تحدث البرلماني السابق ورئيس الجمعية الوطنية لترقية وإدماج الشباب سابقا عن دوافع فتح الحوار بعد اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف معرجا على تفاصيل فعاليات ندوة الوفاق الوطني، مبرزا الدور الذي لعبته المؤسسة الأمنية في تعيين الرئيس السابق اليامين زروال الذي أكد أنه استقال بمحض إرادته بعيدا عن أية ضغوط أجبرته على ذلك. حاورته: هجيرة بن سالم * كنت رئيس الجمعية الوطنية لترقية وإدماج الشباب والتي وجهت دعوة للرئيس الراحل محمد بوضياف لحضور الملتقى الوطني للشباب والذي اغتيل يومها بعنابة، لو تحدثنا عن تفاصيل ذلك اللقاء؟ -بعد الأزمة التي شهدتها البلاد في أكتوبر 88 من النظام الأحادي إلى التعددية، هذه المرحلة الانتقالية أدت إلى إقرار دستور 1989 الذي نص لأول مرة على التعددية السياسية وفتح المجال أمام التعددية الحزبية والإعلامية، كما نص في المادة 40 على الجمعيات ذات الطابع السياسي التي تحولت فيما بعد إلى المادة 42 في دستور 1996 الذي جاء به زروال والتي تعلقت بالأحزاب السياسية، فتكونت مجموعة من الأحزاب وكانت أول بوادر هذا التحول هي انتخابات 12 جوان 1990 التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ما نجم عنه حراك أدى إلى الاعتصام المدني، وبعد سقوط حكومة مولود حمروش ومجيء حكومة سيد أحمد غزالي كنت أرأس الجمعية الوطنية لترقية وإدماج الشباب، تساءلت عمن سيحكم الجزائر وقتها في ظل الفوضى العارمة آنذاك، فلم أفكر إلا في محمد بوضياف وقمت بكتابة رسالة إلى جريدة "السلام" مفادها المطالبة بعودة بوضياف ونشرت لمدة ستة أشهر وكان صاحب هذه المبادرة محمد عباس مدير الجريدة آنذاك، وبعد مدة على نشرها زارني أحد الأصدقاء من أبناء الشهداء مقترحا علي الذهاب إلى القنيطرة من أجل زيارة بوضياف وإقناعه بالعودة إلى الجزائر، لكنني رفضت من باب أن هذه المهمة لابد أن يقوم بها مسؤولون أو مقربون منه، إلى أن سمعنا أنه تم إقناعه بالعودة وكنا ممن استقبله كمواطنين في المطار. وفي 29 جوان 1992 قامت الجمعية الوطنية لترقية وإدماج الشباب بتنظيم ملتقى وطني للشباب بعنابة ووجهت دعوة للرئيس بوضياف والتي قام بتلبيتها، حيث كان يومها مبتهجا إلى أن دخلنا القاعة ليتم اغتياله في مشهد شنيع شاهده الجميع وكنت إلى جانبه في المنصة حتى أنني تعرضت لإصابات بليغة، وكل ما أقوله لكل من خطط وساهم في اغتياله، فقد تركوا وصمة عار في جبين هذا الوطن فالتصفيات الجسدية ليست هي الحل، ومن المفروض أن نأخذ العبرة من كل الإنزلاقات الخطيرة التي أودت بمئات الآلاف إثر تلاعبات سياسوية، لكن يبقى التساؤل مطروحا حول من يقف وراء هذه الحادثة. *هل ترى أن توقيف المسار الانتخابي هو سبب تلك الحقبة الدموية؟ هذه قراءة من القراءات، والسبب الظاهري وراء ذلك الدمار الذي آلت إليه البلاد في تلك الفترة، حتى لا نخطئ التشخيص لمرحلة سابقة من أجل تجنب التأسيس لمخاطر أخرى لابد من دراسة كل مرحلة بتأني وبروح وطنية وموضوعية أكثر والتجرد من التفكير الذاتي.
*بعد اغتيال محمد بوضياف تولى علي كافي رئاسة المجلس الأعلى للدولة، والذي فتح المجال للحوار حول تعيين الرئيس، لو تحدثنا عن تفاصيل هذه الجلسات وإلى أي مدى لعب "العسكر" دورا في تعيين الرئيس السابق اليامين زروال؟ شاركت في كل مراحل الحوار وعينت في لجنة الإشراف على التجمع الوطني الذي انبثق عنه فيما بعد التجمع الوطني الديمقراطي الحالي إلى غاية تسليم علي كافي تقرير اللجنة، وفي المرحلة الثانية تم تعيين اللجنة الوطنية للإشراف على الحوار برئاسة العقيد يوسف الخطيب وبعضوية 3 جنرالات، وهم الجنرال محمد تواتي وأحمد صنهاجي والطيب دراجي، وبمشاركة كل من عبد القادر بن صالح وقاسم كبير وطه ياسين ونقيب المحامين بالشرق، وانطلقت فعاليات الحوار بجنان الميثاق وبدأ الحوار بعد زيادة المخاطر وحدة الأزمة بين الجزائريين، وحتى المخططين لهذا المشروع فشلوا في استيعابه، هذا إذا كان يوجد مشروع لهذه الأزمة، لأنني أشك في أن التخطيط يتجاوز مؤسسات الدولة الجزائرية آنذاك، حضرت اللقاء الثاني وكنا حوالي 30 جمعية وطنية، كما أذكر أن يوسف الخطيب أحال لي الكلمة لأنني لم أحضر في الجلسة الأولى، وكقراءة لي حول تلك الأوضاع قلت أن من أعطى الأمر لنزول الدبابة والكلاشينكوف إلى الشارع لمواجهة المواطن لا علاقة له بالجزائر، لأن الشعب الجزائري ينظر إلى المؤسسة العسكرية على أنها حامية الوطن وهي التي تضمن استقراره ونزولها إلى الشارع يهز ثقته بها، حينها أبدى أحدا الحاضرين استياءه من تصريحاتي وضربا الطاولة، فأضفت أنهما إذا كانا مع الجيش الوطني الشعبي فأنا ضده، وطرح التساؤل حول من يعين رئيس الدولة، ولم تكن آنذاك أي مؤسسة دستورية قائمة غير المؤسسة الأمنية، وبعد التشاور بين أعضاء اللجنة رفعت الجلسة على قرار تعيين الرئيس من طرف هذه المؤسسة.
*لو تطلعنا أكثر على تفاصيل أشغال ندوة الوفاق الوطني التي كنت من أعضائها كممثل للجمعية الوطنية لترقية وإدماج الشباب؟ انطلقت أشغال الندوة تحت رئاسة يوسف الخطيب الذي طلب من رؤساء الوفود الالتحاق بقاعة جانبية بنادي الصنوبر، ليتم انتخاب نائب الرئيس والذي كان مهدي علالو رئيس حزب الوحدة كما تم تعييني كمقرر للجنة، وبدأنا في معالجة أرضية مشروع ندوة الوفاق الوطني وفتحنا نقاشا تم التركيز فيه على مادة رئيسية وهي المادة 6 المتعلقة بتعيين رئيس الدولة، كيف ومن يقوم بذلك حيث قررنا أن تكون المهمة لمؤسسة دستورية قائمة، وتم الاتفاق على توكيل مهمة تعيين الرئيس للمجلس الأعلى للأمن، حيث وردتنا معلومات تقول إن هناك محاولة للاتصال بعبد العزيز بوتفليقة، وهنا حدث تململ بين بعض الأعضاء بين رافضين وقابلين، حيث توجه إليه كل من الجنرال توفيق واليامين زروال و خالد نزار، وأعتقد أن عباس غزيل كان ضمن الوفد فاقترحوا عليه رئاسة الدولة بمعية نائبين هما خالد نزار ويوسف الخطيب، لكنه رفض ذلك مشترطا أن يحكم لوحده وأن يعلن للشعب الجزائري أن المؤسسة العسكرية هي من قامت بتعيينه، فقمنا بتحديد أرضية مشروع ندوة الوفاق الوطني، حيث حددنا ثلاث مؤسسات من رئيس الدولة المنتخب لثلاث سنوات ومجلس وطني انتقالي يضم 200 عضو يقوم بالتشريع وحكومة انتقالية، كما تم التطرق إلى تحديد الخطوط العريضة في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية وغيرها، وفي اليوم الموالي واصلنا أشغال الندوة وانطلقنا في تجسيد أرضية الوفاق الوطني ليعين المجلس الأعلى للدولة اليامين زروال رئيسا للدولة. * قيل أن اليامين زروال تردد قبل قبول عرض تولي الحكم، ما سبب ذلك؟ سمعت حول هذا، فبعد رفض عبد العزيز بوتفليقة اجتمع الوفد ليقرروا من سيتولى الحكم واقترحوا ذلك على زروال الذي تردد في البداية، لكن لا فكرة لدي عن الأسباب الرئيسية لتردده. *في 1998 قام اليامين زروال بتقديم استقالته، هناك من يقول إنه تعرض للضغط من جهة معينة ليقرر الانسحاب من الحكم، ما رأيك؟ لا أعتقد ذلك لأن من تتم إقالته لا يبقى على رأس النظام لمدة 9 أشهر قبل انسحابه، حيث جاء في خطابه أنه لن ينسحب قبل تعيين من يخلفه، فقد نصب مجلس الأمة وبعدها بمدة وجيزة قدم استقالته، حينها تذكرت ماقاله لنا في أول لقاء في المجلس التشريعي على أنه سينسحب بعد آخر هيئة يقر فيها الانتخابات، كما أعلن بعدها عن انتخابات رئاسية مسبقة، فطرحت تساؤلات عديدة حول ذلك إذا أقيل أم استقال بمحض إرادته. *تشهد البلاد في الآونة الأخير أوضاعا وظروفا متوترة على جميع المستويات، ماهي قراءتك لهذه الأحداث؟ في الجزائر ضيعنا ثلاث فرص كانت سانحة لتأسيس الدولة الحديثة ودولة القانون والمؤسسات. ضاعت أول فرصة سنة 1962 بعد التخلص من استعمار استيطاني وحرب ضروس تجاوزت القرن وربع، وقتذاك كان الشعب الجزائري على استعداد لتأسيس دولة قوية، وكانت النخبة وقادة الثورة في أوج وعيها السياسي للحكم الراشد لكن العملية أجهضت من أجل السلطة والحكم، وخسرنا الفرصة الثانية في أكتوبر 1988 والمرة الثالثة كانت سنة 1999، فما عايشه الشعب الجزائري خلال العشرية السوداء كان بإمكانه أن يقيم بعد خروجه منها دولة حديثة ديمقراطية، لكن شخصيا خاب أملي بالرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة حين كنت ممثله في القاهرة أثنيت عليه وعلى خبرته القيمة أشد ثناء، لكنني صدمت بعد مشاهدتي لخطابه في التلفزيون الحكومي، وهو يتحدث عن لقاء بين الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيرون، وهو يمجد فيه مع الرئيس ورمز من رموز الثورة الجزائرية الشاذلي بن جديد حينها تأكدت أن الجزائر ستخسر معه أكثر من 15 سنة، فبعد المكانة التي منحتها له الجزائر كان من المفروض أن لا يدخل في تصفية الحسابات وكل الأحزاب السياسية تحطمت من الداخل منذ وصوله إلى الحكم، أما على المستوى الاقتصادي فالجزائر كانت قادرة على بناء اقتصاد وطني قوي، لكن الواقع يثبت أننا مقبلين على أزمة خانقة تصبح السلطة فيها غير قادرة على توفير أدنى الحاجيات لمواطنيها، ضف إلى ذلك في الوقت الذي تحتاج فيه الجزائر إلى دستور توافقي شرعي يحدد آفاق دولة حديثة بعيدا عن مقاس التفكير الذاتي والتأسيس لحسابات ضيقة نزلت هذه الوثيقة وسيد القوانين إلى مستوى القانون، إضافة إلى شبه إقالة جماعية عن الممارسة السياسية، ناهيك عن المادة المتعلقة بغلق العهدات التي أؤكد أنها عبث واستخفاف بالشعب الجزائري، وفتحها في 2008 أثبت رغبته في الترشح لعهدة رابعة، فإلى متى سنظل على هذه الممارسات التي تجعل الشكوك دائمة حول المسؤولين الجزائريين.