لا زلت أتذكر بداية الانتفاضة السّورية، والتي أجّجها الإعلام المُضلّل، وسكب فيها العلماء وقود الفتوى من أجل أن تزيد اشتعالا، فلم يعد يُدرى لهذه الثورة نهاية، رغم المساعي الحثيثة لوقف نزيف الدّم في حارات سوريا، وإعادة السّكينة والأمن اللّذين أصبحا حلما بعيد المنال، لشعب هُجّر وتشتّت عبر عواصم العالم، أما بقي منه فهو يرزح تحت المجاعة مثلما يحدث في مدينة مضايا. آه لو يعود الزّمن للخلف، في اعتقادي سيلعن السوريون هذا الربيع، ويلعنون ثورة الوهم التي بدأت بشعارات الحرية، وإسقاط نظام الأسد، قبل أن تُرفع فيها شعارات أطعمونا إننا نموت جوعا، آه لو يعود الزمن للوراء قليلا لتمرّد الشعب السوري على فتاوى شيوخ الضّلال الّذين أججوا نار الفتنة، واستباحوا الدم السّوري، وساهموا في تأجيج الاقتتال الداخلي، حتى تحوّل بلد كان ينعم بالأمن و الاستقرار إلى مرتع لكل من هبّ ودب، روم و فرس و أتراك، تتداعى على الأراضي السورية في حرب وقودها شعب سوريا الأعزل. لم تعد ثورة السّوريين من أجل الحرية، أبدا، لم تعد الحرية تعني لهم شيء أمام الجوع والخوف، لم يعد الشّعب السوري في حاجة إلى رحيل الأسد أو إسقاط النظام، وغيرها من الشعارات الرنّانة التي رُفعت، بقدر ما أصبح يبحث عن لقمة خبز يسدّ بها رمقه، فالأخبار التي تصل من مضايا يندى لها جبين الإنسانية، فالسّوريون ينتظرون فتوى من العلماء لأكل لحوم موتاهم والعياذ بالله. أي ثورة هذه التي تجوع الشعب السوري؟أي حرية هذه التي تغنّى بها الدّاعون لهذه الانتفاضة؟لماذا لم يستجب هؤلاء لنداءات الاستغاثة التي أطلقها السوريون المحاصرون من طرف مليشيات الأسد، أو لماذا لم يتم استقبال المهاجرين الذي تقطّعت بهم السّبل فيمّموا وجوههم نحو ألمانيا ودول أروبا؟ و أين هم من أذكوا وقود هذه الفتنة، لماذا تركوا الشّعب السّوري وحيدا يموت تحت أمطار قنابل الأسد ويموت جوعا ؟ أكلوا القطط والكلاب وينتظرون الفتوى لأجل أكل موتاهم. سحقا وبؤسا لثورة نهايتها مأسوية كهذه، و السّحق والعار للصّامتين والمتواطئين والمتشفّين، والسّحق السّحق لبشار الأسد ومليشياته وأزلامه، الذين تسببوا في هلاك الشعب السوري ردما وغرقا وجوعا.