نعيش حالة نفاق مسرحي فيما يتعلق بالأعمال الأمازيغية لدينا تحفظ على دعم وزارة الثقافة للتظاهرة انتقد رئيس جمعية "فرسان الركح"، المخرج المسرحي عقباوي الشيخ، سياسة تسيير المسارح الجهوية بعد تورطها في العبث بالمال العام، ولم يخف عقباوي الذي يعكف حاليا على التحضير لإطلاق الطبعة الأولى لفعاليات "ليالي مسرح الصحراء" في أدرار نهاية شهر أكتوبر انتقاده لنخبة الأكاديميين الذين يتعاملون مع اللغتين العربية الفصحى والأمازيغية على أنها منطوق بدل فتح مخابر البحث لاستغلال هذه اللغة في تقديم مسرح جزائري بمقاييس عالمية، مشيرا إلى هؤلاء الذين يحاولون "فلكرة" الأمازيغية التي أوصلها بفضل جهده واجتهاده إلى مختلف المحافل المسرحية الدولية ليثبت أن الامازيغية ليست مجرد منطوق أو فولكلور. *ماهي الصيغة التي ستبعث بها فعاليات "ليالي مسرح الصحراء" في طبعتها الأولى؟ هي تظاهرة مسرحية وهروبا من تسمية "مهرجان" سميناها" ليالي مسرح الصحراء"، الجديد الذي سنعمل عليه ضمن طبعتها الأولى هو ألاّ نكرر المهرجانات التي تنظّم في الجزائر والخارج، نحاول أن نقدّم الاستثناء والتميز من خلال مسرحة الصحراء، بمعنى توضيب الصحراء لتستقبل عرضا مسرحيا، وربما الظروف الموجودة في أدرار هي التي دفعتنا لنتجه إلى هذه الفكرة، فكل المدن الصحراوية تفتقر للهياكل المسرحية، وعليه فإن مسرحة الصحراء هو فني جمالي يخدم الحركة المسرحية، حيث سنعمل على استقدام عروض تتلاءم مع البيئة الصحراوية، سنقدم العروض وسط الواحات مثلا، وتكون الإنارة هي النار في شكل عودة إلى بدايات المسرح قبل التكنولوجيا والعولمة. *ستقدمون الدورة في طبعة دولية؟ ربما طموحنا دفعنا لكي نعطي التظاهرة صبغة دولية، والتحدي أولا لأنفسنا ولنثبت لوزارة الثقافة بأن الجنوب يستطيع أن ينظم مهرجانات كبيرة مثله مثل باقي الوطن، فجمعية "فرسان الركح" المنظمة للفعالية لها الكثير من المشاركات داخل وخارج الوطن، واكتسبنا خبرة في تنظيم المهرجانات، وعليه فسنحاول أن نتجنب الكثير من الأخطاء التي وقع فيها البقية. *وهل فكرتم في الجانب السياحي للتظاهرة؟ المنطقة بحاجة أن يسوق لها سياحيا، من المهم اليوم أن يصبح المسرح واجهة للسياحة، خاصة وأن الاتجاه السياسي للدولة اليوم هو البحث عن البدائل الاقتصادية، لذلك ربما يكون قد حان الوقت ليساهم المسرح في التنمية وأن يفعّل منحى الدولة نحو السياحة حتى من الناحية الأمنية حين يقام مهرجان مسرحي في الصحراء، فهذا رسالة للعالم بأن الجزائر بخير وبأنها تتحكّم في كل مناطقها، و في هذا السياق أيضا جاء شعارنا "المسرح يوحدنا" كجزائريين وعرب بل جميعنا في العالم. *ألا تعتقد أن تصوركم لهذه التظاهرة بصيغتها الدولية أكبر من إمكانياتكم وأنه قد يكون مغامرة؟ نقول دائما أن طموحنا أكبر من إمكانياتنا، ولكن ربما إذا سلمنا أنفسنا للإمكانيات لن نفعل شيئا لأن الحياة تحدي في النهاية، سنختار 12 عرضا مسرحيا، هناك فرق قدمت ملفاتها ولجنة المشاهدة ستختار العروض التي توافق تيمة تظاهرة "ليالي مسرح الصحراء" التي ستنظم ما بين 23 و29 من شهر أكتوبر القادم، وقد بدأنا الدعاية الإعلامية للفت انتباه الرعاة، لأن وزارة الثقافة قامت بواجبها حتى وإن كان لدينا تحفظ على دعمها لكن الوزارة باركت المشروع وهذا شيء مهم كخطوة أولى، ونحن حاليا نبحث عن قنوات جديدة، ألقينا الكرة في ملعب وزارة السياحة ووزارة الشباب وولاية أدرار بسلطاتها ولا رد لحد الساعة. من ناحية أخرى، نحن نعول على الجمعيات والمسرحيين الجزائريين للوقوف إلى جانب هذه الفعاليات لأنها في النهاية تمثّل صورة الجزائر وليس جمعية "فرسان الركح"، كما نعول كثيرا على المؤسسات الثقافية سواء المسرح الوطني أوالديوان الوطني للثقافة والإعلام وكل من يشترك معنا وحتى الخواص، رغم أننا نعلم بأن الثقافة في الجزائر بعيدة عن اهتمامات الخواص. *ألا تعتقد بأن صعوبة الحصول على الدعم سببه حكم مسبق بأن مسرحيي الصحراء هواة و ليسوا محترفين؟ قضية الهواة و المحترفين فيها كلام كثير في الجزائر و نتحفظ عليه. الجنوب حاليا بعيد عن هذا الموضوع لأنه لا يملك مسارحا جهويا أو بمعنى آخر لا يملك مسارح الدولة، لكن إذا نظرنا على المستوى الإبداعي والجمالي نجد أنّ الأعمال الحرة التي تشتغل في الجنوب استطاعت أن تقطع أشواطا كبيرة ونافست حتى الفرق التي تسمى محترفة وشاركت في الخارج وأخذت عديد الجوائز، وجمعيتي " فرسان الركح" مثال على ذلك، فمشاركاتها الدولية تقدم بها أي مؤسسة وطنية رسمية من 1962 إلى يومنا هذا، وهذا لم يأتي من فراغ إنما من تضحيات واجتهاد وطموح كبير، نحن تحدينا إمكانياتنا فحتى الجغرافيا كانت ظالمة بالنسبة لمدننا في الصحراء، فأقرب مسرح تتوفر فيه الشروط الفنية والتقنية لتقديم عرض مسرحي مقبول يبعد عن أدرار ب 1200 كلم، أي 20 ساعة في الحافة وهو مسرح سيدي بلعباس، وبالتالي فكل هذه هي مشاكل تعرقل تطوير المسرح ونهضته في الصحراء. كان هناك توجّه من وزارة الثقافة لتأسيس مسارح و لمّ شتات الفرق المسرحية، ولكن التفكير جاء متأخر جدا وربما سيتأخر أكثر وفق المعطيات الاقتصادية الحالية، وأيضا غياب إرادة سياسية حقيقية هي التي تأخر نهضة الحركة المسرحية في الجنوب، كما أنه لدينا طاقات شابة من شعراء ومخرجين وممثلين درسوا في المعهد العالي للفنون وممارسين تجربتهم المسرحية رائدة، على غرار جمعية "نسور تندوف" التي كانت من الجمعيات الرائدة والآن إندثرت وأيضا الأغواط تجربتها المسرحية محترمة جدا وتمنراست وبشار وأدرار وواد سوف وغرداية والبيض ..كل ولاية لديها طواقمها المسرحية التي تشتغل في صمت ولا تنتظر المقابل لأنها مؤمنة بما تفعل، ولولا التحديات التي تحدثت عنها الجغرافية والاجتماعية و.. لما كان هناك هذا المسرح. *قلت ضمن أحد منشوراتك الفايسبوكية بأن راهن الفعالية المسرحية في الجنوب تصنعه اليوم تمنراست، هل تنفي بهذا الكلام الحراك المسرحي في مدن الصحراء الأخرى؟ حين نشاهد اليوم التواجد ونوعية العروض المسرحية اليوم، نجد أنّ فرق تمنراست تشتغل اشتغال متميز، في حين تراجعت فرق أخرى بشكل كبير على غرار الأغواط و واد سوف وتندوف وحتى أدرار، وفي الغرب أيضا في وهران ومستغانم تراجعتا، وبلعباس اليوم تصنع الفعالية المسرحية، وحين نتجه إلى الشرق قسنطينة كانت عاصمة للمسرح في زمن ما وعنابة أيضا لكن اليوم ترجعت هذه المدن، وهنا تحدث المفارقة عنابة لها مسرحها الجهوي وقسنطينة أيضا في حين برج بوعريرج لا تملك مسرحا جهويا والفرق الحرة هي التي تصنع الحركة المسرحية هناك، إذا فالهيكل غير مهم. *هل تقصد أن المسارح الجهوية قتلت الحركات المسرحية في تلك المدن؟ المسارح الجهوية لم تستغل جيدا، لو أنها استغلت بالشكل المطلوب لكانت حافزا بالنسبة للفرق المسرحية. المهرجانات الجهوية كان عليها الكثير من الكلام، وأنا شخصيا لست ضد فكرة توقيفها أصلا، ولكن مع المجموع أنا أتواطأ مع جموع المسرحيين، ولكن حين نتكلم عن مهرجانات لم تؤدي واجبها وكانت مجرد عبث بالمال العام، فهنا لابد أن نوجّه ذلك المال لتطوير المسرح والبحث ومساعدة الفرق الجادة. *وما رأيك في من يقول بأن المسرح الصحراوي لم يخرج من قالبه الكلاسيكي القديم وبأنه لا يقدم الجديد؟ هذا الكلام مردود على أهله وبعيد عن الواقع، لأننا حين نرى الأعمال المسرحية التي تناقش اليوم فوق الركح من قبل الفرق المسرحية الصحراوية نرى التجديد على مستوى الإخراج، الأداء والسينوغرافيا، هناك مدن تأثرت بروادها المسرحيين فأصبحت كل قوالبها تتشابه حتى في مستوى الآداء مثلا، في الغرب الكل ذهب في اتجاه علولة وكاكي ومجوبي والحلقة والفخامة في الآداء..في الصحراء ليس لدينا رواد، ليست لدينا تجارب نمطية و لم نتنمط، لكن ما يعاب على الجنوب من وجهة نظر هؤلاء، اشتغالنا باللغة العربية الفصحى وهذا ما يعتقدونه توجها كلاسيكيا، أي عمل بالفصحى هو كلاسيك بالنسبة لهم وهذا غلط. نحن نشتغل بالفصحى لأن منطقتنا هي منطقة صحراء وشعراء، في النهاية نحن منطقة ريف وبادية ولأننا مازلنا نحفظ الذاكرة اللغوية العربية، كما التيفيناغ التي حافظ عليها الطوارق، فالأمازغية اختلطت بالعربية في بلاد الشاوية وبالفرنسية في بلاد القبائل إلا أنها بقيت محافظة على شكلها الأصلي في منطقة الطوراق الأمازيغية لأنه كان مجتمعا منغلقا فحافظ على نفسه، ولأنه بقي بعيدا عن العولمة والتكنولوجيا. *ألم تتخوف من الاشتغال على الأمازيغية التي كادت تخرجك من دائرة الاهتمام في الداخل والخارج؟ دائما أحب توريط نفسي، وفكرة الاشتغال على الأمازيغية جاءتني حين لاحظت بأن هناك نفاقا مسرحيا، للأسف في الجزائر حين نشاهد عرضا ألمانيا أو من البنغلاديش مثلا الكل ينبهر به بالرغم من أنهم لا يفهمون اللغة، وحين يقدم لهم عرض أمازيغي الكل لا يفهم شيئا؟. أردت أن أثبت لهم أنه من العيب أن تكون اللغة هي معيار الإبداع، اشتغلت على لغة لا أعرفها وقدمت عرضا من ذهب في الصين وسيذهب إلى إيطاليا ورومانيا ..لأنني مؤمن بلغة الجمال، أما اللغة المنطوقة فليست معيارا. وما رأيك في التجربة المسرحية الأمازيغية اليوم؟ أزعجتني كثيرا في السنوات الماضية، لأن هناك توجها يريد أن يلصق كل ماهو أمازيغي بالفولكلور، وهناك الكثير من الأكاديميين سامحهم الله يدفعون المسرحيين الشباب إلى الفولكلور، هؤلاء أقول لهم ببساطة "تفضل تراثنا ومسرحه لي"، ما فائدة أن أقدم رقصة فولكلورية على المسرح، وعليه فأنا من خلال اشتغالي على الأمازيغية أردت أن أقدم رسالة مفادها أن الأمازيغية ليست فولكلورا، ويمكنها أن تشتغل على المسرح التجريبي، وأن تشتغل على كل الأشكال المسرحية، فلماذا لم يتم الاشتغال على نصوص شيكسبير مثلا بالأمازيغية؟، لا تراجيديات سوفوفليس. الأمازيغية قائمة بذاتها وبجمالياتها وقادرة أن تقدم خطابا مسرحيا جميلا، وأنا حاليا اشتغل على نص لجون اوني "اونتيغون"، سأقدمه بالأمازيغية وسأبرهن لهم بأن الأمازيغية ليست منطوق فقط، ولن تكون عائقا أمام الإبداع.