كان قديما عزيز قوم، ذو مكانة اجتماعية مرموقة، الكلّ يرفع له قبعة الإجلال والاحترام، لأنه صاحب الفضل في صناعة الأجيال من محامي وطبيب وشرطي وقاضي إلى آخر موظف في الإدارة، نعم إنّه الجذع والبذرة التي انفتقت منها كل السيقان المورقة في هذه الحياة، يروي جيل السبعينات والثمانينات وحتى جيل التسعينات، أنّ الأستاذ في عهدهم كان مهابا، صاحب مكانة اجتماعية مرموقة يوقره الكبير ويحترمه الصغير. ويْحي بعزيز القوم، ماله أصبح ذليلا، ينام في الشّارع إلى جانب المجرمين و"البانديا"، يقاسمهم العراء، يلتحف السماء بعيدا عن أهله وأبنائه، يلوك مأساته في دجى الليل، على الرّصيف يحيا حياة الهم والنكد، يكتب مذكرات المأساة، نهارا يلملم في مئزره أصار مهنة نال منها تعبا وكمدا ليصنع منه وسادة يتوسدها ليلا، ينتظر بفارغ الصبر أن يجر الليل ستار ظلامه بعيدا، لعل مع انبلاج خيوط الصبح الجديد يلوح أملا جديدا أو فرجا قريبا. هكذا أريد للأستاذ في هذا الزمان أن يحيا، تتساقط أوراقه من حين لحين، وتنهار بورصته مع كل افتتاح، فيكاد يفلس اجتماعيا بسبب الوضع الذي آل إليه، وبسبب وزارة لم تعطه القيمة المعنوية والاجتماعية التي يستحقها، بل ساهمت في تشويه صورته أمام الرأي العام من خلال التشهير به في الصحافة، فتجلى في ثوب الجشع، المساوم، يستغل التلاميذ كرهائن لتحقيق مزايا، هي مجرد حقوق بسيطة تحفظ كرامته لا غير. كم هي بائسة تلك الصورة، أستاذ ينام بمئزره في الشارع، لا أدري بمن ألصق تهمة تشويه صورة القدوة والمربي، الذي هو شجرة الأخلاق التي تجني الأجيال من ثمارها، هل أثبت التهمة وأدين هو في حد ذاته، لأنّه لجأ لطريقة تظاهر أضرت بسمعته أم لوزارة تمادت في "بهدلة" الأستاذ، أمام الرأي العام، وتمادت في تهديده وتخويفه، ووصفه بنعوت لا تليق بمقامه، لأنّه اختار الشّارع لرفع انشغاله. للأسف لن تقوم لنا قائمة لا في القريب العاجل ولا في المدى الآجل، ولن ننهض من سبات التخلف، ولن تبرق إشراقة شمس في الأفق ما دام ربان سفينة التعليم، الذي يرسو بجنود المستقبل في مرفأ الأمان، قد فقد بوصلته، وذهبت ريح الاحتجاجات بأشرعته، فتاه في عرض القطاع، وبالكاد تغرق معه أجيال هي مستقبل البلاد، تطلق صافرة الإنذار من يوم لآخر، أنقذونا إننا نغرق إننا نغرق.