في البداية لا بد من التأكيد على أن ترسيم اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية تعد خطوة مهمة في إطار التصالح مع ذاتنا، وفي إطار نزع فتيل أزمة الهوية التي تعيشها بلادنا على الأقل منذ استرجاع السيادة الوطنية سنة 1962م، نؤكد على هذا عكس ما يحاول البعض تصويره لنا من أن ترسيم الأمازيغية سيؤدي إلى تفتيت البلاد، فلا يمكن أن تكون لغة سكان الجزائر (دزاير) الأصليين وهم الأمازيغ عامل تفتيت بل بالعكس هي عامل وحدة، ولم يكن على مر التاريخ خصوصا قبل 1830م أي تعارض وصراع بين اللغة العربية واللغة الأمازيغية بل كانتا تسيران جنبا إلى جنب، وكان الجزائري له كل الحرية في التكلم بالعربية والأمازيغية ويؤلف أيضا بالعربية وبالأمازيغية التي كانت تكتب بحروف عربية. إن ترسيم اللغة الأمازيغية يمثل مرحلة أو خطوة أولى فقط في إطار إعادة الاعتبار إلى هذه اللغة التي يتكلم بها كثير من الجزائريين، على الرغم من أنني شخصيا لا أتكلمها ولكنني متضامن مع إخواني الجزائريين الذين يتكلمونها ويطالبون بترسيمها، لأن الدولة المدنية ودولة المواطنة تفرض علينا احترام لغة وثقافة وعقيدة كل الجزائريين، أضف إلى هذا أنها لغة ينص عليها دستور كل الجزائريين. قلت بأن إعادة الاعتبار لهذه اللغة هو خطوة أولى فقط في طريق طويل وأمامنا خطوات كثيرة، وأول ما يصادفنا في هذه الطريق هو السؤال الذي يطرحه كثيرون وهو بأي حرف ستكتب هذه اللغة؟ هل ستكتب بحرفها الأصلي التيفناغ؟ أم بالحرف العربي؟ أم بالحرف اللاتيني؟ وكل اتجاه من هذه الاتجاهات له أنصاره، بمعنى أن اللغة الأمازيغية تعاني من مشكلة وهي وقوعها تحت تأثير الأيديولوجيات خصوصا الذين يطمحون لكتابتها بالحرف العربي واللاتيني، أما أنصار كتابتها بحرف التيفناغ فلا شك أنهم يعتبرون اللغة كما أنها تتميز بعباراتها عن اللغات الأخرى وبمعانيها وبتراكيبها، فهي تتميز أيضا بحرفها النابع من تاريخها وأصالتها، فالعربية تتميز بحرفها وكذلك الفرنسية والصينية والهندية وهكذا، لذلك فرمزية الحرف هي بمثابة الروح بالنسبة للغة. ولو أن الأجداد قد حسموا أمرهم منذ القدم حول الحرف وكانت هناك استمرارية في طريقة كتابة اللغة سواء بالتيفناغ لما كانت هناك مشكلة، أو استمرارية الكتابة بالحرف العربي الذي كتبت به اللغة الأمازيغية في العصر الإسلامي، لكن هذا لم يستمر ولم يتطور كما حدث مع لغات أخرى اتخذت الحرف العربي على غرار الفارسية والتركية (إلى غاية سنة 1924) والكردية وغيرها، لكن مع حدوث هذا الانقطاع وهذا الخلل في طريقة كتابة الأمازيغية وبقاء الحال إلى هذا اليوم، كان لزاما علينا طرح هذا الأمر ومناقشته بعلمية وروية من جهة، ومن جهة أخرى مادام أن هذه اللغة هي ملك لكل الجزائريين بحكم التاريخ أولا ثم بحكم الدستور ثانيا، كان لزاما أيضا على الجميع الإدلاء برأيه في هذا المجال، ولا يمكن السماح لمجموعة معينة أن تفرض علينا رأيها، ففي دولة المغرب الشقيقة احتدم فيها النقاش طويلا حول الحرف الذي تكتب به اللغة الأمازيغية، بالعربي أو اللاتيني أو التيفناغ؟ ليتم الفصل نهائيا في النهاية لصالح حرف التيفناغ، وهذا الانتصار لحرف التيفناغ في المغرب بطريقة أو بأخرى سيكون له تأثير على الأمازيغية في الجزائر، لأن الأمازيغية في النهاية أيضا هي ملك لكل سكان أفريقيا الشمالية. أي أن في المغرب انتصر المنطق والعقل ومصلحة اللغة الأمازيغية على الأيديولوجيات، وهذا ما يجب أن يحدث في الجزائر أيضا للاعتبارات السابقة، ولما يلي: 1 – كتابة الأمازيغية بالحرفين العربي أو اللاتيني سيلاقي الرفض من الطرفين نفسيهما، فأنصار الحرف اللاتيني يعتبرون كتابتها بالحرف العربي خدمة للأيديولوجية القومية العربية التي طالما اتهموها بتهميش الأمازيغية، وبالمقابل فأنصار الحرف العربي سيعتبرون كتابتها بالحرف اللاتيني يؤكد اتهاماتهم التي طالما كالوها للأمازيغية بأنها من إحياء الاستعمار وأنها تخدم أجنداته. 2 – إدخال الأيديولوجية في كتابة لغة سيعرضها لخطر كبير، لنفرض مثلا أن أنصار الحرف اللاتيني قد انتصروا في مسعاهم، فمن دون شك سيأتي يوم تكون فيه القوة لأنصار الحرف العربي، وهذا ما سيجعلهم يعيدون النظر في طريقة كتابة اللغة وبالتالي تصبح اللغة لعبة في الأيدي، وقد رأينا في تركيا كيف أصبحت اللغة التركية لعبة بين الإسلاميين والعلمانيين. كانت تكتب بحرف عربي، جاء أتاتورك فأصبحت تكتب بحرف لاتيني، واليوم مع ظهور أردوغان ذو التوجه الإسلامي سمعنا كثيرا عن رغبته وحزبه لإحياء اللغة العثمانية، إن لم يكن هذا قد حدث أصلا. 3 – اللغة الأمازيغية هي ملك لكل أمازيغ الجزائر وشمال أفريقيا فلا يمكن لكل منطقة أن تختار الحرف الذي تشاء، وبما أن الإخوة في المغرب قد تبنوا حرف التيفناغ وكذلك الأمر في ليبيا، ومعروف على الإخوة الطوارق اعتمادهم التيفناغ كان لزاما على الجزائر أيضا تبني هذا الحرف خدمة لوحدة اللغة، وتمنينا لو وجد هناك تنسيق بين دول إفريقيا الشمالية للحسم في الأمر. 4 – يحاول أنصار الحرف اللاتيني اللفت إلى النموذج التركي بأن كتابة اللغة التركية بالحرف اللاتيني منذ عهد أتاتورك قد جعل تركيا تتطور، وهذا خطأ كبير فتقدم أي لغة في العالم مرتبط بتقدم الشعب وليس العكس فبقدر تقدمك اقتصاديا وعلميا وعسكريا تتقدم لغتك وتصبح لغة عالمية. وفي الختام نتمنى أن تكون هذه المقالة فاتحة لنقاش علمي وهادئ بخصوص الأمازيغية وطريقة تطويرها.