البسيط " يخلص" غاليا إذا أخذتك الطريق يوما ما إلى المستشفى، فلا تنسى أن تأخذ معك توصية أو حيلة أخرى تمكنك من ولوج " قصر بوضياف"، فلا الآلام ولا حالتك المزرية ستمنحك فرصة استقبال مثالي. صورة جد سيئة عن دور العلاج التي تحولت إلى حلبات لمعارك لفظية وجسدية أبطالها مرضى و عمال. لم تستطع سياسات وزراء الصحة المتعاقبين على القطاع تحسينها، ولا الخرجات المفاجئة للدكتور بوضياف من تجميل الصورة التي تحتاج إلى مشرط أكبر الجراحين لإعادة الروح إلى هذا المرفق الهام جدا في بلادنا. بعيدا عن حالات الإهمال وعدم التكفل بالمرضى بشكل سريع انتشرت صور العنف داخل المستشفيات الجزائرية لترسم مشهدا آخر أكثر قتامه من سابقيه، فأن يتحول المريض إلى متهم والممرض أو الطبيب إلى ضحية تلك هي المصيبة، والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة، لماذا يلجأ المرضى ومرافقوهم إلى استعمال العنف، والجواب الأكيد أن المعاملة كانت سيئة لدرجة بلوغها درجة العنف بشكليه اللفظي والجسدي، صورة أخرى من صور فظائع القطاع الصحي الذي فشلت كل المقترحات في تحسين خدماته التي راح ضحيتها مئات المرضى وتشوهت أجساد آخرين، وجولة صغيرة بأكبر مستشفيات العاصمة ستقف فيها مندهشا متسائلا إذا كان هذا حال مستشفى مصطفى باشا أو مستشفى مايو بباب الوادي، فكيف سيكون حال مستشفى في أقصى الصحراء أو في العمق الجزائري؟ في مستشفياتنا …يحدث ما لا يليق بالبشر إذا علا الصوت وتشابكت الأيدي وانفجر في وجهك صوت بشري فاعلم أنك داخل مرفق صحي. الجميع متجهم ولا أثر للابتسامة والكلمة الطيبة التي من المفترض أن تكون حاضرة في مثل هذه المواقف، لن تجد أمامك سوى عمال الأمن لتستفسر عن غرفة الطبيب أو الممرض إن كانت حالتك تسمح بذلك، أما إذا كنت مرفوقا بأفراد من العائلة فسيكون الصراخ المشهد الأول الذي يمهد لمسرحية درامية تتكرر فصولها كل يوم على بوابات المستشفيات الجزائرية دون استثناء بعيدا عن أعين المسؤولين. حوادث نسمع عنها يوميا لا نعرف فيها الظالم من المظلوم، الكل يلقي باللائمة على الآخر، استفزازات يومية في أروقة المستشفيات يتحول فيها المريض إلى شاهد على صراعات هو في غنى عنها، صورة أخرى من صور فظائع القطاع الصحي الذي فشلت كل المقترحات في تحسين خدماته التي ارتبطت بعقلية "البايلك" واللامبالاة، والتي راح ضحيتها مئات المرضى وتشوهت أجساد آخرين. من الاستعجالات … إلى أقسام الشرطة تعرض طبيب مختص في الإنعاش بمستشفى مصطفى باشا الجامعي للضرب المبرح من قبل أقارب مريض بالمستشفى، وقبلها تعرض رئيس قسم الأمراض التنفسية بالمستشفى ذاته سابقا إلى الضرب من قبل ابن مريض متواجد بالمصلحة، كما تعرضت طبيبة بمستشفى زميرلي إلى محاولة الاعتداء بعد إغلاق الباب عليها بالمكتب من قبل شابين كانت تحاول إسعاف أحدهما. حوادث تكررت ولا تزال تعرفها المستشفيات الجزائرية، حيث ترتفع حدة التوتر بين طاقم التمريض وعائلات المرضى حتى في الحالات غير الاستعجالية، وهو ما حدثتنا عنه إحدى السيدات بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، وهو ما يدل على تشنج العلاقة بين عمال المستشفيات والمرضى، حيث أكدت أن الممرضين هم من يقومون باستفزاز المرضى من خلال الصراخ في وجوههم أوالتلفظ بعبارات مهينة خاصة للقادمين من المناطق الداخلية، حيث تؤكد السيدة التي بدت عليها علامات الغضب أن المريض الذي يقطع مئات الكيلومترات من أجل إجراء فحص أو تصوير إشعاعي لن يتقبل فكرة أن يصرخ في وجهه موظف يجلس طوال اليوم خلف مكتب في راحة تامة، وأكدت محدثتنا أنها وقفت على حادثة تعرضت فيها إحدى الفتيات القادمة من ولاية جنوبية إلى التوبيخ من قبل ممرض بمصلحة بيار وماري كوري لمرضى السرطان، بسبب سؤالها عن موعد خروج نتائج التحليل المخبري، حيث لم تكن الفتاة تعرف أنه يستغرق وقتا طويلا، والمؤسف أن الممرض أسمعها من الكلام الكثير دون أدني شفقة، خاصة وأن الفتاة قدمت للعاصمة قاطعة مسافة كبيرة جدا لتسمع كلام مهينا جدا. أقسام الولادة.. العنف اليومي تشكل أقسام الولادة بالمستشفيات الجزائرية بؤرة لتوالد العنف بشكل يومي، حيث تمتزج آلام الحوامل بصراخ أزواجهن بعد رفض استقبالهن من قبل الممرضات، وفي أغلب الأحيان يتم غلق بوابات الأقسام في وجوههم، وهو ما حدث في مستشفى عين طاية بالعاصمة الذي يستقبل يوميا عشرات النساء الحوامل، ويشكل الضغط المتزايد عليه سببا في اشتعال حالات الشجار بين المرضى والممرضين وحتى بين القابلات اللاتي يفضلن في كثير من الأحيان عدم مواجهة أهالي الحوامل والاكتفاء بإرسال الممرضات، وفي أغلب الأحيان تكون عاملات التنظيف هن من يتحدثن إلى المريضات اللاتي يجدن أنفسهن مضطرات إلى تغيير المستشفى أو حتى التوجه إلى العيادات الخاصة. أما في مستشفى مصطفى باشا الجامعي، فالأمر مشابه أيضا لباقي أقسام التوليد بالعاصمة التي يؤكد عمالها أن الضغط الذي يتعرضون له بشكل يومي يؤدي إلى ارتفاع حدة التوتر بينهم وبين عائلات المريضات بسبب غياب الأسرة وعدم توفر مكان مخصص لهن، والنتيجة صراخ يومي لا يحله إلا أعوان الأمن الذين يتعرضون إلى التعنيف وحتى الضرب من قبل مرافقي المريضات، الأمر نفسه يتكرر في باقي المستشفيات عبر الوطن. شاهد من مصلحة الإنعاش بمستشفى مايو باب الوادي، أكد حدوث العديد من حالات العنف على الممرضين من قبل عائلات المرضى، منها تعرض طاقم إنعاش في منتصف الليل إلى اعتداء من قبل ابن إحدى المريضات الذي جاء من كندا وملأ قسم الإنعاش بالصراخ بحجة عدم اعتناء الممرضين بوالدته التي كانت ترقد في العناية المركزة، ومقارنة ذلك بالخدمات المقدمة في كندا، وهو ما دفع طاقم العلاج إلى الاحتجاج والمطالبة بتوفير الأمن بشكل كاف. ما تعرفه المستشفيات الجزائرية بشكل يومي أمر مؤسف للغاية ويدعو إلى إعادة النظر في تسيير هذه المؤسسات والمطالبة بالتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة وأن حالة التسيب بلغت مستويات عالية رسمت بشكل مؤسف صورة قاتمة جدا عن حالة المستشفيات في بلادنا، حيث أصبح رفع الصوت والصراخ أقل ما يمكن مشاهدته بشكل يومي مع اللجوء في كثير من الأحيان إلى تحطيم المعدات وتكسير الأبواب، على غرار ما حدث مؤخرا، عندما عمد والد طفل مريض إلى تكسير الباب الحديدي لمصلحة طب الأطفال وتهشيم زجاجه، بعد أن وجده مغلقا، ظنا منه بأنه المنفذ المؤدي إلى قاعة الاستعجالات! مستشفى زميرلي شاهد على بشاعة الوضع عرف مستشفى زميرلي بالعاصمة، عددا كبيرا من الحوادث التي تسبب فيها مرافقو المرضى، ولا يكاد يمر يوم دون أن يتعرض طبيب أو ممرض للضرب أو الشتم رغم أن شهود عيان أكدوا أن التعنيف يحصل بصورة متساوية من المريض إلى الممرض أو العكس. ومن أخطر الحوادث التي شهدها المستشفى، يروي ممرض بقسم الاستعجالات، رفض الكشف عن اسمه، كيف نجت طبيبة بمصلحة الاستعجالات من محاولة اعتداء من قبل شابين قصدا المصلحة، حيث قاما بٌإغلاق باب المكتب عليها محاولين ضربها بعد نشوب شجار لفظي نشب بينهما، ولحسن حظها تم إنقاذها من قبل مريض آخر كان شاهدا على الواقعة قبل حضور دورية الشرطة. أما بمستشفى الرويبة، فقد سجل هو الآخر حادثة اعتداء مماثلة العام الماضي، راح ضحيتها طبيب مقيم وممرضة، ما دفع بكافة عمال المستشفى من أطباء وباقي الأسلاك لشن وقفة احتجاجية تنديدا بغياب الأمن. كما شهدت المؤسسة الاستشفائية نفسها، اعتداء آخر لمرافقي مصاب بجروح بليغة على السلك الطبي وبعض التجهيزات، بسبب تعطل نقل زميلهم إلى مستشفى متخصص في الحروق. ويأتي هذا الاعتداء الجديد ليضاف إلى قائمة طويلة من الاعتداءات التي يتعرض لها باستمرار الطاقم الطبي في مستشفيات ومراكز استشفائية عديدة، ويتذكر الجميع القضية التي زعزعت الرأي العام، حينما اعتدى مرافقو مريضة بالضرب المبرح على طبيب مقيم. ومنذ حوالي سنة، شهد مستشفى زميرلي بالعاصمة، وضعية أخطر، حين تم استعمال "فيميجان" في معركة بين مرافقي مريض وأعوان أمن المستشفى، بعد سوء تكفل بزميلهم. سهام حواس