكونون في هذا المجال قبل نهاية السنة الجارية.