حسم، أمس، نواب كل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية الجزائرية، السجال الدائر لأكثر من شهر كامل حول مشروع قانون المالية 2016، بتصويتهم إيجابا على المشروع، في الوقت الذي رفضت المعارضة بكل توجهاتها التصويت ونظمت احتجاجات داخل الغرفة السفلى للبرلمان، وهو ما تحول فيما بعد إلى شبه حلبة مصارعة اشتبك فيها نواب الكتل الموالية والمعارضة بالأيدي وسط حالة من الفوضى العارمة التي لم يسبق للمجلس الشعبي الوطني أن عاشها من قبل. شهد مبنى زيغود يوسف أمس، حراكا غير طبيعي منذ الصباح الباكر، حيث انطلقت المناوشات بين نواب المعارضة ونواب الموالاة عبر وسائل الإعلام، قبل أن يختلط الحابل بالنابل بمجرد أن قررت المعارضة مجتمعة في أقطابها الثلاث (التكتل الأخضر والعادلة والتنمية، حزب العمال، جبهة القوى الاشتراكية) القيام بمسيرة داخل البرلمان مرددين فيها شعارات معادية للحكومة. وبعد كر وفر داخل المبنى انطلقت أشغال التصويت على المواد الواحدة تلو الأخرى في ظل مواصلة المعارضة في الصدح بالأناشيد الوطنية، وفي خطوة تصعيديه ولمنع رئيس المجلس العربي ولد خليفة من إعلان بداية الأشغال ارتقى رؤساء الكتل ثم جميع نواب المعارضة منصة المجلس وقاموا بوقفة احتجاجية رافضين النزول من المكان المخصص لولد خليفة، قبل أن تتدخل قوات الأمن مصحوبة بنواب الأغلبية الذين دخلوا في مناوشات كلامية حادة مع كتلة حزب العمال والأفافاس، تطورت فيما بعد إلى عراك بالأيادي. نواب المعارضة: أين أنت يا بوشوارب ؟ بعد قرابة نصف ساعة هدأت الأوضاع وانطلقت أشغال المصادقة على المواد المعدلة أو المضافة، وكما كان متوقعا سادت عملية التصويت فوضى عارمة و مداخلات متضاربة أين برز القيادي في حزب العمال رمضان تاعزيبت، كأحد أنشط النواب في القاعة واصفا الحكومة بأبشع النعوت "ما تحشموش، هذا قانون غير وطني، وغير شعبي، وافتراسي"، مضيفا ألا تخافون لعنة الأجيال القادمة "موجها خطابه لوزير الرياضة ولد علي الهادي"لم نكن نظنك مفترسا أنت أيضا، يا ولدي علي"، مضيفا "وزيركم قال لي بأنه "باندي وفي حكومة باندية "، أهذه حكومة تستحق أن تشرع للجزائر"، وفي ذات السياق، تساءل النائب عن حزب النهضة، يوسف خبابة "أين الوزير الذي قرر إدخال كل هذه التعديلات، أين أنت يا بوشوارب ؟". ورغم التدخلات القوية والجد حادة للمعارضة، واصل ولد خليفة تسير الجلسة بصعوبة بالغة، حيث توالى رفض تعديلات والمواد الجديد المقترحة من طرف المعارضة، أين قامت كتلة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي بالتصويت بنعم بطريقة آلية مصحوبة بالتصفيق. الشيء الذي دفع النائب عن حزب العمال نادية شويتم، بالرد "ننتظر أن تصفقوا على المادة الخاصة بالزيادة التي قررها هذا القانون، المتناقض مع فكر رئيس الجمهورية الذي تتدعّون مساندته"، وفي ذات الصدد كادت شويتم، أن تبكي بعد أن خصصت مداخلة للزيادة التي جاء بها القانون لضرائب الحفاظّات المتعلقة بالمرضى وكبار السن، قائلة" أليس في قلوبكم رحمة يا نواب الأغلبية، كيف تسمح لكم ضمائركم بالتصويت على مادة مهينة للمرضى الذين يتوجب مساعدتهم"، كما نددت حركة النهضة بتوجه الحكومة والأغلبية، في بيان لها" أكدت حركة النهضة أن إقرار قانون المالية لسنة 2016 دون تغييرات حقيقية يعد إيذانا لدخول مرحلة الاعتداء على جيوب الشعب الجزائري، محذرة من عواقب ما أقدمت عليه السلطة من قرارات اتخذت في أخطر المراحل التي تمر بها الجزائر، والتي تتميز بغياب المسؤولية الأخلاقية والسياسية لهرم الدولة".
بعد أن خرجت من الباب المادة "66" تعود من النافذة وفي وقت ظن فيه النواب أنهم حققوا على الأقل انتصارا واحد متمثلا في حذف المادة 66 من مشروع قانون المالية لسنة 2016 المتعلقة بفتح رأسمال المؤسسات الاقتصادية العمومية إزاء المساهمة الوطنية ، طالب وزير المالية، عبد الرحمان بن خالفة، الكلمة من العربي ولد خليفة، حيث قرر إعادة صياغة المادة شفويا وعرضها من جديد للتصويت رغم حذفها الشيء الذي أحدث زلزالا ثانيا لدى نواب المعارضة، خاصة بعد أن صوتت جبهة التحرير الوطني و الأرندي بنعم على المادة المحذوفة سابقا من طرف لجنة المالية. وتنديدا منهم بما سموه تحايلا على لجنة المالية، أوقف نواب المعارضة سير الأشغال، حيث قاموا بوقفة أخرى أمام الوزراء قبل أن يقرروا الخروج من البرلمان إلى الشارع في حدث لم يعرفه البرلمان سابقا ، حيث سيّجتهم مباشرة أعداد هائلة من قوات الأمن التي منعتهم من الحراك ومواصلة مسيرتهم. وقد اختتم رئيس المجلس الشعبي الوطني الجلسة المشحونة أمام كراسي شبع فارغة، بعد أن غادر نواب المعارضة، وضمان الموالاة المصادقة على المشروع، في انتظار مروره أمام مجلس الأمة قبل أن يصدر في الجريدة الرسمية، ليبدأ العمل به مطلع السنة الجديدة.